أوّل الكلام آخره:
- في حين اتبعت طالبان منذ سنوات طويلة نهج «القتال والتفاوض»، إلا أنه في أوائل تموز / يوليو 2021، كثر القتال وغابت محادثات السلام في أفغانستان.
- تشير التقويمات الأخيرة التي خلصت عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى أن الحكومة الأفغانية قد تكون في طريقها إلى الانهيار في غضون الأشهر الستة المقبلة.
- تتعرض مناطق ومدن بأكملها للتهديد بسبب الهجوم العسكري لحركة طالبان، مما أدى إلى استيلاء المتمردين على لوازم وتجهيزات مرسلة من الولايات المتحدة.
- أدى تدهور الحالة الأمنية إلى تفعيل الميليشيات المسلحة ودفع الكثيرين إلى القلق مرة أخرى من العودة إلى حرب أهلية شاملة.
التقى رئيس الولايات المتحدة جو بايدن مع الرئيس الأفغاني أشرف غني الأسبوع الماضي لمناقشة النكسات الأخيرة التي تعرضت لها أفغانستان. وخلال الأسبوع نفسه، علق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن واشنطن تقوم ما إذا كانت طالبان جادة في تحقيق عملية السلام، وهو ما قد يبدو سخيفا بالنظر إلى الارتفاع الكبير في نشاط المتمردين منذ أن أعلن الرئيس بايدن في منتصف نيسان / أبريل عن عزمه سحب القوات الأمريكية. وفي حين تتبع طالبان منذ سنوات طويلة نهج «القتال والتفاوض»، إلا أنه في أوائل تموز / يوليو 2021، كثر القتال وغابت محادثات السلام في أفغانستان. فالأفعال أبلغ من الكلمات، ويبدو أن الهجمات العسكرية التي شنتها طالبان تشير إلى عدم اكتراثها باتفاق تقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية. وحاليا، لا تزال طالبان واثقة من قواها، والقوات الأفغانية في وضع دفاعي، أما الولايات المتحدة فهي تسرع انسحابها من البلاد. وفي الوقت نفسه، تسعى القوى الإقليمية إلى تأمين مصالحها الوطنية، وعقد الصفقات مع مختلف القوى الفاعلة، والتنافس على الكعكة، أما المجتمعات التي زعمت الولايات المتحدة حمايتها فهي اليوم أكثر ضعفا من أي وقت مضى.
وقد خلصت التقويمات الأخيرة للاستخبارات الأميركية إلى أن الحكومة الأفغانية قد تنهار في غضون الأشهر الستة المقبلة بعد انسحاب القوات الأمريكية. ويؤكد محللون أن الانهيار قادم لا محالة عن قريب. ومؤخرا، أشار الجنرال أوستن ميلر، قائد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى أن «الحرب الأهلية هي بالتأكيد مسار يمكن تخيّله». وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، اجتاح مقاتلو طالبان أجزاء من شمال أفغانستان، وسيطروا على ثلث البلاد، ولم تتمكن قوات الأمن الأفغانية من الحفاظ على أراضيها في مواجهة هجمة المسلحين. وتلوح شكوك في الأفق تحيط بمستقبل الدعم الجوي الأمريكي للقوات الأفغانية المشاركة في القتال العنيف، والذي لا يزال يؤثر سلبا في السكان. وقد أعربت ديبورا ليونز، المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة لأفغانستان، مرارا وتكرارا عن مخاوفها بشأن أزمة وشيكة، مشيرة إلى زيادة في عدد الضحايا المدنيين بنسبة 29 % خلال الأشهر القليلة الأولى من هذا العام، بما في ذلك ارتفاع عدد الضحايا بين النساء والأطفال، والانتقال إلى مسار سلبي فيما يخص الاتجاهات الرئيسة المتعلقة بالسياسة والأمن وعملية السلام والاقتصاد والطوارئ الإنسانية وجائحة كورونا. ومما لا شك فيه أن المدنيين قد تحملوا وطأة القتال والبؤس، التي تفاقمت في ظل معاناة أفغانستان في التعامل مع الكورونا.
وقد اندلع القتال في قندوز، سادس أكبر مدينة في أفغانستان على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد مع طاجيكستان. وتتعرض مناطق ومدن بأكملها للتهديد بسبب الهجوم العسكري الذي شنته حركة طالبان، والذي أدى في بعض الحالات إلى استيلاء المتمردين على المركبات والمعدات الأمريكية للقوات الأفغانية. وأفادت عدة تقارير عن تخلي القوات الأفغانية ببساطة عن مواقعها وتسليم الأسلحة لطالبان مقابل السماح لها بالهرب. إن المشاهد تذكرنا بما حدث في أجزاء من العراق في المراحل الأولى من بروز داعش. ويمكن لهذا السيناريو أن يكرر نفسه في أفغانستان، من خلال تزويد الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم ولاية خراسان التابع لداعش بالزخم اللازم لإعادة بناء قدراتها التشغيلية والتنظيمية والاستفادة من حالات الاستياء والمظالم الإقليمية. وفيما يستعد المخططون العسكريون الأمريكيون لاحتمال أن يتدهور الوضع بسرعة إلى الحد الذي يضطرهم إلى إجلاء جميع العاملين الامريكيين، يقارن بعض المحللين الوضع بسايغون عام 1975، عندما غادرت القوات الأمريكية فيتنام.
وقد أدى تدهور الحالة الأمنية إلى حشد الميليشيات المسلحة وزيادة نشاط أمراء الحرب، مما أثار قلق الأفغان والمحللين بشأن العودة إلى الحرب الأهلية الشاملة. وقد ابتليت البلاد بالعنف والصراعات على مدى العقود الأربعة الماضية. وأدت الأجندة الطائفية الوحشية لتنظيم ولاية خراسان التابع لداعش إلى زيادة احتمال نشوب حرب أهلية، على غرار الحملة الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة في العراق في منتصف العقد الاول من الالفية الجديدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي. وعلى مدار الشهرين الماضيين، استولت طالبان على العشرات من عواصم المقاطعات ويتكهن البعض بأن مقاتليها ينتظرون الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية للتقدم بجدية داخل المدن الكبرى، مثل قندهار. وفي خطوة تهدف إلى تحسين الروح المعنوية، عينت الحكومة الأفغانية مؤخرا وزيرا جديدا للدفاع ووزيرا للداخلية وقائدا للجيش. إن الانتكاسات على أرض المعركة والجنود الذين لم يتقاضوا أجورهم لعدة أشهر، كلها علامات تنذر بالسوء. وفي ظل غياب الدعم العسكري الأمريكي ودعم حلف شمال الأطلسي للحكومة الأفغانية وقوات الأمن، يبرز خوف كبير من استيلاء طالبان العسكري الكامل على البلاد بحلول نهاية العام.