أوّل الكلام آخره:
- رغم أن كل المجريات تفيد بخروج الرئيس السوري بشار الأسد منتصرا في الحرب الأهلية التي دامت قرابة عقد من الزمن، تبرز دلائل جديدة على تزعزع استقرار البلاد في ظل اقتصاد متدهور، واحتجاجات متنامية، وتفشّ لوباء كورونا.
- وفي حين عبّر السوريون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، شن النظام حملة لقمع تلك الآراء المعارضة وسعى إلى إسكات المنتقدين من خلال أعمال الترهيب والاعتقالات.
- سيسهم قانون قيصر في زيادة التحديات التي تواجهها سوريا، وهو قانون أمريكي يتضمن عقوبات صارمة تهدف إلى معاقبة الأسد على سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان التي يتّهم بها نظامه منذ عام 2011.
- في حال انهيار اقتصاد البلاد، سيزداد التهديد الذي يواجهه نظام الأسد، ولكنّ ذلك سيتسبّب أيضا بكارثة بشرية عارمة، وقد يعيد ذلك الزخم للإرهابيين الذين يتطلعون إلى استغلال الفوضى لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
رغم أن كل المجريات تفيد بخروج الرئيس السوري بشار الأسد منتصرا في الحرب الأهلية التي دامت قرابة عقد من الزمن، تبرز دلائل جديدة على تزعزع استقرار البلاد في ظل اقتصاد متدهور، واحتجاجات متنامية. ومما يزيد الطين بلة، خوف معظم الناس من انتشار وباء كورونا، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية للطبقات الاجتماعية الهشة من اللاجئين والمشردين داخليا في البلاد. كما انخفضت عملة البلاد، أي الليرة السورية، وأدى القلق الاقتصادي المتنامي إلى إشعال فتيل الصراع الداخلي بين النخب السورية، وحتى بين رجال الأعمال الأثرياء وأقرب المقربين إلى الأسد نفسه. فعلى سبيل المثال، أعلن الملياردير رامي مخلوف، ابن خال الأسد، والذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات بسبب الفساد، انشقاقه عن النظام في سلسلة من مقاطع الفيديو على الإنترنت تراوح مضمونها بين الدفاع عن نفسه والتهديدات المبطنة.
ومما لا شك فيه أن القدرة الشرائية لرواتب الحكومة قد تأثرت جراء الظروف، فاندلعت احتجاجات جديدة في معاقل النظام التقليدية بعد أن وصل كل من تمكن من الحفاظ على القليل من عادات حياته الطبيعية طوال فترة الحرب الأهلية إلى نقطة الانهيار. كما ارتفعت أسعار الضروريات الأساسية ارتفاعا صادما. وفضلا عن ذلك، أثرت الأزمة الاقتصادية في لبنان على السوريين الذين كانوا قد أودعوا أموالهم في البنوك اللبنانية ولكنهم لا يتمكنون اليوم من الوصول إليها. وفي حين يعبر السوريون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي وينشرون عن مصاعبهم المالية المتزايدة وسوء إدارة حكومتهم للاقتصاد، شن النظام حملة على المعارضة وسعى إلى إسكات المنتقدين من خلال أعمال الترهيب والاعتقالات. وحدث ما كانت متوقعا، إذ لجأ الأسد إلى إلقاء اللوم على الجهات الخارجية المحرضة في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بلاده، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.
وسيسهم قانون قيصر في زيادة التحديات التي تواجهها سوريا، وهو قانون أمريكي يتضمن عقوبات صارمة تهدف إلى معاقبة الأسد على سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان التي يتّهم بها نظامه. وتهدف العقوبات أيضا إلى الحد من قدرة النظام على الانخراط في أعمال إعادة الإعمار، وتستهدف قطاعات الطاقة والمصارف والبناء وغيرها من القطاعات الحيوية. وبالأمس، أصدرت وزارتا الخزانة والخارجية على التوالي 39 عملية إدراج بموجب قانون قيصر والنظام التنفيذي رقم 13894، بما في ذلك العقوبات التي فرضت على الأسد نفسه، وعلى زوجته أسماء الأسد. وفي حين أن العقوبات ستحد بلا شك من قدرة الدائرة المقربة للأسد على القيام بأعمال تجارية، إلا أنها ستؤثر حتما على المدنيين السوريين الذين عانوا طويلا، إذ يعيش ما يعادل أربعة من كل خمسة سوريين تحت خط الفقر، نتيجة الحرب وتعرّض البنى التحتية في سوريا للدمار بفعل تكتيكات نظام الأسد في سياسة «الأرض المحروقة» بمساعدة القوى العسكرية الروسية والإيرانية، ونتيجة حركات التمرد المتداخلة المتعددة التي قادت بعضها مجموعات من المتطرفين العنفيّين، بما في ذلك تنظيم داعش.
وتقف سوريا اليوم على حافة الهاوية. ولا تزال الجماعات المتمردة نشطة في جميع أنحاء البلاد، ولا سيّما في محافظة إدلب، حيث انتشر جهاديو القاعدة بين المدنيين الذين هربوا من مناطق أخرى من سوريا وهم اليوم محاصرون في جيوب سكانية مكتظة في جميع أنحاء الشمال الغربي. ويزيد الاكتظاظ السكاني من فرص انتشار وباء كورونا، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم التحدي الإنساني الرهيب القائم. وفي حال انهيار اقتصاد البلاد، سيزداد التهديد الذي يواجهه نظام الأسد، ولكنّ ذلك سيتسبّب أيضا بكارثة بشرية عارمة، وقد يعيد ذلك الزخم للإرهابيين الذين يتطلعون إلى استغلال الفوضى لتحقيق مكاسبهم الخاصة. ومن الواضح أن إدارة ترامب تراهن على أن العقوبات ستجبر الأسد على الجلوس على طاولة المفاوضات. ولكن حتى لو نجحت هذه الاستراتيجية، فإن القضايا الداخلية الخاصة تستهلك واشنطن إلى حد كبير اليوم، ومن ذلك عجزها عن التعامل بكفاءة مع وباء كورونا والمظاهرات المناهضة لوحشية الشرطة والقضايا العرقية، لدرجة أن تحقيق تقدم في أي عملية سياسية خارجية لا يزال أمرا بعيد المنال.