أوّل الكلام آخره:
- أدت سلسلة من الهجمات والخطط الإرهابية الأخيرة في جنوب شرق آسيا إلى تزايد قلق السلطات بشأن التهديد المستمر الذي يشكله الإرهابيون في المنطقة.
- تسعى الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم داعش إلى مهاجمة أهداف مرتبطة بالمسيحيين بانتظام، بما في ذلك الكنائس، فضلا عن مراكز الشرطة.
- تتميز هذه الهجمات بمشاركة مجموعة من النساء في تنفيذها، إلى جانب أزواجهن وأفراد من عوائلهن في الغالب، وهذه النزعة قد تنمو في المستقبل.
- في منتديات الدردشة عبر الإنترنت، يدعو مؤيدو داعش في ماليزيا وإندونيسيا إلى شن المزيد من الهجمات ويقترحون أن يلجأ المسلحون إلى متفجرات أكثر قوة.
إن الانفجار القوي الذي وقع الأسبوع الماضي في مجمع كنسي في إندونيسيا تذكير صارخ بالتهديد الإرهابي الذي لا يزال يواجه جنوب شرق آسيا. فقد ارتكب هذا الهجوم، الذي وقع على مجمع مسوّر يضم كاتدرائية قلب يسوع الأقدس في مدينة ماكاسار عاصمة مقاطعة سولاويزي الجنوبية، عروسان جديدان وهما على دراجة نارية. وقد حصل الهجوم خلال قداس أحد الشعانين، وهو من أهم الأعياد الكاثوليكية. وفي حين أصيب ما لا يقل عن عشرين شخصا في التفجير، لم يقتل في الهجوم إلا المهاجمان. وتشير التقارير إلى أن انفجار القنبلة كان قويا، مما يدل على أنه لو كان الإرهابيان قد وصلا إلى هدفهما المقصود، لكانت الخسائر كبيرة جدا.
وبعد الهجوم، ألقت الشرطة الإندونيسية القبض على ثلاثة وعشرين شخصا على الأقل حتى الآن يزعم أنهم جزء من شبكة أوسع. ووقعت الاعتقالات في ماكاسار وجاكرتا الكبرى وغرب نوسا تينغارا. وقد صودرت أسلحة ومواد لصنع القنابل أثناء الغارات على منازل مسلحين معروفين، بما في ذلك قنابل أنبوبية مسبقة الصنع ومكونات لصنع ثلاثي أكسيد ثلاثي الأسيتون (TATP)، وهو متفجر قوي غالبا ما يستخدم في الهجمات الإرهابية. وقد وجهت إلى امرأة تهمة «تحفيز» المهاجمين على ارتكاب الهجوم. وقد نسب الهجوم إلى جماعة أنصار الدولة، وهي شبكة جهادية لها صلات بتنظيم داعش. وبعد عدة أيام من الهجوم على الكنيسة في ماكاسار، أطلقت مؤيدة لداعش تبلغ من العمر 25 عاما ست طلقات على مقر الشرطة الوطنية الإندونيسية في العاصمة جاكرتا. إلا أن الشرطة ردت بإطلاق الرصاص وأردت المهاجمة قتيلة، ووصفتها السلطات بـ«الذئبة المنفردة» بمعنى أنها لم تنسق عملها مع أي تنظيم إرهابي، وقد تركت المهاجمة رسالة تدلّ على تطرفها.
وقد شن تنظيم داعش هجمات على مدى السنوات القليلة الماضية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا واستهدف أيضا دور العبادة المسيحية في إندونيسيا والفليبين. كما هاجم مسلحو جماعة أنصار الدولة أهدافا تابعة للشرطة والأجهزة الأمنية. وفي أيار / مايو 2018، تعرضت ثلاث كنائس للهجوم في سورابايا، ثاني أكبر مدينة في إندونيسيا، مما أسفر عن عشرات الضحايا. والجدير بالذكر أن الانتحاريين كانوا من عائلة تتألف من الزوج والزوجة والأولاد الأربعة. وتتميز هذه الهجمات بمشاركة مجموعة من النساء في تنفيذها، إلى جانب أزواجهن وأفراد من عوائلهن في الغالب، وهذه النزعة قد تنمو في المستقبل. ويبدو أن الثنائي المكون من رجل وامرأة أقل إثارة للشكوك، فهو أقدر على الوصول إلى الأهداف المقصودة من خلال التحايل أو تغاضي الأمن. وفي مساء اليوم نفسه الذي وقعت فيه الهجمات على الكنائس الثلاث، فجرت عائلة مجموعة متفجرات كانت بحوزتها لدى مداهمة الشرطة منزلها. كما أن الهجمات الإرهابية تضرب جنوب الفليبين أيضا، فقد تعرضت كاتدرائية كاثوليكية في جولو للهجوم عدة مرات على مدى السنوات الماضية.
وفي منتديات الدردشة عبر الإنترنت، دعا مؤيدو داعش في ماليزيا وإندونيسيا إلى شن المزيد من الهجمات. مما يثير بعض المخاوف المتزايدة إزاء احتمال استمرار العنف في الأسابيع المقبلة. وفي السنوات الماضية، شهدت منطقة جنوب شرق آسيا ارتفاعا في الهجمات الإرهابية خلال شهر رمضان المبارك، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت أهدافا ذات صبغة دينية مثل الكنائس والرموز المسيحية الأخرى. وقد تكون الهجمات ردا على اعتقال السلطات الإندونيسية مؤخرا لعشرين من أعضاء جماعة أنصار الدولة في كانون الثاني / يناير. ويشكل هذا الاعتقال جزءا من جهود مكافحة الإرهاب المستمرة ضد «الجهاديين» في جميع أنحاء المنطقة.
إن موجة الهجمات الأخيرة ما هي إلا تذكير بالطبيعة المستمرة للتهديد الذي تشكله الجماعات الجهادية في المنطقة. ويحافظ كل من تنظيمي القاعدة وداعش على شبكات واسعة في جنوب شرق آسيا، وقد سافر مئات المقاتلين الأجانب من جنوب شرق آسيا إلى العراق وسوريا للقتال مع داعش. وقد قاتل في معركة مراوي في جنوب الفليبين عام 2017 مقاتلون أجانب من خارج جنوب شرق آسيا، كما أن الطبيعة الجغرافية الوعرة للمنطقة تصعّب عملية اختراق بعض معاقل الإرهابيين والمتمردين على قوات مكافحة الإرهاب. وقد نجح داعش في التعاون مع المقاتلين المحليين في المنطقة، منحيا بعض الشيء إيديولوجيته ذات التركيز العالمي، ومركزا في المقابل على بعض المظالم المحدودة في الفليبين وإندونيسيا وماليزيا. وتشير المحاولات الأخيرة لتنفيذ هجمات إرهابية في سنغافورة مدفوعة بدوافع يمينية متطرفة إلى أن المشهد الإرهابي قد يكون أكثر تعقيدا في المنطقة. وقد يحتاج جنوب شرق آسيا، كالعديد من المناطق الأخرى، إلى إيجاد طرق للتعامل مع احتمال عودة المقاتلين من مناطق الصراع، حاملين معهم المهارات والشبكات التشغيلية من ساحة المعركة، فضلا عن تعرض أفراد أسرهم للإيذاء والصدمات النفسية بسبب العنف. وسيكون وضع منهجيات فعالة لتقويم المخاطر والمساءلة وإعادة التأهيل أولوية رئيسة في مثل هذه الحالات، فهو يشكل جزءا أساسيا من جهود مكافحة الإرهاب الأوسع نطاقا في المنطقة.