أوّل الكلام آخره:
- أعلن الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من أفغانستان، مما سينهي رسميا أطول حروب أمريكا.
- أدى الإعلان عن إكمال الانسحاب بحلول 11 أيلول / سبتمبر إلى منح طالبان انتصارا مقابل مكاسب قليلة جدا للولايات المتحدة وحلفائها.
- لن يترك الانسحاب للولايات المتحدة أي قوة على الأرض لمكافحة الإرهاب، مما سيزيد من اعتماد الولايات المتحدة على الحلفاء الأفغان للتعامل مع التهديدات الناشئة.
- أدى إعلان الانسحاب إلى إشارة الكثيرين إلى الدروس المستفادة من أحداث العراق عام 2011 عندما انهارت قوات الأمن العراقية، وبرز تنظيم داعش.
أعلن الرئيس جو بايدن في خطاب ألقاه للمواطنين قبل يوم أمس، أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من أفغانستان، وتنهي رسميا أطول حروب أمريكا. وقد تحدد الموعد النهائي للانسحاب في 11 أيلول / سبتمبر 2021. ويستند الانسحاب إلى جدول زمني وليس إلى شروط معينة، مما يعرّض إدارة بايدن لانتقادات من معارضي الانسحاب. وقد قوبل القرار برفض من الجمهوريين في الكونغرس، فقد وصف السيناتور ميتش ماكونيل الانسحاب بأنه «خطأ فادح». كما أكد ليندسي غراهام أن هذه الخطوة قد تعيد أحداث 11/9 مرة أخرى، إذ هي قد تسمح بعودة القاعدة إلى تطوير قدراتها لمهاجمة الأراضي الأمريكية. أما داخل أفغانستان، فالمخاوف ليست جديدة، فانسحاب الولايات المتحدة المفاجئ نسبيا، دون تحقيق أي مكاسب ملموسة، من شأنه أن يعرض للخطر عقدين من التقدم المضني نحو الديمقراطية، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة ودورها في الحياة العامة والسياسية.
ولا زالت العوامل التي أدت إلى اتخاذ القرار حول تاريخ الانسحاب مبهمة، إذا تجاوزنا أنه التاريخ الذي يصادف الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، التي شنتها القاعدة التي كانت يومها تحت حماية طالبان. ويحقق اعتماد التاريخ نفسه، سواء كان متعمدا أم لا، انتصارا رمزيا لطالبان والقاعدة، مع مكاسب قليلة جدا للولايات المتحدة وحلفائها. وبالفعل، أعلن الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، مؤسسة السحاب، عن بيان قادم من «القيادة العامة»، ومن شبه المؤكد أنه سيكون ردا على القرار الأمريكي. ولقد حققت طالبان وحلفاؤها انتصارا إعلاميا هائلا، وهو انتصار من المؤكد أنه سيظهر في الدعاية التي ستحتفل به وتهزأ بالولايات المتحدة وحلفائها، وتؤكد سردية القاعدة حول انتصار طويل الأجل. ويدعم تاريخ الانسحاب المختار السردية الجهادية حول «الاحتلال الصليبي»، ويبدو أنه خطأ ارتكبته إدارة بايدن كان من الممكن تجنبه.
وسيخفض الانسحاب من القدرة الأمريكية على مكافحة الإرهاب على الأرض، مما يزيد من اعتماد الولايات المتحدة على الحلفاء الأفغان للتعامل مع التهديدات الناشئة، على أن هؤلاء الحلفاء لا يملكون سجلا قويا في مقاومة طالبان دون مساعدة أمريكية. وإذا تمكنت طالبان من السيطرة على مساحات واسعة من أفغانستان بحلول أوائل عام 2022، فلن يكون ذلك حدثا مفاجئا. وبما أن طالبان لم تحاول قط الانفصال عن القاعدة، التي بقيت في حماية طالبان، ولا سيما أن العلاقة بين المضيف والضيف صعبة التفكيك في هذا الجزء من العالم، يتوقع العديد من المحللين أن تنتعش القاعدة من نكساتها الأخيرة. ومن المرجح أن يسعى تنظيم القاعدة إلى إعادة تنمية قدراته إلى الحد الذي يمكّنه من شن هجمات كبيرة مجددا على الغرب. وبموجب شروط الانسحاب، تعهدت الحكومة الأمريكية بـ«أنها ستحمّل طالبان مسؤولية التزامها بضمان عدم تهديد القاعدة مرة أخرى» للمصالح الأمريكية والحليفة، مع تطوير تموضع خارجي لمكافحة الإرهاب مع «الحلفاء الأفغان ومع حلفاء آخرين».
ومما لا شك فيه أن الشبكة العالمية لتنظيم القاعدة قد ضعفت في أعقاب حملة مكافحة الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها واستمرت عقدين. ولكن تقرير التقويم السنوي للتهديدات الذي تصدره الهيئات الاستخباراتية الامريكية يشير إلى أن تنظيم القاعدة لا يزال من بين «أكبر التهديدات الإرهابية السنية للمصالح الأمريكية في الخارج» وعلى الرغم من أن ضغط مكافحة الإرهاب أدى إلى تدهور قدرات التنظيم، إلا أنه ما زال «يسعى إلى شن هجمات داخل الولايات المتحدة». إن الانسحاب واحتمال عودة مجموعة إرهابية عابرة للحدود الوطنية قد دفع الكثيرين، بما في ذلك الأدميرال البحري المتقاعد ويليام مكرافين، إلى الرجوع إلى الدروس المستفادة من انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011 وما تلاه من انهيار لقوات الأمن العراقية في مواجهة هجوم داعش، الذي خرج من معسكرات الاعتقال التي أقامتها الولايات المتحدة. إن مقارنة تنظيم داعش في هذه الحالة مناسبة، لأنه فضلا عن احتمال عودة تنظيم القاعدة إلى أفغانستان، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان التابع لداعش لا يزال نشطا أيضا على طول الحدود الأفغانية الباكستانية وقد يسعى إلى استغلال الثغرات الأمنية التي سيخلفها الانسحاب.
ولا يعد الخطر مجرد افتراض. فقد تلقت خلية إرهابية اعتقلت في ألمانيا في نيسان / أبريل 2020 وتبين أنها تخطط لهجمات ضد قواعد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تعليماتها من أحد عناصر داعش المتمركزين في أفغانستان. إن العودة إلى الوضع الذي تكون فيه أفغانستان مرة أخرى ملاذا للجهاديين السلفيين الذين يسعون إلى مهاجمة الغرب سوف تدفع الولايات المتحدة للندم على مغادرة البلاد وفقا لانسحاب قائم على جدول زمني، بدلا من ترتيب الانسحاب بحسب الظروف المفروضة على أرض الواقع. وبعيدا عن التداعيات المباشرة على الولايات المتحدة، يطرح الانسحاب سؤالا عن عائدات الاستثمار الضخم من حيث الدم والثروات، وتأثيره في الشعب الأفغاني نفسه. ولقد بنى العديد من الأفغان على مدى العقدين الماضيين توقعات عديدة بشأن التقدم في الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووضع البلد على المسار الصحيح، الذي مهما كان صعبا فإنه يبعد البلد عن التاريخ المظلم لحكم طالبان. ويحدد الموعد النهائي المعلن للانسحاب جدولا زمنيا دون ربطه بمثل هذه النتائج.