أوّل الكلام آخره:
- من غير المرجح أن تسفر الجولة التالية من المحادثات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015، والمقرر إجراؤها في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، عن أي اختراقات.
- إن مطالب إيران بتخفيف العقوبات بشكل فوري وشامل من جهة، وإقدامها على توسيع برنامجها النووي وهجماتها الإقليمية من جهة أخرى، لا تبشر بالخير بالنسبة للجولة القادمة من المحادثات.
- على الرغم من المزاعم عن وجود «الخطة ب»، ليس لدى الولايات المتحدة بديل واضح وقابل للتطبيق في حالة باءت المحادثات بالفشل واستمرت إيران في توسيع برنامجها النووي.
- لدى جميع الأطراف المشاركة في المحادثات مصلحة في تجنب انهيار المفاوضات، حتى لو استمر الوضع على ما هو عليه من غير أي تقدم.
في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) وافقت الحكومة الإيرانية الجديدة رسميًا على العودة إلى المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015. وستبدأ الجولة الجديدة في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) بعد عدة أشهر من الضبابية بشأن مستقبل المحادثات التي كانت قد عُلّقت في حزيران (يونيو) استعدادا للانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي فاز فيها إبراهيم رئيسي الذي نُصّب رئيسا في آب (أغسطس). ويبدو أن الجولات الست من المحادثات التي عُقدت بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) قد أسفرت بعض نقاط الاتفاق، غير أنها لم تسفر عن اختراقات واضحة. ولم ترفض حكومة رئيسي الالتزام بأي تعهدات قدمتها الحكومة السابقة خلال محادثات النصف الأول من عام 2021 فحسب، بل وسعت أيضًا برنامج إيران النووي إلى الحد الذي جعل المسؤولين الأمريكيين يصرحون بأن «الوقت بدأ ينفد». ووفقًا لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين ومسؤولين كبار آخرين، فإن التقدم النووي الإيراني، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60٪ (مع العلم بأن النقاوة المطلوبة لتصنيع الأسلحة تبلغ الـ 90%)، سيجعل من المستحيل على الولايات المتحدة والأطراف الأخرى قريبا تحصيل الفوائد الكاملة للاتفاقية المستعادة.
وقد سعت حكومة رئيسي لتخفيف العقوبات الشاملة المنصوص عليها في اتفاقية 2015، ولكنها لا تبدو في وضعية متحرقة لحصول ذلك. ولا شك أن العقوبات أضعفت الاقتصاد الإيراني، إلا أن استمرار صادراتها إلى الصين وبعض المشترين الآخرين في تحد للعقوبات الأمريكية منع عن الاقتصاد شبح الانهيار. وتشير بعض التقارير إلى أن فريق رئيسي المفاوض الجديد يطالب الولايات المتحدة برفع بعض العقوبات حتى قبل بدء الجولة الجديدة من المحادثات. كما يصرّ على أن أي اتفاق ينبغي أن يشمل إزالة بعض العقوبات التي لم يكن مطلوبًا رفعها في اتفاقية 2015، مثل تلك المفروضة على مشتريات الأسلحة الإيرانية وقدرة الوصول إلى النظام المالي الأمريكي. ومما زاد من تعقيد آفاق المحادثات سلسلة من الأحداث الإقليمية التي يبدو أنها وقعت بدعم إيراني، بما في ذلك ضربات بطائرات مسيرة على قاعدة أمريكية في سوريا وضربة على منزل رئيس الوزراء العراقي. وتشير بعض التقارير الصحفية إلى الإفراج عن 3.5 مليار دولار من الأصول الإيرانية المحظورة، فيما يمكن أن يمثل إجراءً أمريكيًا لبناء الثقة قبل المحادثات المقبلة. ومن المفترض أن هذه الأموال تمثل جزءًا من أصول البنك المركزي الإيراني التي تبلغ قيمتها حوالي 6 مليارات دولار والمحتفظ بها في كوريا الجنوبية والتي كانت موضوعًا لمفاوضات استمرت أكثر من عام بين كوريا الجنوبية وإيران والولايات المتحدة. وكان الإفراج يتطلب وعودًا من إدارة بايدن بعدم معاقبة البنوك الكورية الجنوبية التي ستسمح لإيران بسحب الأموال. إن مطالب إيران بتخفيف العقوبات بشكل فوري وشامل من جهة، وإقدامها على توسيع برنامجها النووي وهجماتها الإقليمية من جهة أخرى، لا تبشر بالخير بالنسبة للجولة القادمة من المحادثات.
والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت المحادثات النووية يمكن أن تستمر إذا استمر المأزق الحالي. ويلوّح بعض مسؤولي إدارة بايدن بأن لديهم «خطة ب» لمنع إيران من التسلح النووي إذا انهارت المحادثات وسعت إيران إلى «اختراق» نووي يسمح لها بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب الذي بمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية. ويُفترض أن ما يسمى بالخطة ب، التي بقيت غامضة على نحو متعمد، قد تشمل اتخاذ الولايات المتحدة إجراءً عسكريًا ضد المنشآت النووية الإيرانية. وفي سياق منفصل، قالت القيادة الإسرائيلية إنها تحتفظ بالحق في التصرف عسكريا بموافقة الولايات المتحدة أو من دونها، لأن السلاح النووي الإيراني يشكل ما يسميه القادة الإسرائيليون «تهديدًا وجوديًا» لإسرائيل. ومع ذلك، فلا يبدو أن العمل العسكري الأمريكي أو الإسرائيلي سيكون له بالضرورة آثار كبيرة دائمة، كما أن المخاطر التي قد ينطوي عليها مثل هذا الخيار وإمكانية أن يتسبب في اندلاع حرب إقليمية، تجعله غير مستساغ نسبيًا. وقد تكون الخطة ب خطة عقوبات صارمة جديدة على غرار سياسة «الضغوط القصوى» لإدارة ترامب على إيران. ويمكن أن تشمل نقطة البداية معاقبة الصين لمحاولة إجبارها على التوقف عن استيراد أكثر من 550 ألف برميل يوميًا من النفط الخام الإيراني. على أن كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الإيراني يخضع الآن للعقوبات الأمريكية، وليس من الواضح ما إذا كانت عقوبات أمريكية جديدة ستكون كافية لدفع إيران على تقديم التنازلات، ولا سيما أن حملة الضغوط القصوى قد فشلت في ذلك.
ومع عدم ضمان نجاح الخيارات الأمريكية الأخرى، فإن المسار المرجّح هو استمرار المحادثات إلى أجل غير مسمى، حتى لو لم تحرز أي تقدم يذكر. فقرار الولايات المتحدة بإنهاء المحادثات والتركيز على الخيارات البديلة من شأنه أن يعرض الحكومة الأمريكية لأزمة سياسية خارجية جديدة وغير مرغوب فيها، ولا سيما بعد تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ووصول طالبان إلى السلطة. ومن جانب إيران، فإن الانسحاب من المحادثات سيؤدي بلا شك إلى عزلة دولية وإعادة فرض العقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي ودول أخرى. وسيتيح استمرار المحادثات أيضًا وقتًا لتدابير بناء الثقة، مثل الإفراج الإيراني عن المواطنين الأمريكيين أو المزدوجي الجنسية من السجن أو الإفراج عن المزيد من الأصول الإيرانية، وذلك لإنضاج البيئة للتوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، فليس بين أيدينا اليوم ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن المحادثات القادمة ستحرز اختراقا مهما لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.