أوّل الكلام آخره:
- لقد قضى استيلاء طالبان على السلطة على معظم المكاسب التي حققها الأفغان – رغم الصعوبات الهائلة – على مدار العشرين عامًا الماضية في مجالات التعليم وحقوق المرأة ومشاركة المجتمع المدني.
- تقلّص نفوذ واشنطن للتأثير في أفغانستان بشكل كبير في ظلّ إقفال السفارة والغياب عن الأرض.
- من بين المخاوف المتعلقة بالأمن البشري يبرز احتمال أن تعود أفغانستان مرة أخرى لتصبح ملاذا آمنا للمنظمات المتطرفة والجماعات الإرهابية.
- من الضروري تقديم مساعدات أكثر خضوعًا للمساءلة، والتعامل مع طالبان على مستوى ما من أجل منع النهب وضمان تسليم المساعدات إلى المستفيدين المقصودين.
لقد قضى استيلاء طالبان على السلطة على معظم المكاسب التي حققها الأفغان – رغم الصعوبات الهائلة – على مدار العشرين عامًا الماضية في مجالات التعليم وحقوق المرأة والحقوق الجندرية ومشاركة المجتمع المدني. وقد بدأ الشعور بالمخاطر المحدقة بالفعل، ويمكن توقّع الأسوأ ولا سيما بالنسبة للسكان الأكثر ضعفا. وتواجه أفغانستان جملة من التحديات الخطيرة، وقليلون يعتقدون أن طالبان قادرة على مواجهة هذه التحديات. وتفيد بعض التقارير أن بعض الآباء قد حاولوا بيع أطفالهم مقابل المال لشراء الطعام. ومع اقتراب فصل الشتاء ومواجهة الأفغان أزمة إنسانية واسعة النطاق يغذّيها نقص الغذاء والكارثة الاقتصادية، ازداد الوضع سوءًا. ورغم أن النفوذ الأمريكي محدود اليوم، إلا أن تعامل الحكومة الأمريكية مع طالبان على مدى السنوات الماضية يسمح لها بتقدير الحاجات الملحة لضمان حصول أعداد كبيرة من الأفغان على المساعدة الإنسانية المطلوبة لمنع الخسائر في الأرواح البشرية، وبإيصال الرسالة إلى من ينبغي أن تصلهم. وفي هذه الأثناء، لا يزال المجتمع الدولي منقسمًا حول مسألة ما إذا كان يجب مساعدة طالبان في معالجة أوجه القصور الحرجة، وذلك تخوفا من أن تضفي المساعدات التي تستهدف الشعب الأفغاني بعض الشرعية السياسة على حكومة طالبان. وعلاوة على ذلك، فحتى الآن ما من استثناءات إنسانية في العقوبات الدولية التي تستهدف حركة طالبان، هذه العقوبات التي تساهم بشكل كبير في أزمة السيولة وارتفاع معدل التضخم مما يؤثر في قدرة الأفغان على الوصول إلى الغذاء ويضعف جهود المساعدة.
وفي سياق متصل، ما زالت الولايات المتحدة تحاول التعامل مع عواقب انسحابها السيء والإخلاء الفاشل لأفغانستان الذي بدأ في منتصف آب (أغسطس). وقد تقلّص نفوذ واشنطن للتأثير في أفغانستان بشكل كبير في ظلّ إقفال السفارة والغياب عن الأرض. وقد أساءت الولايات المتحدة تقدير الوضع الأفغاني ولم تتوقّع قدرة طالبان على السيطرة على جميع أنحاء البلاد بهذه السرعة. وهذا يشير إلى ضعف المعلومات الاستخباراتية الأمريكية، والذي يعني أن إدارة بايدن لم تكن على دراية كافية بمدى تغلغل طالبان في المدن والبلدات والقرى. ويبدو أن المحادثات التي دارت بين الأمريكيين وطالبان في الدوحة كانت إلى حد بعيد منفصلة عما كان يحدث على الأرض في أفغانستان.
ومن الضروري اليوم تقديم مساعدات أكثر خضوعًا للمساءلة، والتعامل مع طالبان على مستوى ما من أجل منع النهب وضمان تسليم المساعدات إلى المستفيدين المقصودين. وينبغي أن تظل قضية الحكم في أفغانستان مسألة بالغة الأهمية للمجتمع الدولي على المدى الطويل، ولكن ذلك ينبغي أن يأتي بالضرورة بعد المساعدات الإنسانية العاجلة لإنقاذ الحياة. وقد تعرضت أفغانستان لنزيف أدمغة هائل في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة، ومن بقي من الطبقة الوسطى يكافح اليوم من أجل البقاء والعثور على عمل. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن طالبان من تقديم الخدمات الأساسية، بل إنها لا تستطيع اليوم دفع رواتب كثير من مقاتليها، مما دفع المزيد من المسلحين إلى الاعتداء على السكان والانخراط في الابتزاز والأنشطة الإجرامية الأخرى، والتي تشمل تجارة المخدرات التي لا تزال موردا مهما بالنسبة لطالبان. وقد وردت تقارير عديدة عن فظائع ارتكبت في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الرجم وقطع الرؤوس وتعذيب الأفراد المرتبطين بالحكومة السابقة. وفي المقابل، يكتسب تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان وقودًا للاستقطاب وتجنيد مزيد من العناصر، ويرى فيه بعض الجهاديين بديلا لطالبان.
من بين المخاوف المتعلقة بالأمن البشري يبرز احتمال أن تعود أفغانستان مرة أخرى لتصبح ملاذا آمنا للمنظمات المتطرفة والجماعات الإرهابية – مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات على المدنيين من جهة وعلى الإرهاب الجهادي العالمي من جهة أخرى. وقد ركز الكثيرون في البداية على التهديدات التي تشكلها حركة طالبان نفسها، وتنظيم القاعدة إذا عاد إلى الحماية الطالبانية من جديد، ولكن القلق اليوم يتزايد بشأن التهديد الأمني الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. وقد دفعت ديناميكيات الصراع الحالية في أفغانستان بعض كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية إلى التحدث علنًا عن التعاون مع طالبان في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. وقد فشلت حركة طالبان حتى الآن فشلًا ذريعًا في مكافحة التمرد، مما تركها أمام تحد كبير يتعلق بشرعيتها، بوصفها حركة جهادية من ناحية، وبوصفها سلطة حاكمة من جهة أخرى. وفي غضون ذلك، تتخبط حكومة الولايات المتحدة وهي تحاول تطوير استراتيجية متماسكة لأفغانستان، فهي إلى اليوم لا تعلم كيف يمكنها التعامل مع حكومة تضم قيادتها أعضاء في شبكة حقاني التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية أجنبية.