أوّل الكلام آخره:
- توصلت الحكومة الباكستانية إلى اتفاق بشأن وقف لإطلاق النار مع حركة طالبان باكستان (طالبان الباكستانية)، في محاولة لإنهاء تمرد طال أمده وفتكه.
- ولا يخلو الأمر من أسباب تدعو للتشاؤم من استمرار وقف إطلاق النار الحالي، فقد انهارت مبادرات مماثلة في الماضي، مما أدى إلى استئناف أعمال العنف.
- ولعل من أكثر ما يثير الاهتمام في وقف إطلاق النار الحالي هو دور الوساطة الذي لعبه سراج حقاني، زعيم شبكة حقاني ووزير الداخلية حاليًا في الحكومة التي تقودها طالبان في أفغانستان.
- إذا أدى اتفاق سلام بين باكستان وحركة طالبان الباكستانية إلى انقسام الحركة أو انشقاق بعض الجماعات عنها، فقد يتطلع بعض المنشقين إلى الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.
توصلت الحكومة الباكستانية إلى اتفاق بشأن وقف لإطلاق النار مع حركة طالبان باكستان (طالبان الباكستانية)، في مسعى لإنهاء تمرد طال أمده وفتكه. وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد أعلن الشهر الماضي أنه يواصل محادثاته مع المسلحين. ومن المقرر حاليًا أن يستمر وقف إطلاق النار حتى أوائل كانون الثاني (ديسمبر)، وإذا استمر حتى ذلك التاريخ سيكون من الممكن عندها التفاوض على تمديد آخر. وقد نشطت حركة طالبان الباكستانية منذ عام 2007 وهي مسؤولة عن بعض أكثر السنوات دموية في تاريخ باكستان الحديث. وتتخذ الحركة من بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة شمال غرب البلاد قاعدة لها ومنطلقا لعملياتها. وقد صرح وزير الإعلام الباكستاني فؤاد شودري أن المحادثات تركزت حول «سيادة الدولة والأمن القومي والسلام في مناطق الصراع إلى جانب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي».
على أن الأسباب التي قد تدعو للتشاؤم من استمرار وقف إطلاق النار الحالي ليست قليلة. فقد انهار جهد مماثل في عام 2014، وانتهى بهجوم عسكري باكستاني على المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، بما في ذلك شمال وزيرستان، التي لطالما كانت قاعدة ومنطلقا وملاذا لمجموعات مختلفة من الجهاديين، بما في ذلك مقاتلو القاعدة. ولا تزال شروط وقف إطلاق النار الحالي غامضة، وليس من المعروف ما إذا كانت باكستان قد وعدت بالإفراج عن أي من سجناء حركة طالبان الباكستانية. وقد كانت حركة طالبان الباكستانية مسؤولة عن أعمال عنف غير مسوغة على مدار العقد والنصف الماضيين، بما في ذلك هجوم على مدرسة يديرها الجيش في بيشاور في عام 2014 خلف أكثر من 150 قتيلًا معظمهم من الأطفال. وتهاجم الحركة بشكل منتظم أجهزة الأمن والوحدات العسكرية الباكستانية، وتستهدف أيضًا المصالح الصينية في باكستان. ومع تزايد استثمارات بكين في باكستان، ولا سيّما تلك المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق وممر التجارة الاقتصادية بين الصين وباكستان، تشعر الحكومة الباكستانية بالضغوط المتزايدة للحفاظ على الأجانب في مأمن من عمليات الخطف والهجمات التي تشنها الجماعات المتمردة المحلية، بما في ذلك حركة طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان.
ولعل من المثير في وقف إطلاق النار الحالي هو دور الوساطة الذي لعبه سراج حقاني، زعيم شبكة حقاني ووزير الداخلية حاليًا في الحكومة التي تقودها طالبان في أفغانستان. فمنذ استيلاء طالبان على كابول في آب (أغسطس)، عزز أعضاء فصيل حقاني التابع لطالبان سيطرتهم على مناصب صنع القرار الرئيسية داخل المنظمة في أفغانستان وظلوا على ارتباط وثيق ببعض قادة قوات الأمن الباكستانية، بما في ذلك أجهزتها المخابراتية المحلية السيئة السمعة. وتدرج وزارة الخارجية الأمريكية كلًّا من شبكة حقاني وحركة طالبان الباكستانية على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ولا تزال حركة طالبان الباكستانية نشطة في باكستان، ومنذ انتصار طالبان في أفغانستان المجاورة، تصاعدت هجمات حركة طالبان الباكستانية ضد أهداف مرتبطة بالدولة الباكستانية. وقد توصلت باكستان مؤخرًا إلى اتفاق مع جماعة مسلحة أخرى، هي حركة لبيك باكستان (TLP). ولكن يبدو أن حركة طالبان الباكستانية لديها أوراق ضغط أكثر، وإذا كُتب لوقف إطلاق النار الحالي أن يستمر، فقد يسعى المتمردون إلى الحصول على تنازلات أكبر من الحكومة الباكستانية.
وتتمثل إحدى النتائج المحتملة لاتفاق سلام دائم بين باكستان وحركة طالبان الباكستانية في انقسام الحركة على نفسها، إذ يعارض المتشددون أي اتفاق. فإذا حدث ذلك، فقد يعمل بعضهم على الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، بالنظر إلى الروابط الوثيقة بين الجماعات. وقد تأسس تنظيم الدولة في عام 2015، والذين قاموا على تأسيسها كانوا بعض المقاتلين الساخطين من حركة طالبان الباكستانية. ولعل جزءا من استراتيجية إسلام أباد يتمثل في محاولة التخفّف من عبء مواجهة حركة طالبان الباكستانية حتى تتمكن من التركيز على تمرد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان المتنامي. وقد ساعدت باكستان طالبان الأفغانية في معركتها مع متمردي تنظيم الدولة، فزودتها بمعلومات قيمة يمكن استخدامها لاستهداف معاقل التنظيم. وتكافح حركة طالبان لاحتواء تنظيم الدولة، الذي يواصل شن هجماته بلا رادع، ولا سيما في أجزاء من شرق أفغانستان على طول الحدود الباكستانية. ولكن تنظيم الدولة أظهر قدرته على الضرب في كابول أيضًا، كما يتضح من الهجوم المعقد على مستشفى عسكري مؤخرًا، والذي أدى إلى مقتل قائد بارز في طالبان. ولقد دفعت هجمات الجيش الباكستاني على حركة طالبان الباكستانية العديد من مقاتليها إلى عبور الحدود إلى أفغانستان، وقبل سيطرة طالبان ، كانت إسلام أباد لا تفتأ تتهم كابول بانتظام بإيواء مقاتلي حركة طالبان الباكستانية، وهو ادعاء نفته الحكومة الأفغانية آنئذ بشكل قاطع.