أوّل الكلام آخره:
- لن يكون لانتهاء العمل بالحظر الأممي لنقل الأسلحة من إيران وإليها في تشرين الأوّل / أكتوبر المقبل مفاعيل عظيمة الشأن، إذ لن يغيّر كثيرا في طبيعة التهديد الإستراتيجيّ الذي تمثّله إيران.
- تعيق الصعوبات الاقتصادية إيران عن الاستفادة من انتهاء الحظر بشراء منظومات قتالية ذات شأن.
- وتعدّ الأسلحة التقليدية هامشية في استراتيجيات طهران الإقليمية، فإيران تعتمد في المقام الأول على تسليح شبكة من الحلفاء والموالين والفاعلين غير الحكوميين في الإقليم وتدريبهم والإشراف عليهم.
- وتواجه جهود إدارة ترامب لتمديد حظر الأسلحة اعتراضات بالغة للصين وروسيا والدول الأوروبية.
تسعى إدارة ترامب حثيثا لدفع سائر الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى تبنّي قرار أممي يمدّد حظر نقل الأسلحة من إيران وإليها. ويذكر هنا أن الدول الخمس الدائمة العضوية جميعا كانت مشاركة في صناعة الاتفاق النووي مع إيران والذي تُوصّل إليه سنة 2015. وبحسب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، وهو القرار الذي توّج الاتّفاق النووي المذكور، تنتهي مفاعيل الحظر في 18 تشرين الأول / أكتوبر من هذا العام، وكان الهدف من رفع الحظر هذا تشجيع إيران على الالتزام بالاتّفاق. على أن إدارة ترامب تخلّت عن الاتّفاق في أيّار / مايو 2018، مفضلة ممارسة حملة أسمتها «الضغوط القصوى» لدفع اقتصاد إيران نحو الانهيار على نحو يمنع إيران من أن تشكّل تهديدا لجيرانها. ومع ذلك ترى إدارة ترامب أن من حقّها استخدام بند في القرار 2231، رغم أنها خرجت من الاتفاق، يعيد العمل تلقائيا بكل العقوبات الدولية على إيران، بما يعني انتهاء الاتفاق تماما، إذا ما رفض مجلس الأمن تمديد حظر الأسلحة. وقد واجهت الولايات المتحدة معارضة شديدة من روسيا والصين لتمديد الحظر هذا، ومقاومة منهما ومعهما أيضا بريطانيا وفرنسا وألمانيا الشركاء في الاتّفاق النووي لأي محاولة من الولايات المتّحدة لإعادة العمل التلقائية بالعقوبات الدولية.
وقد عمدت الولايات المتحدة في أواخر حزيران / يونيو إلى توزيع مسوّدة قرار يمدّد الحظر سنة واحدة، بعد أن كان مشروعها المقترح في صورته الأولى لا يتضمّن حدًّا زمنيا. ويبدو أن هذا التحديد الزمني يهدف إلى كسب تأييد بعض الأصوات المتحفّظة في مجلس الأمن. ويسمح القرار بتعقّب شحنات الأسلحة إلى حلفاء إيران، واعتراض السفن الإيرانية في المياه الدولية وتفتيشها بحثا عن السلاح. وقد غرّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو في 22 حزيران / يونيو بتغريدة مصوّرة تظهر أن إيران قادرة على استهداف أوروبا الغربية إذا ما سمح لها باستيراد مقاتلات سوخوي30 الروسية ومقاتلات جي 10 الصينية التي يُزعم أن القيادة الإيرانية تسعى لشرائها. ولا شك أن بامبيو أراد بهذه التغريدة حث الأوروبيين على تأييد الموقف الأمريكي. ويشير تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية الصادر في تشرين الثاني / نوفمبر 2019 بطلب من الكونغرس الأمريكي إلى أن إيران لا تتفاوض مع روسيا على شراء سو30 فحسب، بل على شراء دبابات تي90 ومنظومات الدفاع إس 400 أيضا، وأنظمة باستيان للدفاع عن السواحل أيضا. ولكن المسودة الأمريكية الجديدة فشلت حتى الآن في الحصول على دعم جدي داخل مجلس الأمن، فيما تهدد روسيا والصين باستخدام حق النقض الفيتو في وجه أي مشروع قرار مشابه.
وبغضّ النظر عمّا تدّعيه إدارة ترامب، فلن يكون لانتهاء العمل بالحظر الأممي لنقل الأسلحة من إيران وإليها في تشرين الأوّل / أكتوبر المقبل مفاعيل عظيمة الشأن. فإيران تفتقر اليوم ولسنوات عدة مقبلة إلى العملة الصعبة التي تسمح لها بعقد صفقات تسلّح ذات شأن. وقد انخفضت عائدات النفط الإيراني بنسبة 90 % على الأقل مما كانت عليه سنة 2017 بسبب العقوبات الأمريكية وبسبب انخفاض أسعار النفط الذي جاء على خلفية انتشار وباء كورونا. أما أصول إيران من العملة الصعبة في خارج إيران (والتي قد تبلغ نحوا من 80 مليار دولار) فهي مقيّدة بعقوبات أمريكية لا تسمح باستخدامها إلا في شراء الدواء والغذاء من الدول حيث هذه الأصول، ولا يمكن سحبها لشراء أسلحة من روسيا أو الصين.
وحتى لو قررت إيران تجديد ترسانتها التقليدية، فإن ذلك لن يغيّر كثيرا في طبيعة التهديد الإستراتيجي لإيران. فالقوات المسلّحة الإيرانية (سواء في ذلك الجيش أو الحرس الثوري) ليست مؤهلة بما فيه الكفاية لاستخدام هذه الأسلحة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. فقوة إيران الجيوستراتيجية تكمن في دعمها لشبكة متنوعة من الحلفاء والموالين المسلّحين القادرين على العمل في بلدانهم، بل وفي خارجها إذا اقتضى الأمر، وربما على تشكيل شبكة إرهابية تمتد إلى إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وطبيعة التهديد الإيراني هذه هي ما أبرزه التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب الدولي الصادر في حزيران / يونيو 2020 (مغطيا سنة 2019). والواقع أن حظر الأسلحة لم يتمكّن من منع إيران من إرسال الأسلحة إلى حلفائها. وفي 2019 والأشهر الماضية من 2020 أظهرت إيران كفاءة في استخدام صواريخ كروز والصواريخ الباستية بدقة واحترافية عالية، ولكنها لم تستخدم مقاتلاتها التقليدية. ولعلّ النفع الضئيل العائد من تمديد حظر السلاح، وتمسك سائر الدول الموقعة على الاتفاق النووي به، يظهران سر المعارضة الحادة التي واجهها مشروع ترامب ويواجهها حتى الآن.