أوّل الكلام آخره:
- ربّما كان لنظريات المؤامرة أثر توحيدي فالعنصريون البيض وتنظيم كيو والجماعات المناوئة للدولة يجمعون على أن وباء كورونا فرصة قد لا تتكرر تتيح لهم معارضة المعايير المجتمعية.
- سجّلت نظريات المؤامرة المعادية للسامية حضورا قويا سواء على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة أو في الزوايا الأكثر خفاء من عالم الإنترنت.
- عمدت نظريات المؤامرة المعادية للتلقيح وتلك التي حيكت حول شبكات الجيل الخامس إلى التحريض على العنف خلال فترة جائحة كورونا.
- ويتزامن انتشار نظريات المؤامرة وتقبّلها مع تضاؤل الثقة في وسائل الإعلام الرئيسة، وهذا يشكّل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي.
منذ بداية أزمة وباء كورونا، سعت الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية إلى الدفع بمجموعة واسعة من نظريات المؤامرة، وذلك لتسويق بعض سرديّاتها المبتذلة لشيطنة الأعداء القدامى، وتهديد الأعداء المتصورين، وإلقاء اللوم على حكومات بعينها. ويتلاقى التفكير التآمري عند جماعات العنصريين البيض بذلك الذي تحمله الحركات الأمريكية المناوئة للدولة، ولا سيما أن السرديات الكاذبة عن وباء كورونا تفتح فرصا جديدة لمثل هذه الحركات لتحقيق نتائجها المرجوة. وترى جماعات معينة من العنصريين البيض أن وباء كورونا قد يكون العامل المسرّع في عملية تحويل الولايات المتحدة إلى دولة عرقية خالصة. وترى منظمة كيو، وهي عبارة عن مجموعات من مروّجي نظريات المؤامرة مترابطة ترابطا ضعيفا غالبا ما تنذر باقتراب نهاية العالم، أن وباء كورونا مؤشر لـ«لصحوة الكبرى» التي حان أجلها. وأخيرا، ترى الجماعات المناوئة للدولة أن وباء كورونا ليس إلا مؤامرة لسلب الحريات المدنية وربما يشكل جزءا من جهد «الدولة العميقة» الخبيث لعزل الرئيس ترامب. وقد تبنت بعض هذه الجماعات الشبيهة بالميليشيات فكرة إشعال حرب أهلية، يشار إليها عادة باسم بوغالو، لضمان بقاء الرئيس ترامب في منصبه.
وقد حاولت جماعات العنصريين البيض، سواء التي تعمل في الزوايا الخفية في المنتديات الفرعية لموقع ريديت أو التي تشارك علنا على منصات رئيسة مثل فيسبوك ويوتيوب، إلقاء اللوم على اليهود في انتشار وباء كورونا. ومن النظريات الشائعة المعادية للسامية التي تروج لها جماعات العنصريين البيض أن نخبة يهودية، مثل عائلة روتشيلد وجورج سوروس، أطلقت الفيروس للقضاء على العرق الأبيض. وغالبا ما ترتبط هذه المؤامرة مع نظرية رينو كامو للاستبدال العظيم التي نشرت سنة 2010 والتي تدور حول مجموعة من النخب العالمية تحاول إبادة العرق الأبيض. كما سعى معلقو منظمة كيو على وسائل التواصل الاجتماعي، كنظرائهم من جماعات العنصريين البيض، بالدفع بروايات مفادها أن وباء كورونا هو سلاح صمم للسيطرة على السكان صنعه اليهود، «ودولة الاحتلال الصهيونية»، و«دولة عميقة» نخبوية عالمية. كما ضاعفت جماعات العنصريين البيض جهودها الرامية إلى الدفع بنظريّاتها وسرديّاتها إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة، مثل رواية اليهود الخزر التي تنكر انتساب اليهود، سواء منهم الأشكناز أو السفارديم، إلى بني إسرائيل التوراتيّين، لتسويغ خطاباتها المحرضة. ومع تزايد حجم النظريات المحرضة، لا يعود غريبا أن تذكر رابطة مكافحة التشهير مؤخرا أن مظاهر معاداة السامية قد تفاقمت بشكل كبير خلال العام الماضي، وخاصة في نيويورك ونيوجيرسي، مركزي وباء كورونا في الولايات المتحدة.
كما سعت الجماعات المناوئة للدولة، التي غالبا ما تقدم نفسها على أنها ميليشيات تحافظ على الحريات العامة، ومنها حقوق الخصوصية والتعديل الثاني للدستور، إلى تسخير شعبية المعتقدات التآمرية. وقد ألقت الجماعات المناوئة للدولة، مثل منظمة Oath Keepers، باللوم على مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس. والنسخة المبسطة من نظرية المؤامرة هذه تقول إن بيل غيتس كان قد تحدّث قبل خمس سنوات عن الحاجة إلى تطوير لقاح لمحاربة وباء في المستقبل. واليوم، تشير الجماعات المناوئة للدولة إلى حديث غيتس هذا عن اللقاح وإلى مبادرته ID2020، بوصف ذلك كلّه خطة لحقن الناس بلقاح لا يعدو أن يكون شريحة تزرع تحت بشرتهم لتتبعهم والسيطرة عليهم من خلالها. وعلى نحو مماثل، ترى جماعات العنصريين البيض بيل غيتس رجلا نخبويا اخترع وباء كورونا لإنشاء «نظام عالمي جديد» مستبد من شأنه أن يعرض العرق الأبيض للخطر. وقد أعربت جماعات العنصريين البيض والجماعات المناوئة للدولة عن أن بناء أبراج شبكات الجيل الخامس خلال فترة وباء كورونا يثير القلق، إذ يعتقد أصحاب نظريات المؤامرة أن وباء كورونا يهدف إلى إصابة الناس بالمرض، ومن ثمّ يحقنون باللقاح/الشريحة تحت بشرتهم، ومن ثمّ تعمل أبراج شبكات الجيل الخامس على ملاحقتهم بشكل دقيق. ويرى آخرون من أصحاب نظريات المؤامرة أن أبراج شبكات الجيل الخامس هي جزء من برنامج سري مُسلح لتهجير أبناء العرق الأبيض أو للسماح للحكومة بتطبيق الأحكام العرفية بفعالية أكبر.
وقد تنذر هذه النظريات بالعنف في المستقبل، فالعنصريون البيض يتحدّثون عن تسريع التحول، ومنظمة كيو عن «الصحوة الكبرى»، والجماعات المناوئة للدولة عن الحرب. وقد أتاح التزام العديد من الناس بالحجر الصحي وقضاء أغلبية وقتهم على الإنترنت لهم فرصا أكبر للاطلاع على تغريدات بعض الدهماء أو للتفاعل مع أصدقاء يفتقرون للمعرفة على فيسبوك. وقد يعني هذا التطور، فضلا عن تزايد مظاهر السخرية من الصحافة الموثوقة، أن أصداء نظريات المؤامرة في أمريكا ستطيل أمد وباء كورونا. وفي وقت يسيطر فيه الشك والخوف، يعدّ السعي إلى نشر نظريات المؤامرة الفعل الأكثر تهديدا للأمن القومي اليوم لأنه سيجمع الكثير من المتابعين الذي ينتظرون الإجابات الواضحة التي تقدّمها لهم هذه النظريات حتى لو كانت لا تمت إلى المنطق بصلة. ولا شكّ أنّ الاعتناق الأعمى لهذه النظريات سيدفع الناس إلى ارتكاب المزيد من أعمال العنف.