أوّل الكلام آخره:
- تسببت العديد من النجاحات العملياتية الإسرائيلية الملحوظة داخل إيران في حدوث هزة في قيادة المخابرات الإيرانية.
- تتحول إسرائيل من استهداف حلفاء إيران الإقليميين في المقام الأول إلى استهداف مواقع وشخصيات بارزة داخل الجمهورية الإسلامية نفسها.
- الحرب السرية بين إيران وإسرائيل قد تعرقل المحادثات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- وتتزايد احتمالات أن يتصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني ويتوسع ليتحول إلى حرب إقليمية أوسع.
على مدى السنوات الماضية، انخرطت إيران وإسرائيل في صراع سري منخفض الحدة. وحتى الآن، اتخذ الصراع شكل هجمات إلكترونية على البنية التحتية، وضربات على ناقلات النفط، وهجمات بطائرات بدون طيار، واغتيالات إسرائيلية للعلماء الإيرانيين ورجال الأمن وتخريب المنشآت داخل إيران. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما حدث في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 عندما دبر عملاء إسرائيليون اغتيال محسن فخري زاده رئيس البرنامج النووي الإيراني، داخل إيران. وفي الشهر الماضي فقط، قبض على ضابط في الحرس الثوري الإسلامي، وهو العميد علي ناصري، بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، مما يدل على مدى قدرة إسرائيل على اختراق المؤسسة الأمنية الإيرانية.
في أيار (مايو)، عجلت عملية إسرائيلية أخرى في إيران بسلسلة من الأحداث أدت إلى واحدة من أبرز الهزات في جهاز الأمن الإيراني منذ سنوات عديدة. ففي وقت سابق من ذلك الشهر، اغتال عملاء مرتبطون بإسرائيل العقيد في الحرس الثوري الإيراني صياد خدائي، الذي كان نائب قائد «الوحدة 840» في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني – وهي الوحدة التي تخطط لعمليات اغتيال واختطاف عبر الحدود ضد الأجانب، بمن فيهم الإسرائيليون. وقال مسؤولون أمريكيون للصحفيين إن إسرائيل أبلغت الحكومة الأمريكية بأنها تقف وراء عملية الاغتيال. ويبدو أن مقتل خدائي زاد الضغط على المؤسسة الأمنية الإيرانية للرد، وفي منتصف حزيران (يونيو)، يبدو أن إيران قررت السماح بعملية اغتيال تستهدف سياحا إسرائيليين يزورون تركيا. ولكن كُشف عن المؤامرة، واعتقلت تركيا خمسة إيرانيين وثلاثة مواطنين أتراك يُزعم تورطهم. ولم يلق فشل العملية الإيرانية بظلال من الشك على قدرة إيران على الرد بشكل متناسب على العمليات الإسرائيلية ضد إيران فحسب، بل أدى أيضًا إلى نشوب خلاف دبلوماسي بين أنقرة وطهران.
أدت الإخفاقات الأمنية الأخيرة، إلى جانب الخلاف الدبلوماسي الناتج مع تركيا، إلى إحداث تغيير كبير في التسلسل الهرمي للاستخبارات الإيرانية. ففي قرار كان سيتطلب دعم المرشد الأعلى لإيران، أقال النظام رئيس المخابرات في الحرس الثوري الإيراني حسين طائب من منصبه الذي شغله لعقد من الزمان، وعُيّن بدلًا من ذلك مستشارًا للقائد العام للحرس الثوري الإيراني. وكان الطائب في وقت سابق رئيس ميليشيا الباسيج التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، وبصفته رئيسًا لمخابرات الحرس الثوري الإيراني، كان له دور فعال في قمع المعارضة المحلية واستهداف المنشقين عن النظام الذين يعيشون في الخارج. ويمثل خفض رتبة الطائب تشكيكا في قدرته على مواجهة النجاحات الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة، فضلًا عن تخوف من أن الخلاف مع تركيا قد يجبر أنقرة على الانضمام إلى دول إقليمية أخرى معارضة لإيران.
إن رغبة إسرائيل بالضرب داخل إيران وقدرتها على ذلك – بما في ذلك هجوم الطائرات بدون طيار في أيار (مايو) الذي استهدف مجمع بارشين العسكري الإيراني السري – لهما تداعيات أوسع على المنطقة. إذ يشير استعداد إسرائيل المتزايد للقيام بعمل سري داخل إيران إلى تغيير في الإستراتيجية. فبدلًا من استهداف إيران عبر حلفائها ووكلائها، تبدو إسرائيل أكثر جرأة بما يكفي لضرب القدرات الإستراتيجية لإيران بشكل مباشر. ويشير هذا التحول الواضح في الاستراتيجية الإسرائيلية إلى أن تل أبيب لم تعد ترغب في الاعتماد على العقوبات الأمريكية لإضعاف إيران استراتيجيًا ولا على إمكانية أن يؤدي إحياء الاتفاق النووي الإيراني إلى احتواء طموحات إيران الإقليمية على المدى الطويل. وبالتوازي مع هذه الهجمات، سعت إسرائيل أيضًا إلى استخدام علاقاتها المتوسعة مع العديد من دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل شن ضربات دورية على المنشآت والميليشيات المدعومة من إيران في سوريا ووجهت دفاعاتها الجوية لصد الهجمات الصاروخية التي يشنها حزب الله اللبناني وحركة حماس التي تتخذ من غزة مقرًا لها.
وتعقد استراتيجية إسرائيل هذه جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ويعارض القادة الإسرائيليون الجهود التي تبذلها إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 ويؤكدون أن لإسرائيل الحق في اتخاذ أي إجراء ضد برنامج إيران النووي أو سائر البنى الاستراتيجية الإيرانية إذا اقتضى الأمن الإسرائيلي ذلك. ولكن المسؤولين الأمريكيين يرون أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية أو الأمريكية، إلى جانب العقوبات الأمريكية، لا يمكنها كبح برنامج إيران النووي على النحو الذي يمكن أن يتحقق من خلال الاتفاق النووي. ويمكن أن تعرقل الهجمات الإسرائيلية داخل إيران المحادثات التي تعثرت بالفعل بسبب الخلافات الأمريكية الإيرانية. وقد تأجلت المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في الدوحة في أواخر حزيران (يونيو) دون الإبلاغ عن إحراز تقدم. ولم تنسحب إيران، حتى الآن، من المحادثات التي استمرت لمدة عام بسبب أي عملية إسرائيلية ضد إيران، ولكن ردة الفعل الإيرانية قد تكون مفاجئة. وعلى نطاق أوسع، تساهم الهجمات الإسرائيلية في خلق دورة تصعيدية من العنف، من خلال تمكين القادة الإيرانيين من تسويغ هجماتهم المستقبلية على الشحن في الخليج العربي، وعلى دول الخليج نفسها، وعلى القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وسوريا. وقد ازدادت احتمالية قيام إيران بالانتقام من أراضي دول الخليج في ظل اصطفاف دول الخليج، في السنوات الأخيرة، مع إسرائيل ضد طهران. ولا يمكن استبعاد ضربة أخرى بحجم الهجوم الصاروخي الإيراني في أيلول (سبتمبر) 2019 على المملكة العربية السعودية، والذي أوقف مؤقتًا ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي. وهجوم بهذا الحجم من شأنه أن يزيد من أزمة أسواق النفط العالمية التي تسببت بها العقوبات الغربية على قطاعي النفط والغاز في روسيا. وعلى الرغم من أن تل أبيب وطهران قد اعتادتا على صراع منخفض الحدة يدور في الظل إلى حد كبير، إلا أن أي سوء تقدير من أي من الجانبين قد يؤدي إلى تصعيد الصراع وجر المنطقة إلى حرب مباشرة.