أوّل الكلام آخره:
- يمثل القرار السعودي المُعلن بإنتاج صواريخ باليستية محليًا محاولة لمواجهة ترسانة إيران الصاروخية الآخذة في التوسع.
- يعمل القادة السعوديون على تطوير قدراتهم الصاروخية الخاصة بدلًا من الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية أو الموردين الخارجيين.
- كانت الصين موردًا للصواريخ الباليستية للمملكة في الماضي وتمثل اليوم شريكًا طبيعيًا لمساعدة البرنامج السعودي الجديد.
- قد يخلق برنامج الصواريخ السعودي توترات جديدة في العلاقات الأمريكية السعودية.
وفقا لبعض التقارير الإعلامية الصادرة مؤخرا فإن وكالات المخابرات الأمريكية قد خلصت إلى أن المملكة العربية السعودية قد بدأت بالفعل في تطوير صواريخها الباليستية بمساعدة الصين. وكانت المملكة العربية السعودية قد اشترت صواريخ باليستية من الصين في أواخر الثمانينيات، لكنها لم تطوّر حتى الآن قدرات إنتاج محلية. وقد حددت صور الأقمار الصناعية التجارية المتاحة للجميع منشأة واحدة على الأقل لإنتاج الصواريخ بالقرب من الدوادمي بالمملكة العربية السعودية، وقد ورد أنها بنيت بمساعدة صينية. وهذه التقارير الصادرة في شهر كانون الأول (ديسمبر) تعزّز التقارير الصحفية المبهمة التي خرجت في عام 2019 والتي تفيد بأن المملكة تتعاون بشأن إنتاج الصواريخ الباليستية مع الصين. وفيما يظهر أنه تأكيد لهذه التقارير الجديدة، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن «هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي ولا يندرج في إطار نشر أسلحة الدمار الشامل».
وينسجم تطوير المملكة لقدراتها على إنتاج الصواريخ المحلية مع تحليلات الخبراء العالميين التي تجعل من ترسانة الصواريخ الإيرانية التهديد الأبرز الذي تواجهه المملكة. وقد وصف المسؤولون الأمريكيون ترسانة الصواريخ الإيرانية بأنها «الأكبر في الشرق الأوسط»، وقد استخدمت إيران قدراتها الصاروخية بالفعل في صراعها مع السعودية. فقد تسببت ضربة صاروخية إيرانية في أيلول (سبتمبر) 2019 في توقف ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي لعدة أسابيع، كما أن الصواريخ الباليستية القصيرة المدى التي قدمتها إيران والتي تطلقها بانتظام جماعة الحوثي الزيدية الشيعية في اليمن تسببت في خسائر فادحة في البنية التحتية السعودية. ويسعى القادة السعوديون إلى ضمان أن يكون لديهم قوة صاروخية معاكسة فعالة لردع الضربات الإيرانية أو المدعومة من إيران على المملكة في المستقبل.
ولكن برنامج الصواريخ السعودي المحلي يثير التساؤل عن سبب قرار القادة السعوديين الابتعاد عن الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية في الخليج للدفاع عنهم ضد التهديد الصاروخي الإيراني. وقد يكون لذلك عدة تفسيرات محتملة. فقد ورد أن القادة السعوديين صُدموا من نجاح الضربة الإيرانية عام 2019 على منشآت النفط السعودية، والتي تمكنت من تجنب جميع الدفاعات الصاروخية الأمريكية والسعودية. وزد على فشل الأنظمة الأمريكية في ردع تلك الضربة أو إحباطها قيام الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية بإعادة نشر بعض أنظمة الدفاع الصاروخي ونقلها من الخليج إلى آسيا لمواجهة الصين. وفضلا عن ذلك، فقد أدى قرار الولايات المتحدة بالتفاوض بشأن العودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015، إلى جانب انسحابها من أفغانستان في آب (أغسطس) 2021، إلى تشكك السعودية وقادة الخليج الآخرين في مدى التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج. أما عن سبب عدول القادة السعوديين عن شراء صواريخ جاهزة إضافية، فإنه يرجع إلى قوانين مكافحة الانتشار الأمريكية والتزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات العالمية للحد من انتشار الصواريخ، فهذه القوانين والاتفاقيات تمنع الولايات المتحدة من إمداد المملكة بالصواريخ الباليستية. كما أن قوانين العقوبات الثانوية الأمريكية تسري على الموردين الخارجيين، مما قد يؤدي إلى ردع مبيعات الصواريخ الجديدة إلى المملكة. ويبدو أن القادة السعوديين قد رأوا أنهم بحاجة إلى تطوير البنية التحتية لإنتاج الصواريخ الخاصة بهم لتجنب انقطاع الإمدادات.
ولكن إنتاج الصواريخ محليًا يتطلب مساعدة فنية خارجية، والصين شريك طبيعي لتقديم تلك المساعدة بسبب إمداداتها الصاروخية السابقة للمملكة. ففي آذار (مارس) 1988، كشف النقاب عن شراء المملكة العربية السعودية 50 صاروخًا متوسط المدى من طراز CSS-2 (الريح الشرقية). وفي عام 1990، أفادت شركة فلايت إنترناشونال أنه وفقًا للاستخبارات الإسرائيلية، فقد نشرت صواريخ CSS-2 وشغّلت في موقعين: السليل، على بعد 500 كيلومتر جنوب الرياض، والجفير، على بعد 100 كيلومتر جنوب الرياض. وأشارت تقارير صحفية في عام 2014 إلى أن المملكة عززت قوتها الصاروخية من خلال شراء بعض أحدث طرازات الصواريخ الصينية المتوسطة المدى (DF-21s). ويبدو أن القادة السعوديين يعدّون الصين شريكًا موثوقًا به على استعداد للمخاطرة بتكبد عقوبات أمريكية في سبيل تزويد المملكة بالصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ. وقالت وزارة الخارجية الصينية للصحفيين الأمريكيين في كانون الأول (ديسمبر) إن المملكة العربية السعودية والصين «شريكان استراتيجيان» و«حافظتا على تعاون ودي في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكرية».
وسواء فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المملكة العربية السعودية أو الصين (أو كليهما) بسبب هذا التعاون الصاروخي أم لم تفرض، فمن المؤكد أن برنامج الصواريخ السعودي سيزيد من التوتر في العلاقات الأمريكية السعودية. ويتجنب المسؤولون الأمريكيون بشكل عام الاتصال بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعد أن خلصوا إلى أنه كان وراء مقتل الصحفي السعودي المنفي جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول. كما أن المسؤولين الأمريكيين لا تعجبهم سياسات محمد بن سلمان العشوائية، بما في ذلك التدخل العسكري الفاشل في اليمن الذي تسبب في سقوط آلاف الضحايا المدنيين، وكذلك القرار السعودي والإماراتي في عام 2017 بعزل قطر. ومن المحتمل أن يكون لدى مؤسسة الأمن القومي الأمريكية مخاوف من أن القيادة السعودية قد تستخدم برنامجًا صاروخيًا محليًا موسعًا ليكون ركنا في استراتيجية سعودية مستقلة ضد إيران، وهذا قد يعني احتمال اندلاع حرب إقليمية كبرى فيما إذا أساءت المملكة التقدير. أما من جانب الأمير محمد بن سلمان، فمن المحتمل أنه يرى أن برنامج الصواريخ السعودية قد يدفع الولايات المتحدة إلى الانخراط في التخطيط الاستراتيجي المشترك المعزز مع المملكة وإعادة تأكيد التزامها بأمن السعودية وأمن الخليج على نطاق أوسع. وبغض النظر عن كيفية رد المسؤولين الأمريكيين على برنامج الصواريخ السعودي، فمن المؤكد أن مبادرة الصواريخ السعودية ستزيد من تعقيد الخطط الأمريكية للابتعاد عن الشرق الأوسط للتركيز على التنافس مع القوى العظمى الأخرى المتمثلة بالصين وروسيا.