أوّل الكلام آخره:
- شعرت تركيا بقلق بالغ بعد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، وقد سعت، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي، إلى تجنب استفزاز روسيا مع مساعدة أوكرانيا عسكريا في الوقت نفسه.
- أغلقت تركيا مدخل البحر الأسود أمام السفن الحربية الروسية، لكنها لم تغلق مجالها الجوي بعد في وجه الرحلات التجارية الروسية.
- بوتين في وضع يسمح له بالانتقام من تركيا من خلال زيادة الدعم لخصوم أنقرة في أرمينيا وسوريا وليبيا.
- لا شك أن اقتصاد تركيا، الذي ليس في أحسن حالاته حاليا، سوف يتضرر أكثر من جراء الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز الناجم عن الأزمة، ولا سيما أن تركيا بلد مستورد للنفط والغاز الطبيعي.
إن عضوية تركيا في الناتو ودورها الإقليمي وقربها الجغرافي من مسرح الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تجعلها لاعبًا محوريًا يسعى الجانبان إلى نيل دعمه. وقد سعت واشنطن وعواصم الناتو الأخرى إلى إقناع تركيا بالوقوف بشكل حاسم مع سياسات شركائها في الناتو في هذا الصراع. وقد سبق لتركيا نفسها أن خاضت معارك مع موسكو في العديد من الصراعات الكبرى، ولذلك فإن حساباتها بشأن الغزو الروسي معقدة. ويشعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مثله مثل قادة الناتو الآخرين، بالصدمة من قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا ليسقط حكومتها الموالية للغرب. وكانت تركيا قد عارضت علنًا في وقت سابق ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014. لكن تركيا تظل حذرة من القوة العسكرية الروسية كما أنها تعتمد على الغاز الطبيعي الروسي، الذي يشكل أكثر من 50٪ من إمدادات تركيا. علاوة على ذلك، تحصل تركيا على 64٪ من وارداتها من الحبوب من روسيا. وعلى الرغم من أنها تستورد الغاز الطبيعي من إيران وأذربيجان، إلا أنه لا يمكن لأي من الدولتين أن تمد تركيا بكل ما كانت روسيا تمدها به إذا أوقفت موسكو تدفق الغاز بالكامل. ويحدث الغزو الروسي في وقت يشكو فيه الاقتصاد التركي من الضعف الشديد بسبب التضخم المرتفع (الذي ناهز معدله الـ 40٪)، والذي فاقمه إصرار أردوغان على خفض معدلات الفائدة بدلًا من رفعها كما ينصح الاقتصاديون البارزون في البلاد. وقد تضرر الاقتصاد التركي أكثر بسبب الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز منذ بدء الغزو، ومن شبه المؤكد أن قطعًا تامًا للسلع الروسية سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد التركي.
وبصرف النظر عن الاعتبارات الاقتصادية والدبلوماسية، فإن تركيا تقف على الجانب الآخر من روسيا في النزاعات الإقليمية الحالية التي تؤثر على مصالحها الحيوية. وستضع أنقرة في اعتبارها، عند صياغة سياستها تجاه روسيا الآن، أن روسيا في وضع يمكنها من زيادة دعمها للجهات الفاعلة والفصائل المعارضة لتركيا وحلفائها في سوريا وليبيا وأرمينيا. وقد توترت علاقات أردوغان مع بوتين منذ فترة طويلة بسبب تدخل روسيا في الحرب السورية دعما لنظام الأسد، والذي كانت تركيا تأمل في إسقاطه عبر التمرد المسلح الذي تطور في عام 2011. وقد أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية في عام 2015؛ فأجبرت روسيا أردوغان على تقديم اعتذار شخصي عن إسقاط الطائرة. وتدعم روسيا وتركيا فصائل مختلفة في ليبيا، وهذه الفصائل قد تكون اليوم على شفا تجدد الصراع مع توقف عملية المصالحة السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة. وقبل أقل من عامين، ساعد الدعم العسكري التركي لأذربيجان باكو على استعادة الأراضي في ناغورنو كاراباخ التي كانت قد خسرتها أمام أرمينيا، حليفة روسيا، في الصراع الوحشي الذي دار في أوائل التسعينيات.
وقد سعى قادة تركيا إلى موازنة ردود فعلهم العامة من خلال التشكيك علنًا في نية بوتين استعمال القوة لإعادة تشكيل التوجه السياسي لأوكرانيا. أما بعد اندلاع الصراع المسلح، فقد دعت تركيا إلى وقف إطلاق النار وعرضت استضافة الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال. وصرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في الأول من آذار (مارس) أن تركيا لن تنضم إلى حلفائها الغربيين في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا. وفي 4 آذار (مارس)، عقب اجتماع الناتو في بروكسل، قال جاويش أوغلو إن تركيا ستبقي مجالها الجوي مفتوحًا «لأسباب إستراتيجية وإنسانية»، ولن تغلقه أمام الحركة الجوية التجارية الروسية.
ومع ذلك، فإن تصرفات تركيا، التي لم تسع إلى تضخيمها دعائيا، تشير إلى أن أنقرة تريد فشل الغزو الروسي – وهو إذا ما تحقق من شأنه أن يسفر عن فوائد استراتيجية كبيرة لتركيا. وفي 28 شباط (فبراير)، استجابت أنقرة بشكل إيجابي لطلب أوكراني بإغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية. وبموجب اتفاقية مونترو لعام 1936، تسيطر تركيا على المضائق التي تربط بحر إيجة (الذي يشكل جزءا من البحر الأبيض المتوسط)، ومرمرة (البحر الداخلي لتركيا)، والبحر الأسود الذي كان منطقة انطلاق تقدمت منها روسيا على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا. وتمكن الاتفاقية تركيا من الحد من مرور السفن الحربية أثناء الحرب أو في حالة التهديد. وقد وصفت تركيا رسميًا الصراع الحالي بأنه «حرب»، مما يمكنها من تفعيل قيود الاتفاقية بشكل قانوني. ويعفي الاتفاق السفن العائدة إلى قواعدها، ولذلك فإن التأثير العملي للإغلاق يتعلق بأي محاولة روسية لتعزيز أسطولها في البحر الأسود بسفن من خارج ذلك الممر المائي. وحاول جاويش أوغلو التقليل من أهمية الخطوة بالنسبة للزعماء الروس بالقول: «لا ينبغي أن ينزعج أحد من هذا، لأن اتفاقية مونترو سارية اليوم وأمس وغدًا، ولذلك سننفذها».
على أن المخاطرة الفعلية، والتي قد تنذر بانتقام روسي في نهاية المطاف، تمثلت في إقدام تركيا على توفير طائرات مسلحة بدون طيار من طراز بيرقدار لأوكرانيا. وقد أثبتت طائرات بيرقدار عن فعاليتها في السابق، فقد كانت حجر الزاوية في انتصار أذربيجان على أرمينيا في عام 2020. وخلال السنوات القليلة الماضية، مع تصاعد تهديدات بوتين ضد أوكرانيا، ورد أن تركيا باعت أوكرانيا حوالي 20 طائرة. كما وقعت تركيا أيضًا اتفاقًا مع كييف للمشاركة في إنتاج المزيد منها، وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف في 2 آذار (مارس) إن أوكرانيا تستعد لاستلام شحنة أخرى من هذه الطائرات. وقد استخدمت القوات الأوكرانية وفقا لبعض التقارير الصحفية هذه الطائرات لتدمير العديد من الدبابات الروسية وشاحنات الوقود ومواقع الصواريخ، كما أن زيادة شحنات السلاح إلى أوكرانيا قد تستفز موسكو. وفي حين أن الرئيس أردوغان قد يحاول موازنة علاقاته مع روسيا وأوكرانيا وشركائه في الناتو، فمن المرجح أن يرى الرئيس بوتين تصرفات أنقرة في دعم أوكرانيا على أنها تصرفات عدوانية، مع احتمال حدوث عواقب سلبية كبيرة على المصالح التركية إذا انتصر بوتين. وقد أُعلن أمس أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا سيلتقيان لإجراء محادثات في جنوب تركيا يوم الخميس المقبل. وتحاول تركيا، مثلها في ذلك مثل إسرائيل، استخدام علاقتها الجيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا للعب دور الوسيط، على الرغم من أن جميع المؤشرات حتى الآن تظهر عناد موسكو والتزامها بمتابعة حملة الأرض المحروقة المدمرة في أوكرانيا.