أوّل الكلام آخره:
- صعدت إيران والميليشيات التي تدعمها هجماتها في محاولة للتأثير على تشكيل الحكومة الجديدة في العراق.
- يتنازع القادة الأكراد في العراق على منصب رئاسة العراق.
- أعاقت الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران جهود رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لتشكيل حكومة عراقية تهمشهم.
- لن تتراجع طهران وحلفاؤها في العراق عن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.
يشهد العراق مأزقًا سياسيًا بعد ستة أشهر من الانتخابات الوطنية التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، والتي بدا أن نتائجها قد تحد من نفوذ الفصائل المدعومة من إيران وقوات الميليشيات التابعة لها التي تعمل خارج هيكل الدولة. ومع ذلك، فقد نجح قادة الجماعات الموالية لإيران في العراق حتى الآن في عرقلة تشكيل حكومة تستبعدهم من المناصب الحكومية الرئيسية ومن عملية صناعة القرار الوطني. ويبدو أن الميليشيات تستغل الأزمة السياسية في بغداد لمهاجمة خصومها، مؤكدة أنه لن يتمكن أي زعيم عراقي من إخضاعها لسلطة الحكومة أو محاسبة قادتها. وقد تفاقمت الأزمة السياسية في أوائل نيسان (أبريل) عندما عجز مجلس النواب العراقي، المنتخب في تشرين الأول (أكتوبر)، عن اختيار رئيس للبلاد، والذي ينبغي أن يكون كرديا بحسب العرف المتفق عليه.
توقفت عملية تشكيل الحكومة جزئيًا بسبب الاستقطاب بين الحزبين الكرديين الرئيسيين اللذين يحكمان شمال العراق، واللذين يبدو أنهما تخليا عن نمطهما السابق في صياغة مواقف مشتركة عند التعامل مع القادة العرب في العراق. وقد رشح الاتحاد الوطني الكردستاني، المتحالف الآن مع الشيعة العراقيين الموالين لإيران، برهم صالح، رئيس الجمهورية، لولاية أخرى. ورغم أن منصب الرئيس منصب شرفي في الغالب، إلا أن الرئيس هو الذي يكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة، والذي ينبغي أن يكون شيعيا عربيا بحسب العرف المعمول به. أما الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان يدعم برهم صالح في الدورة السابقة أيضا، فقد رشح الآن مرشحه الخاص وهو ريبر أحمد خالد الذي يشغل حاليا منصب وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان. ويعكس تباين الحزب الديمقراطي الكردستاني عن الاتحاد الوطني الكردستاني في موضوع الرئاسة انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى «تحالف إنقاذ الوطن» – وهو تحالف يتمحور حول تحالف «السائرون» بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ولكنه يضم أيضًا أكبر كتلة سياسية عربية سنية. فاز حزب الصدر بمقاعد في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) أكثر بكثير مما حصل عليه أي من منافسيه. ويريد الصدر تقليص النفوذ الإيراني من خلال تشكيل حكومة «أغلبية» تستثني الجماعات الموالية لإيران من الأدوار الوزارية الرئيسية. وشكل خصوم الصدر الرئيسيون تحالفا أسموه «إطار التنسيق» ويضم حزب دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والفصائل والميليشيات المنضوية في تحالف الفتح، والاتحاد الوطني الكردستاني. ويدعم هذا التحالف التمسك بصيغة الحكم السائدة منذ عام 2003، والتي تنطوي على «حكومة توافقية» تضم جميع الكتل السياسية الشيعية، بما في ذلك تلك المتحالفة مع طهران. وحكومة كهذه لن تتحدى النفوذ الإيراني بالطبع ولن تكبح هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على القوات الأمريكية في العراق التي تساند القوات الحكومية العراقية في حربها ضد تنظيم داعش.
تمكن تحالف إطار التنسيق حتى الآن من منع الصدر من تحقيق النصاب القانوني لمجلس النواب للتصويت على ريبر أحمد رئيسا. ونظرًا لعدم تمكن المجلس من اختيار أي رئيس بحلول الموعد النهائي الدستوري في 6 نيسان (أبريل)، فإن لمجلس النواب الخيار، بأغلبية ثلثي الأصوات، لحل نفسه وإجراء انتخابات وطنية جديدة. وبدلًا من الدفع لإجراء انتخابات جديدة، تحدى الصدر خصومه بشكل مباشر من خلال منح إطار التنسيق فترة 40 يومًا حتى منتصف أيار (مايو)، لترشيح رئيس والحصول على موافقة مجلس النواب عليه وعلى رئيس الوزراء الجديد ومجلس وزراء. ويقدّر الصدر على ما يبدو أن خصومه سيفشلون في تجميع الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة، مما يجبرهم على الانصياع لما يفضله. ويبدو الصدر واثقًا من أنه حتى لو جرت انتخابات جديدة، فإن حزبه سيكون قادرًا مرة أخرى على إظهار قوته السياسية من خلال الفوز فيها.
ومع ذلك، فإن بعض معارضي الصدر لا يرون أنفسهم محصورين في استخدام المناورات البرلمانية السلمية لتحويل السياسة العراقية لصالحهم. بعد الخسارة في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر)، نظم مسلحون من الميليشيات الشيعية مظاهرات في بغداد تندد بما وصفوه تزويرا للانتخابات، وبدا أن البعض كان على وشك محاولة اقتحام مقر الحكومة. وفي أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، استخدمت الميليشيات المدعومة من إيران طائرات مسيرة مسلحة لمهاجمة منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يدعم استمرار شكل من أشكال الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وفي 6 نيسان (أبريل)، آخر موعد لاختيار الرئيس، استهدفت ثلاثة صواريخ يُزعم أن قوات مسلحة مدعومة من إيران أطلقتها مصفاة نفط في أربيل تديرها مجموعة كار، وهي شركة طاقة كردية. وقد جاء الهجوم بعد أسابيع قليلة من إطلاق الحرس الثوري الإسلامي وابلًا من الصواريخ من الأراضي الإيرانية على منزل الرئيس التنفيذي للشركة. وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني علنا مسؤوليته عن هذا الهجوم، الذي قال إنه استهدف المصالح الإسرائيلية في العراق، على الرغم من أنه ما من علاقة واضحة بين كار وإسرائيل. ولعل الهجمات على أهداف في أربيل، وهي قاعدة قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تمثل محاولة من جانب إيران وحلفائها العراقيين لإجبار الحزب الديمقراطي الكردستاني على التخلي عن تحالفه مع الصدر.
وفي 7 نيسان (أبريل)، بدا أن إيران ومعاونيها وسعوا حملتهم عندما شن مقاتلون مدعومون من إيران – والذين يتعاونون بشكل وثيق مع الميليشيات الشيعية العراقية – هجومًا مدفعيًا على قاعدة «القرية الخضراء» في شرق سوريا التي تستخدمها القوات الأمريكية، مما أدى إلى إصابة بعض العسكريين. وتلت الهجمات الأخيرة محادثةٌ بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في 8 نيسان (أبريل)، بما في ذلك الاتفاق على لقاء شخصي في المستقبل. ورغم قبول إيران بالمناقشات المستقبلية، فإنها لم تعط أي مؤشر على أنها ستتخلى عن عنصر رئيسي في استراتيجيتها: استخدام أعمال العنف للضغط على الشخصيات السياسية والكيانات والدول التي تعارض النفوذ الإيراني داخل العراق.