أوّل الكلام آخره:
- في أيلول / سبتمبر 2020، كشف تسرّب للمعلومات في شبكة مكافحة الجرائم المالية في الولايات المتحدة أن المؤسسات المالية الدولية الكبرى لها يد في عملية غسيل الأموال القذرة.
- يُظهر تسرب ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية الحاجة المستمرة إلى اعتماد إصلاحات تنظيمية إضافية لها القدرة على مواجهة الاستخدام الإجرامي للنظام المالي الرسمي.
- فضلا عن الإصلاحات التنظيمية والتغييرات في نظام تقديم التقارير عن الأنشطة المشبوهة، فقد يساعد المزيد من التعاون بين المصارف في مكافحة غسل الأموال.
- في الولايات المتحدة، قد يكون قانون تفويض الدفاع المدني السنوي للعام 2012 (NDAA) أداة لتعزيز شفافية مالكي شركات الظلّ الذين يشاركون في غسل الأموال، على أن هذا لا يعفي من ضرورة إجراء المزيد من الإصلاحات.
في أيلول / سبتمبر 2020، كشفت مجموعة من الوثائق المسربة من وحدة الاستخبارات المالية في الولايات المتحدة، المعروفة باسم شبكة مكافحة الجرائم المالية، عن مجموعة واسعة من الانتهاكات المالية، والتي قامت بعض أكبر المصارف في العالم بتسهيل الكثير منها. وتضمنت وثائق الشبكة المسربة أكثر من ألفي تقرير، تعرف باسم تقارير الأنشطة المشبوهة، والتي ستصبح موضوعا للعديد من تحقيقات الصحفيين المرتبطين بالاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ). وقد كشفت قصص مختلفة من محكمة العدل الدولية عن فشل جهود الاستخبارات المالية بعد 11/9 في منع الجهات الفاعلة من إساءة استخدام النظام المالي الدولي. وقد وثق الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بعض عمليات غسل الأموال ليجري تداولها بعد ذلك بصورة مشروعة وكيف سمحت البنوك الكبرى على ما يبدو بحدوث ذلك، على الرغم من بروز العديد من علامات الإنذار. ومن ذلك ما قامت به كوريا الشمالية، المدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب في الولايات المتحدة، بغسل ما لا يقل عن 174 مليون دولار على مدى عدة سنوات من خلال البنوك الأمريكية عبر شركات وهمية. وفي مثال آخر، تشير تقارير الأنشطة المشبوهة وتلك الصادرة عن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين إلى أن شبكات إجرامية ومنظمة وإرهابية وشبكات للاتجار بالمخدرات قامت بعمليات لغسل عائدات الأموال من خلال أكبر مصرف في ألمانيا.
وبعد فضيحة «أوراق بنما» في عام 2016 والتي أوضحت نقاط الضعف الكبيرة في النظام المالي الرسمي، تؤكد ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية مرة أخرى على الحاجة الصارخة لإعادة النظر في الطريقة التي تعالج بها البنوك والحكومات الجرائم المالية. على أن بعض ما تبيّن من ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية يكشف أن العديد من البنوك سمحت لأصحاب الحسابات المشبوهة بمواصلة الانخراط في المعاملات حتى بعد تقارير الأنشطة المشبوهة. ولهذا الفعل عدة تفسيرات. فمن الممكن، على سبيل المثال، أن تكون الأجهزة الأمنية قد طلبت من المصارف السماح بإجراء معاملات مستقبلية لأغراض التحقيق. وبغض النظر عن ذلك، تظهر ملفات الشبكة الحاجة إلى الإصلاح. ويعد نظام التبليغ عن الأنشطة المشبوهة نظاما قديما، ولا ينبغي تحميل البنوك وحدها مسؤولية ما يجري. والواقع أن التسريب يظهر أن البنوك تقوّم الشبهات استنادا إلى التصميم الحالي لنظام التبليغ. ويبرز شاغل آخر بشأن التسريب هو أنه قد يخلق مخاوف داخل المؤسسات المالية للتبليغ عن العمليات المشبوهة خوفا من التسريب. فمن العناصر الرئيسة لنظام التبليغ عن العمليات المشبوهة أن المعلومات المرسلة إلى وحدات الاستخبارات المالية، مثل شبكة مكافحة الجرائم المالية، تظل سرية وأن المعلومات الخاصة لا تكشف علنا.
ومن الممكن القيام بالعديد من التعديلات التنظيمية والمنهجية في ضوء التسريب الأخير. ففي الولايات المتحدة، قد يشمل ذلك فرض متطلبات جديدة للتشجيع على التبليغ عن «الهيكلة» الثانوية ضمن تقارير الأنشطة المشبوهة. ومن شأن القيام بذلك أن يسلط الضوء على بعض المكامن المحتملة لغسل الأموال. وتظهر تقارير الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين عن ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية أن الهيكلة، أو المرحلة الثانية من عملية غسل الأموال، التي ترتَّب المعاملات فيها على نحو يحجب مصدر الأموال، تظل من غير رقابة. وقد ترغب الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة أيضا في النظر في التعديلات اللازمة في أنظمة التبليغ بما يتوافق مع تحديثات شبكة مكافحة الجرائم المالية الحالية. ويمكن لهذا النظام أن يجعل اهتمام القطاع الخاص ينصب على الأولويات الجديدة التي تتسق مع تقارير الأنشطة المشبوهة وغيرها من التقارير الاستخبارية. ومع ذلك، ينبغي للمصارف أن تنظر في خيارات أحادية لتحسين قدرتها على كشف عمليات غسل الأموال. وفي بلجيكا، ذكر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين مؤخرا أن بنك ING في بلجيكا، وبنك KBC، وبنك بلفيوس، وبنك بي إن بي باريبا فورتيس قامت بطلب جماعي مفاده أن تضع الحكومة البلجيكية قانونا يسمح لها بإنشاء نظام آمن لتبادل المعلومات فيما بينها بشأن الأنشطة المشبوهة. وقد يكون من الصعب تبادل المعلومات بين المؤسسات المالية نظرا لحقوق الخصوصية والقوانين المرتبطة بالعمل المصرفي في العديد من الولايات القضائية، نظرا إلى أن المصارف تملك معلومات هامة عن هوية عملائها.
ومن الطبيعي أن ينتج عن نظام تقارير الأنشطة المشبوهة توتر بين مسألة الخصوصية ومسألة الأمن القومي. ومع ذلك، فإن بعض الدول، مثل المملكة المتحدة، قد سلكت مسارا متقدما، ونجحت في تهيئة مناخ للتعاون بين المصارف بشأن قضايا غسل الأموال. وفي الولايات المتحدة، جرى الجمع بين عدد من الإصلاحات التنظيمية المالية في قانون تفويض الدفاع المدني السنوي للعام 2012. فعلى سبيل المثال، يبدو أن قانون شفافية الشركات لعام 2019 وقانون الشفافية المصرفية للأشخاص المعاقبين مدرجان في نسخة مجلس النواب الأمريكي من قانون تفويض الدفاع المدني السنوي. والأول منهما، على سبيل المثال، سوف يحسن متطلبات الإبلاغ المحيطة بالمالكين المستفيدين من الكيانات. وربما تكون ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية قد دفعت إلى إجراء تحليلات أوسع تتعلق بمن يجني بالفعل الفوائد الاقتصادية من شركات الظل أو الشركات الخارجية، مما قد يحسن من عمليات مكافحة الجرائم المالية. ومما لا شك فيه أن كل هذه الخطوات غير كافية، ومن الضروري إجراء إصلاحات هيكلية وتنظيمية أكبر، خاصة بالنظر إلى السرعة التي يمكن أن تحدث فيها التحويلات المالية اليوم بكبسة واحدة عبر الهاتف الذكي، والتي لم يكن قانون السرية المصرفية أو قانون باتريوت يتوقعانها.