أوّل الكلام آخره:
- إن فرنسا في طور إنهاء عملية بارخان، وتغيير مسار مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا وانتهاج نهج جديد في منطقة الساحل.
- من دون مساعدة غربية قوية لمكافحة الإرهاب، قد ينتهي الأمر بسيطرة فروع القاعدة وداعش على مساحات كبيرة من غرب إفريقيا.
- من غير المرجح أن تخصص الولايات المتحدة المزيد من الموارد لمنطقة الساحل، أو لأي مكان آخر، ما لم يرتبط ذلك بالتنافس مع القوى العظمى.
- إن تقليص موارد جهود مكافحة الإرهاب الفرنسية يضع عبئا أكبر على القوات الإفريقية وبعثات الأمم المتحدة، على الرغم من أن بديل عملية بارخان لا يزال غير واضحا.
أعلنت فرنسا أن عملية برخان لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل في غرب إفريقيا أشرفت على الانتهاء. وقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا القرار رسميا في خطاب ألقاه مؤخرا، أشار فيه إلى أن باريس ستبقى محتفظة بحضور عسكري لها في المنطقة، وإن كان بعدد أقل من الجنود المنتشرين حاليا في جميع أنحاء المنطقة والبالغ عددهم 5,100 جندي. وكانت العملية تهدف تقديم المساعدة في مجال التعاون الأمني وبناء برامج قدرات الشركاء في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. فضلا عن ذلك، سمحت العملية لبعثة الأمم المتحدة في مالي التركيز على المهام التقليدية لعمليات السلام بدلا من توجيه كل جهودها لمكافحة الإرهاب. ولكن الانتشار الفرنسي لم يكن على الدوام محل ترحيب في فرنسا، وهي القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، مما أجبر ماكرون على اتخاذ خطوة إنهاء العملية قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى العام المقبل. وفي أعقاب تصاعد الهجمات، بما في ذلك الهجمات التي أسفرت عن مقتل جنود فرنسيين، جرت إعادة تقويم أساسية للخسائر والأرباح المرتبطة بالبعثة. وقد يكون إنهاء عملية برخان محاولة لتجنب الاستنزاف، وسعيا لإعادة تحديد استراتيجية فرنسا في منطقة الساحل، وضغطا على حلفاء باريس للمساهمة في جلب المزيد من القوى البشرية والموارد إلى ساحة القتال، ولا سيما في ظل استمرار تردد الولايات المتحدة في تمويل قوات مجموعة دول الساحل الخمس.
وقد جاء الإعلان بعد أيام فقط من الانقلاب العسكري الثاني في مالي في أقل من عام. ونتيجة لذلك، علقت فرنسا عملياتها المشتركة مع الجيش المالي، مما أثار مخاوف من تنامي الحركة الجهادية في جميع أنحاء الساحل. وفيما يعاني قادة الساحل من ضعف دولهم التي يسهل اختراق حدودها والتي ينتشر فيها الفساد، فإنهم يكافحون من أجل إحباط تمرد إقليمي متزايد. ومن دون مساعدة غربية قوية لمكافحة الإرهاب، قد ينتهي الأمر بسيطرة فروع تنظيم القاعدة وداعش على مساحات كبيرة من غرب إفريقيا. وقد تعدى أثر أعمال العنف إلى بوركينا فاسو وساحل العاج مع تكثيف الجهاديين للهجمات ضد قوات الأمن الإقليمية والمدنيين على حد سواء. وتعد القوات الفرنسية المتمركزة في مالي منذ عام 2013 حصنا رئيسا في المعركة المستمرة ضد الجماعات الجهادية التابعة لكل من القاعدة وداعش. إن العديد من هذه الجماعات، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم داعش في غرب إفريقيا، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، تكتسب قوة في جميع أنحاء الساحل وأجزاء أخرى من إفريقيا. والشاهد على ذلك أن سبعا من أصل الدول العشر التي شهدت أكبر زيادة في الهجمات الإرهابية العام الماضي هي من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وقد جاء قرار ماكرون بإنهاء عملية بارخان واستبدال عملية جديدة بها بعد مناقشات مطولة مع حلفاء فرنسا، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى. ولكن مع إعلان الولايات المتحدة انسحاب القوات من أفغانستان بحلول أيلول / سبتمبر، من غير المرجح أن تتطلع واشنطن إلى تعزيز حضورها العسكري بشكل كبير في منطقة الساحل، أو في أي منطقة أخرى لهذا الغرض، ما لم يكن ذلك مرتبطا بشكل مباشر بالتنافس مع القوى العظمى. ولدى الولايات المتحدة حاليا حوالي 1100جندي في منطقة الساحل، يركز معظمهم على التدريب وعمليات الاستخبارات والدعم اللوجستي. وتعليقا على التحديات المعقدة في المنطقة، أشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخرا إلى أن «عدم الاستقرار والعنف هما نتيجة أزمة شرعية الدولة»، عارضا قضايا مثل المظالم الاجتماعية، وتعذر الوصول إلى الخدمات العامة، واستبعاد الأقليات أو تهميش المجتمعات وإقصائها عن الحياة السياسية، وكلها عوامل تسهم في إضعاف الشرعية الحكومية.
إن تقليص حضور قوى مكافحة الإرهاب الغربية يزيد من العبء على القوات الإفريقية وربما على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أيضا، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح طبيعة العملية البديلة لعملية بارخان. وقد حافظت الأمم المتحدة على حضور بارز لها في المنطقة، ولا سيما من خلال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي وعدة فرق قطرية وإقليمية تابعة للأمم المتحدة. ومكنت عملية بارخان لمكافحة الإرهاب البعثة المتكاملة من الابتعاد عن أنشطة مكافحة الإرهاب، وكان أعضاء مجلس الأمن قد أعربوا مرارا عن تحفظاتهم بشأن إدراج مكافحة الإرهاب جزءا من مهمة البعثة. وببساطة، فإن السؤال ليس حول ما إذا كان بإمكان بعثة الأمم المتحدة نفسها القيام بمهام مكافحة الإرهاب أم لا، بل حول ما إذا كان بإمكان الأمم المتحدة الانخراط في حالات أو بلدان تشكل فيها الجهات الفاعلة الإرهابية جزءا مهما من المشهد الأمني في ظل غياب الاتفاق داخل منظومة الأمم المتحدة بشأن هذه القضية. وستتضاعف هذه التحديات مع انتهاء عملية بارخان.
وستقوم فرقة عمل تشكلت مؤخرا تعرف باسم تاكوبا، نظمتها فرنسا وتتألف من دول أوروبية أخرى، بما في ذلك السويد وإيطاليا والدنمارك، بملء جزء من الفراغ عبر تدريب قوات مكافحة الإرهاب الإفريقية وتقديم المشورة لها. وتروج فرنسا لمبادرة بمساعدة النيجر وكينيا، وهما دولتان إفريقيتان وعضوان غير دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حاليا، لدعم الجهود الرامية إلى توسيع بعثة الدعم الحالية للأمم المتحدة خارج مالي. وكان لمجموعة دول الساحل الخمس، التي تتألف من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، سجلا متضاربا في مجال حقوق الإنسان خلال حملة مكافحة الإرهاب في المنطقة، كما أنها عانت من أجل تأمين التمويل والدعم التشغيلي. والجدير ذكره أن تحالف مكافحة الإرهاب قد تلقى ضربة كبيرة في نيسان / أبريل بعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي كان من أقوى مؤيدي محاربة الجماعات الجهادية.