أوّل الكلام آخره:
- مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020، لا تزال الولايات المتحدة تصارع على جبهات متعددة، إذ تتفاقم المخاوف الاقتصادية وأزمة الصحة العامة والتوترات العرقية.
- على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات في جميع أنحاء البلاد، يبرز خطر المدنيين المسلحين، وخطر أن يتحول سوء الفهم المتبادل أو العداوات الناشئة إلى أعمال عنف على امتداد الولايات المتحدة.
- لا ينبغي التقليل من شأن التهديد المحتمل الناجم عن غضب المحتجين وانتشار السلاح في أوساط كثيرين ممّن يشاركون في المظاهرات في جميع أنحاء البلاد.
- يصعب التمييز أحيانا بين السلطات الأمنية والمجموعات المسلحة، نظرا إلى ارتداء مجموعات كبيرة من الأفراد في التجمعات والاحتجاجات والمظاهرات ألبسة ومعدات تشبه تلك التي ترتديها القوى الأمنية.
في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يشارك كثير من المواطنين المسلحين في المظاهرات والاحتجاجات، وقد يكون ذلك في كثير من الأحيان محاولة منهم لتخويف المتظاهرين أو استعراضا للقوة، كما حدث في مباني الكابيتول في ولايات عدة في الأشهر الأخيرة. ومن المرجح أن يؤدي وجود السلاح إلى اندلاع أعمال عنف أوسع نطاقا في مرحلة لاحقة، مما يؤدي إلى قتل مدنيين وإصابتهم فضلا عن مواجهة حتمية مع قوات الشرطة والسلطات الأمنية. وفي نيو مكسيكو، ظهرت ميليشيات مسلحة في المظاهرات وحاولت ضبط الأمن بنفسها، متعدية بذلك على مهام السلطات الأمنية المحلية. وفي سياتل في ولاية واشنطن وبورتلاند في ولاية أوريغون، اشتبكت السلطات الأمنية الاتحادية مع المتظاهرين على مدى عدة أسابيع. وقد اتخذت الاضطرابات المدنية وأعمال العنف إطارا تحزّبيا، ومثّل فيها المدنيون المسلحون أطيافا سياسية مختلفة وتعهّدوا بحماية «قبائلهم»، سواء كانت تلك من الجماعات المتطرفة اليسارية أو اليمينية. ويدعي كل طرف منها بانتماء الآخرين إلى وحدة واحدة. وتستخدم كثير من الجماعات المسلحة خطابا مسيحانيا طهرانيا، وهو خطاب لا تتردد الصحف الأمريكية بوصفه إرهابيا أو متطرفا أو متشددا إذا صدر عن جماعة خارج البلاد. وقد أدت المناقشات الناتجة عن توقف الأشغال خلال جائحة وباء كورونا والاحتجاجات التي جرت في جميع أنحاء البلاد حول مقتل جورج فلويد إلى تفاقم التوترات المتأججة سابقا.
وفي كل مظاهرة تقريبا، سواء كانت اعتراضا على تدابير الصحة العامة مثل ارتداء الكمامات أم احتجاجا على سوء سلوك الشرطة، يظهر مدنيون يرتدون ألبسة عسكرية مجهزة بأسلحة متطورة. ومن وجهة نظر السلطات الأمنية وموظفي السلامة العامة، فإن هذه الاحتجاجات هي بمثابة قنبلة ينتظر انفجارها في أي لحظة. وتسمح معظم الولايات بـ«التسلح العلني» حتى بدون أي رخصة أو بغياب المؤهلات الخاصة بحمل البنادق والمسدسات في الأماكن العامة طالما أنه تسلح ظاهر للعيان. وقد تعرضت إدارات الشرطة المحلية للانتقاد بسبب معداتها وملابسها العسكرية المبالغ فيها، ولكن معدات الشرطة والزي العسكري لم تعد حكرا على العسكريين فحسب، بل باتت في متناول المتظاهرين المدنيين، وخاصة أولئك الذين يحملون آراء مناوئة للدولة والسلطات الأمنية.
ويعدّ التعرف إلى التهديدات المحتملة وتحديدها من أعمال أجهزة السلطات الأمنية اليومية في جميع أنحاء البلاد. ولا شك أن الأعداد الكبيرة من المواطنين المسلحين والغاضبين والعدوانيين في الاحتجاجات تفرض تحديات لا تعد ولا تحصى على الأشخاص المكلفين بالأمن. وحتى اليوم، أثبت أسلوب الفصل المادي بين الجهات المختلفة فعاليته، على الرغم من أنه يشكل تحديا كبيرا وسط فوضى المظاهرات الكبيرة. كما برزت ادعاءات بوجود محرضين على إشاعة الفوضى في صفوف الأطراف المختلفة. وقد ساهمت الجماعات المتطرفة اليسارية واليمينية في زعزعة الاستقرار، وغالبا ما تبدأ لعبة إلقاء اللوم التي يتقاذفها السياسيون من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى الجانب المنافس. وتتعمد بعض الأحزاب الحديثة مثل حركة «بوغالو» تصعيد التوترات لتفكيك المجتمع. وتغيب استراتيجيات السلامة العامة القابلة للتطبيق عندما تنتشر الأسلحة وتسود حالة الارتباك الناجمة عن الاحتجاجات في الشوارع، وخاصة عند استهداف عناصر معينة المدنيين أو السلطات الأمنية.
لا تزال الولايات المتحدة تواجه وباء كورونا مع عجزها عن التعامل معه، ويعتقد معظم الخبراء أن البلاد لم تشهد حتى اليوم إلا مراحل البداية من الضائقة الاقتصادية الناجمة عن البطالة والأجور المفقودة في ظل وباء كورونا. ومن الناحية السياسية، تزداد الأساليب الخطابية المتعلقة بانتخابات تشرين الثاني / نوفمبر احتداما. وتستمر الاحتجاجات العنيفة والسلمية في جميع أنحاء البلاد، وهي مرتبطة بـمجموعة من القضايا المحلية والوطنية. ومما لا شك فيه أن المواطنين المسلحين هم على أهبة الاستعداد وبجهوزية كاملة لشن معارك مع من يرونهم أعداء، وتغيب النوايا الحسنة في مثل هذا التهديد الذي يلوح في الأفق. ومع احتدام الحملة السياسية الرئاسية مع اقتراب موعد الانتخابات في تشرين الثاني / نوفمبر، تمثل البلاد اليوم بؤرة للتوتر، مع وجود المدنيين المسلحين، وانتشار المعلومات المضللة، والأزمة الصحية، وتبادل الاتهامات بتزوير الانتخابات قبل وقوعها، وهذا كله يشكل مزيجا قابلا للانفجار في أي لحظة.