أوّل الكلام آخره:
- استولى الجيش في ميانمار على السلطة في انقلاب هذا الأسبوع، وحظر إمكانية الدخول إلى الإنترنت وألغى الرحلات الجوية من البلاد وإليها.
- يأتي الإنقلاب عقب الخسائر التي مني بها الحزب المدعوم من الجيش وهو حزب اتحاد التضامن والتنمية في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020.
- وقد أثار اعتقال أونغ سان سو كي، زعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، دعوات واسعة النطاق لإطلاق سراحها.
- لا تتمتع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بتأثير كبير في ميانمار، ومن المستبعد أن تنتقد الصين قادة الانقلاب علنا.
استولى جيش ميانمار، المعروف باسم تاتماداو، على السلطة في وقت سابق من هذا الأسبوع، وحظر الوصول إلى الهواتف والإنترنت، وألغى الرحلات الجوية من البلاد وإليها، وسيطر على محطات التلفزيون. وتضمن الانقلاب اعتقال الناشطة الديمقراطية المثيرة للجدل والحائزة سابقا على جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي، وهي رئيسة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وأبرز السياسيين المدنيين في ميانمار. وكان قد سبق للنظام العسكري نفسه أن وضع سو كي تحت الإقامة الجبرية لمدة 15 عاما، وها هو اليوم يعتقلها من جديد. كما اعتقل الرئيس يو وين مينت، فضلا عن عدد من الوزراء والسياسيين والناشطين المعروفين. أما الجهات الفاعلة الدولية والمنظمات غير الحكومية فإنها ما تزال تتعثّر في خطى الرد، وتسعى في الوقت نفسه لضمان سلامة الموظفين وعملهم. ولميانمار، المعروفة سابقا باسم بورما، تاريخ طويل مع الديكتاتورية، في ظل تسلم السلطة العسكرية الحكم من 1962 حتى 2011، وهي السنة التي انتقل فيها الحكم من المجلس العسكري إلى المدنيين. وقد ساعدت فترة الحكم هذه الممتدة على خمسة عقود الجنرالات العسكريين الراسخين وغيرهم من النخبة الحاكمة على إقامة شبكات المحسوبية المربحة التي تعزّزت في ظل عقود من الصراع الداخلي بين المجموعات المختلفة.
ولم يرض الجيش رضى تاما قطّ باتفاق تقاسم السلطة المؤقت الساري منذ الانتخابات شبه الديمقراطية عام 2015، ولكنه هذه المرّة طعن بنتيجة الانتخابات الأخيرة، ووصفها بأنها احتيالية. وعندما فشل هذا الفعل في تحقيق مبتغاه، قبض على القادة المدنيين واعتقلهم بينما نزلت قوافل المركبات العسكرية في شوارع نايبيداو، عاصمة ميانمار. وتولى الجنرال مين أونغ هلاينغ السلطة بعد الانقلاب الذي أعلن على قناة مياوادي التلفزيونية، في أعقاب إعلان حالة الطوارئ لمدة عام كامل. وبدأ الانقلاب قبل ساعات فقط من موعد اجتماع الفائزين في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020 لأول مرة. وفي تلك الانتخابات، كان أداء الحزب المدعوم من الجيش وهو حزب اتحاد التضامن والتنمية أداء ضعيفا حيث حصل على 33 مقعدا فقط من أصل 476 مقعدا منتخبا. بينما حصلت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التابعة التي ترأسها سو كي على 83 % من المقاعد البرلمانية. وحتى في ظل الإصلاحات الأخيرة، احتفظ الجيش في ميانمار بقوة كبيرة. وقد تعدل الدستور على نحو يضمن أن الجيش سيحصل على الدوام على 25 % من المقاعد في الحد الأدنى، ويضمن حق النقض له في مواجهة أي محاولات مستقبلية لتعديل الدستور.
على أن سو كي التي كانت يوما شخصية محبوبة لوسائل الإعلام الدولية بعد إقامتها الجبرية المطولة لم تعد لها تلك المنزلة الدولية، لرفضها إدانة فظائع ميانمار ضد سكانها المسلمين من الروهينغا. وفي عام 2017، قام جيش ميانمار العسكري بإجراء عملية في ولاية راخين أسفرت عن تشريد ما يقارب 750,000 من أفراد أقلية الروهينغا. وقد وصف الكثيرون هذه العملية بأنها إبادة جماعية، وتحولت ملفاتها إلى محكمة العدل الدولية، غير أن سو كي غضت الطرف عن هذه الفظائع، وبدلا من ذلك، أنكرت الانتهاكات التي ارتكبها الجيش على الرغم من الأدلة الدامغة عليها. وعليه، تعرضت سو كي لانتقادات لفشلها في التحدث علنا ضد الجيش. وكان ينظر إلى ذلك على نطاق واسع على أنه محاولة لتهدئة السلطة العسكرية وضمان بقاء الحكم المدني، بغض النظر عن الثمن المقدم لذلك. وصورت حكومة ميانمار العنف ضد الجماعات الروهينغية في بعض الأوساط على أنه رد على تهديد الإرهاب، وقد بذلت بعض الجهد من جانبها للتأكيد على المخاطر المحتملة للتطرف والتجنيد الإرهابي بين جهاديي الروهينغا، على الرغم من أن هذا لا يبدو ما عليه الحال. وعلاوة على ذلك، وكما لفتت بعض الدول الغربية انتباه الحكومة، فإن عمليات مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون «صكّا مفتوحا» لارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وهي نقطة أعاد مسؤولو مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة تأكيدها في كثير من الحالات. ومع ذلك، فإن عدم مساءلة الجناة، والظروف الصعبة في مخيمات الروهينغا، فضلا عن الضغوط المفروضة على حكومة بنغلادش والمجتمعات المحلية المحيطة بالمخيمات، كلها عوامل قد توفر أرضا مناسبة لنمو الشعور بالظلم الذي قد تستغله الجماعات الإرهابية في أماكن أخرى.
ويظهر الانقلاب أن الجيش لن يتسامح مع أي معارضة ولن يقبل أي إصلاح فعلي. فقد قام بالحد من استخدام الإنترنت بشكل كبير في ميانمار، ومن الصعب معرفة أي تفاصيل غير صادرة عن الجيش. وقد أعلن المجلس العسكري أن الانتخابات الجديدة لن تتحقق إلا بعد أن تتاح له الفرصة لمراجعة قوائم الناخبين. وأدان قادة من جميع أنحاء العالم الانقلاب، مطالبين بالإفراج عن سو كي واستعادة الحكومة المدنية. ولكن تأثير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الغربية الأخرى يبقى تأثيرا محدودا في ميانمار، بعد أن اتبعت في السابق نهجا قائما على عزل المجلس العسكري ومعاقبته، فيما كانت الصين وشركاؤها الآسيويون تسعى آنئذ إلى التدخل الهادئ مع التأكيد على الدوام أنها لا ترغب في التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. ولا تزال الصين حساسة جدا لأي انتقاد يطال حكومتها القمعية والفظائع ضد سكانها المسلمين الأويغور. وبالتالي، ستجادل بقوة لاحترام سيادة البلدان، حتى في الوقت الذي ترتكب فيه حكومات هذه الدول انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، وحتى إن بلغ الأمر حد الإبادة الجماعية. وتتمتع الصين بنفوذ كبير، ولكن من غير المرجح أن تمارس ضغوطا علنية على المجلس العسكري في ميانمار، ولكنها بلا شك تفضل الاستقرار في بلد تشاركه حدودها الجنوبية على امتداد 1300 ميل. وفي الأمم المتحدة، تمكنت ميانمار من الاعتماد على الصين وحلفائها للحد من ردود الفعل الدولية في مجلس الأمن، حيث لم يجر أعضاء المجلس سوى مناقشات مغلقة، بما في ذلك بين الأعضاء الخمسة الدائمين (أي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية)، بدلا من المناقشات المفتوحة. وقد أصدرت إدارة بايدن وهاريس البيان التالي: «تعارض الولايات المتحدة أي محاولة لتغيير نتائج الانتخابات الأخيرة أو عرقلة التحول الديمقراطي في ميانمار، وستتخذ إجراءات ضد المسؤولين في حال لم يعكس مسار هذه الخطوات». وقد كانت الادعاءات التي لا أساس لها من الاحتيال وتزوير الأصوات و«الناخبين غير الشرعيين» عبارة عن استعارة مألوفة من قاموس الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة، وإن اختلف مقياسها ونتائجها، وذلك عندما نشر الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاؤه أكاذيب تزوير الأصوات والاحتيال، وما تبع ذلك من اقتحام المتمردين لمبنى الكابيتول في الولايات المتحدة في 6 كانون الثاني / يناير.