أوّل الكلام آخره:
- لا يزال وباء كورونا ينتشر في أجزاء كبيرة من العالم، والسبب الأول لذلك هو بطء التطعيم وانتشار المتحورات الوبائية.
- اضطر العاملون في التجسس، ولا سيما الاستخبارات التي تعتمد على العنصر البشري، على التكيف مع مجموعة من التغيرات الهامة الناجمة عن الوباء.
- لا تزال القيود المفروضة على السفر، محليا ودوليا، تعطل السفر السري والاجتماعات وتوظيف العملاء.
- على عكس ما يظهره لنا عالم هوليوود، لا حل تقنيا سريعا يلغي العنصر البشري أو يتغلب على العديد من التحديات الاستخباراتية التي يطرحها وباء كورونا.
لو كان ما نعيشه فيلما، بما في ذلك الزامية لباس الكمامات الوقائية، لكنا تكلمنا عن العصر الذهبي لإخفاء الهوية واللقاءات السرية. ولكننا لسنا في هوليوود، والواقع مختلف تماما. فقد تسببت قيود السفر في إحداث خلل كبير في جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية، وبينما تحمي الأقنعة الآخرين من انتشار الفيروس، فإن فعاليتها أقل في حماية أولئك الذين يرتدونها بهدف التخفي وعدم الكشف عن هوياتهم، بغض النظر عما تنقله هوليوود. وقد تكون رحلات السفر والتجمعات قد توقفت مؤقتا، لكن متطلبات استخبارات الأمن القومي للدول ظلت ملحة أكثر من أي وقت مضى، إن لم تزد، مع استمرار انتشار الأيديولوجيات والسرديات المتطرفة بالتساوي مع انتشار الفيروس. وكان على وكالات الاستخبارات أن تستنبط الحلول التي تراعي الاحتياجات المعتادة، فضلا عن الشواغل الصحية وبيئة العمل المختلفة. وكان على المجرمين والإرهابيين والمتطرفين من طرفهم التكيف مع التغيرات الجديدة أيضا.
ومنذ بداية العام 2020، شهدنا تارة تشديدا على القيود المحلية والدولية جراء كورونا، وتراخيا طورا، بحسب الدول. واليوم، في منتصف عام 2021، يتراجع انتشار الوباء في بعض الدول، ويزداد في أخرى. ولا يزال الوصول إلى اللقاحات وتوزيعها غير متكافئ إلى حد كبير، حيث تسجل دول مثل الولايات المتحدة فائضا في المعروض لأن نسبة كبيرة من سكانها ترفض اللقاح، أما في أوروبا وأستراليا فما زال التردد بشأن نوع اللقاح يبطئ معدلات التلقيح. وفي الوقت نفسه، فإن معدلات التطعيم في مساحات كاملة من إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية منخفضة انخفاضا رهيبا بسبب عدم توفر جرعات كافية. وقد أدى ذلك كما هو متوقع إلى ظهور طفرة خرجت عن نطاق السيطرة للفيروس، وهي «متحور دلتا» الذي بات مصدرا جديدا للمشاكل في كل مكان، مستهدفا المجتمعات ذات معدلات التطعيم المنخفضة. وبناء على ذلك، تعمل وكالات الاستخبارات وإدارات الشرطة ووحدات الاتصال التابعة لها على موجات مختلفة، مما قد يؤدي إلى فرض تحديات في تبادل المعلومات والتعاون الاستخباراتي، وهما أمران أشارت استراتيجية مواجهة الإرهاب المحلي الأمريكية الجديدة إلى ضرورتهما لفهم التطرف والتصدي له.
وقد أدى التوزيع غير المتكافئ للقاحات إلى تفاقم خطورة الوضع حيث يمكن لعملاء الاستخبارات من الدول الغربية السفر بسهولة بين بلدانهم، في حين أن «الأهداف الصعبة» تزداد صعوبة بسبب القيود الصحية. إن أحد التحديات هي أن الجواسيس الغربيين يضطرون إلى الاجتماع بمصادرهم في بلدان ثالثة حيث يمكن لكلا الطرفين السفر بأمان ضمن عملية تدقيق مقبولة. ومن المحتمل أن يؤدي التقلب المستمر لقيود السفر إلى فوضى عارمة في عمليات الاجتماع بالمصادر أو إلى تراجع وتيرتها. كما يمكن للتباطؤ في اجتماعات العملاء أن يؤدي بدوره إلى شح في المعلومات الاستخباراتية، على الرغم من أن الوكالات لا تعتمد أبدا على نوع واحد فقط من طرائق جمع المعلومات. فالاستخبارات البشرية ليست الا نوعا من أنواع عديدة من مصادر الاستخبارات والمعلومات، التي تشمل الإشارات الاستخباراتية، والاستخبارات الصُوَرية، والقياسات والتوقيعات. وقد أصبحت استخبارات المصادر المفتوحة أكثر قيمة في ظل الوباء، ولكن كان لها أيضا تأثير في التسوية بين وكالات الاستخبارات والجهات الفاعلة غير الحكومية.
ومما لا شك فيه أن وكالات الاستخبارات تمتلك وسائل آمنة للتواصل مع المصادر ولكن كما يتضح من التسريبات المستمرة وقرصنة الاتصالات التي كان يفترض سابقا أنها آمنة، فلا يمكن اعتماد هذه الأساليب على أنها البديل المناسب للاجتماعات وجها لوجه. فضلا عن ذلك، يغير الناس أنماط سلوكهم وتفاعلهم عبر الإنترنت، مما يجعلهم أقل شبها بحالهم في الاجتماعات في الحياة الحقيقية. وحتى مع التشفير، يجب تسليم بعض المعلومات مباشرة. فالقاعدة العامة أنه كلما كانت المعلومات أكثر حساسية، كانت طريقة التسليم أكثر أهمية. ومن المؤكد أن الكورونا تستمر في تعطيل الحركة والتفاعلات البشرية الأساسية. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الأخبار ليست كلها سيئة بالنسبة لوكالات الاستخبارات. فقد أدى الارتفاع غير المسبوق في المؤتمرات عبر الفيديو إلى توفير فرص جديدة. وتجذب سهولة استخدام منصات مثل Zoom المستخدم، إلا أن وكالة الاستخبارات شبهت هذه المنصات بالفاكهة السهلة المنال. ومن قرارات العمل إلى الدراسات العلمية، فإن التعاون عبر الإنترنت له نتائج إيجابية للغاية ولكن، كما هو الحال مع جميع التقنيات، لا بد من وجود ثغرات أمنية خطيرة ومخاوف وسلبيات يجب مراعاتها أيضا. والمشكلة تتعدى مجرد اللقاء عبر الفيديو، لتشمل مشاركة الملفات والبريد الإلكتروني غير المشفر وتخزين البيانات التي ثبت أنها عرضة لأعمال الفدية والبرامج الضارة والتجسس السيبراني. وبالتالي فإن التكيف مع الأساليب الاجتماعية وأشكال الاتصالات الجديدة وأنماط السلوك سيكون مكونا أساسيا في جهود الاستخبارات البشرية في مرحلة ما بعد كورونا.