أوّل الكلام آخره:
- بعد مرور أربعين عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ازدادت الانقسامات بين دوله حول القضايا الرئيسة أكثر من أي وقت مضى.
- يختلف قادة مجلس التعاون الخليجي حول كيفية مواجهة التهديد الإيراني، وهو نفس التهديد الذي حثهم على تشكيل مجلس التعاون الخليجي فيما مضى.
- يعد التعاون الدفاعي الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي أمرا بالغ الأهمية لسياسة الولايات المتحدة في ضوء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتنامي قدرات إيران.
- لا تزال دول الخليج تعاني من اعتمادها الكبير على تصدير المنتجات النفطية والغازية، ومن وباء الكورونا، ومن تغير المناخ، ومن مبادرات منافسي أمريكا، روسيا والصين.
ردا على اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في أيلول / سبتمبر 1980، عمدت ست ممالك عربية في الخليج وهي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي رسميا في أيار / مايو 1981. وقد هدف تشكيل التحالف الذي تركزت اتفاقاته على التعاون الأمني والاقتصادي في المقام الأول إلى مساعدة العراق على محاربة إيران الثورية، الخصم العلني الذي سعى إلى «تصدير» ثورته الإسلامية إلى الخليج والدول العربية الأخرى. وبعد مرور أربعين عاما على تشكيل المجلس، لا تزال دوله تركز على التهديد المتعدد الجوانب من إيران، ولكن الانقسامات داخل دول مجلس التعاون الخليجي حول أفضل السبل لمواجهة هذا التهديد، فضلا عن قضايا أخرى، ازدادت خلال السنوات الأخيرة. وتؤكد ثلاث دول في مجلس التعاون الخليجي، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، أنه يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على ضغط العقوبات على إيران، ولا تبدي ارتياحها لنوايا إدارة بايدن في الانضمام مرة أخرى إلى الاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018. ولأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يشككان في عزم إدارة بايدن على مواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي، فقد باشرتا مؤخرا محادثاتهما الخاصة مع طهران لتخفيف التوترات. فضلا عن أنهما حاولتا استمالة إيران لإنهاء الصراع في اليمن، حيث علّقت حملتهما ضد الحوثيين المدعومين من إيران مؤخرا.
ومن ناحية أخرى، فقد تعاونت ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الكويت وقطر وعمان، مع إيران مؤكدة أن الحوار أفضل من المواجهة، وهي كلها تدعم قرار إدارة بايدن بشأن العودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي الذي عقد عام 2015. وتحتفظ جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، على الرغم من خلافاتها بشأن إيران، بعلاقات دفاعية واسعة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك استضافة القوات الأمريكية ومعداتها في بعض منشآتها العسكرية. إن تيسير الإمكانيات والتعاون محوريان لجهود الولايات المتحدة المبذولة ليس لردع إيران فحسب، بل أيضا لمكافحة الجماعات الإرهابية في أفغانستان وأماكن أخرى في المنطقة بعد استكمال الانسحاب من أفغانستان في آب / أغسطس.
ونظرا لأن التعاون الدفاعي مع دول مجلس التعاون الخليجي يشكل أحد أعمدة استراتيجيات السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية في المنطقة، لا يزال المسؤولون الأمريكيون قلقين بشأن الأزمات التي لم تحل بين دول الخليج. ولم تستكمل معالجة الخلاف داخل دول مجلس التعاون الخليجي بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين على الرغم من اتفاق العُلا في كانون الثاني / يناير 2021 لإنهاء الحصار الذي استمر أربع سنوات ضد قطر. وفي كانون الثاني / يونيو، أعادت المملكة العربية السعودية سفيرها في الدوحة، ولكن الإمارات والبحرين لم تحذوا حذوها. ولم تستأنف البحرين بعد علاقاتها التجارية ولا رحلاتها الجوية مع قطر، وتعثرت الجهود التي بذلتها الدولتان في حزيران / يونيو و تموز / يوليو لعقد محادثات لحل قضاياهما الثنائية. ولدى المسؤولين الأمريكيين أيضا مخاوف بشأن العلاقات الأمنية المتنامية بين دول الخليج ومنافسي أمريكا روسيا والصين. فمن أجل جمع الأنظمة المتقدمة اللازمة لمواجهة التهديدات الإيرانية، اشترت الإمارات العربية المتحدة طائرات مسيرة مسلحة من الصين، وتفكر عدد من دول الخليج في شراء نظام الدفاع الجوي S-400 المتطور من روسيا. وقد سعى المسؤولون الأمريكيون إلى الحصول على تعهدات من الإمارات العربية المتحدة بالحد من علاقاتها الدفاعية مع الصين شرطا للمضي قدما في بيع الطائرات المقاتلة المتطورة من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة. وفي أواخر عام 2020، قامت البحرين والإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي حين أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لم تنضم إلى هذه الاتفاقيات (المعروفة باسم «اتفاقات إبراهيم»)، فإن هذه الخطوة لم تتحول إلى نقطة خلافية بين دول مجلس التعاون الخليجي، انطلاقا من أن جميع الدول الأعضاء فيه تحافظ على بعض العلاقات مع إسرائيل.
وفي أوائل تموز / يوليو، ظهرت مشاكل جديدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه المرة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما أقرب حليفين تاريخيا. وقد أدى الخلاف بين الدولتين حول استراتيجية إنتاج النفط إلى إحباط جهد كبار منتجي النفط (ما يسمى أوبك+) لتحديد أهداف إنتاج جديدة. ويعكس الانشقاق في السياسة النفطية تحديات أوسع تواجه دول الخليج تتجاوز التهديدات الأمنية الطويلة الأمد. وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إعادة استثمار عائدات النفط على المدى القريب في تكنولوجيا الطاقة المتجددة وغيرها من مبادرات التنويع الاقتصادي. وتسعى المملكة العربية السعودية، وإلى حد أقل الكويت، إلى الحفاظ على السوق العالمية للنفط الخام من خلال الحفاظ على استقرار أسعار النفط الحالية نسبيا. إن التهديد الأطول أجلا لصادرات النفط الخام الخليجي هو، في جزء منه، نتيجة الاهتمام العالمي المتزايد بمكافحة تغير المناخ، وهو التغير الملموس في دول الخليج حيث يصعب تحمّل أشهر الصيف في هذه البلاد. وفي الوقت نفسه، لا تزال جائحة كورونا تعطل اقتصادات بعض دول الخليج، وخاصة البحرين والإمارات العربية المتحدة، التي اعتمدت حتى وقت قريب على لقاحات صينية الصنع غير فعالة نسبيا لتلقيح سكانها. وتغيب الحلول الفورية لأي من التهديدات الأمنية أو الاقتصادية أو الصحية أو غيرها من التهديدات التي تواجه دول الخليج، ولا تزال الوحدة التي تحتاجها الدول الست لمواجهة هذه التحديات بعيدة المنال.