أوّل الكلام آخره:
• اختتم مؤتمر الأطراف السادس والعشرون والمخصص للمناخ هذا الأسبوع أعماله في غلاسكو بصفقة أوّليّة بين الصين والولايات المتحدة، ولكن من غير الاتفاق إلا على القليل من الإجراءات الحازمة.
• تأتي المحادثات الدولية لمعالجة تغير المناخ في الوقت الذي أظهر فيه تقرير صدر مؤخرا أن العالم على أعتاب تخطي الحدود التي كانت قد حددتها اتفاقية باريس سابقا.
• ما من أمل واقعي في منع زيادة الاحترار العالمي بما لا يقل عن 2.5 درجة مئوية، مما سيكون له تداعيات هائلة على كوكب الأرض.
• لا تزال كثير من البلدان تنظر إلى معالجة تغير المناخ على أنها أمر مكلف فحسب، لا على أنها فرصة حاسمة وعاجلة.
مع انتهاء محادثات مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو بإسكتلندا، ظهرت بعض الإشارات المشجعة على إحراز تقدم. ولكن، كما هو الحال مع معظم التعهدات في مجال تغير المناخ، فإن التقدم الذي رُوّج له يبدو غامضا ومؤجلا لعقود في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن وتيرة تسارع تغير المناخ تزداد كل عام. وبينما كان النشطاء والسياسيون وكبار رجال الأعمال يجتمعون لإحراز تقدم ظاهري بشأن ما أصبح الآن القضية الوجودية العالمية الأكثر إلحاحًا، أظهر تقرير نُشر حديثًا أن عقودًا من التقدم المتعهّد به – دون إحراز تقدم فعلي – قد وضعت العالم الحديث في موقف محفوف بالمخاطر. فقد أظهر التقرير السنوي لمستويات الكربون إلى أن أمامنا أقل من 11 عامًا فقط للسيطرة على المستويات الحالية من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وإلا فإن علينا توقّع تأثيرات دائمة بالغة الخطورة.
وقد كان الجهد العالمي الأكثر شمولًا لمواجهة تغير المناخ المتسارع هو اتفاق باريس للمناخ، الذي وقع عليه 196 طرفًا في عام 2015. وقد سحبت إدارة ترامب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2017، ولكن إدارة بايدن عادت وانضمت إليها بعد أربع سنوات. وقد كان المعيار الرئيسي لاتفاق باريس هو الاتفاق على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بوضع سقف أعلى يتمثل بـ 1.5 درجة مئوية. وهذا السقف لا يمنع وقوع تغيرات هائلة في النظم البيئية في جميع أنحاء العالم، ولكنّ المأمول أن يجنّب البشرية وقوع كارثة أبدية. غير أنه في السنوات الخمس التي تلت الاتفاقية، لم يجر فعل ما يكفي لتغيير مسار تسارع الاحترار الأرضي.
ونتيجة لذلك، يُعتقد الآن أنه ما من أمل واقعي في أن يتمكن العالم من تجنب ارتفاع الحرارة بـ 2.5 درجة مئوية. وسيكون لهذه الزيادة العالمية عواقب سلبية جسيمة تشمل ارتفاع مستوى سطح البحر الذي سيؤثر بشكل غير متناسب على البلدان الفقيرة ذات الكثافة السكانية الكبيرة والهشة. ويتوقع البنك الدولي أن يؤدي تغير المناخ إلى تشريد 200 مليون شخص من منازلهم بحلول عام 2050. وستكون البلدان الأقل مساهمة في أسباب الاحتباس الحراري هي الأكثر تضررًا في البداية، في حين أن الدول الصناعية الكبرى التي تتسبب شهيتها الجشعة للوقود الأحفوري بأكبر قدر من انبعاثات الكربون لديها من الموارد ما سيسمح لها بالتعامل مع التداعيات. أدى هذا الخلل وعدم قدرة المساهمين الرئيسيين في الاحتباس الحراري – أي الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند والمملكة العربية السعودية – على معالجة هذا إلى الديناميكية الحالية حيث تتعهد الدول بالكثير، ولكنها لا تنجز من تعهداتها إلا القليل.
ويبدو أن مؤتمر الأطراف الأخير يواصل هذا الاتجاه، ففيه تعهدات كثيرة بالعمل، لكن الجداول الزمنية تقاس بالعقود لا بالسنوات. ولا يخلو الأمر من بعض التطورات الإيجابية، فقد برزت إشارة محددة إلى إنهاء دعم الوقود الأحفوري واستخدام الفحم، ومحاولة إقناع البلدان بتقصير الجداول الزمنية لخفض انبعاثات الكربون أو حتى تحقيق «الحياد الكربوني». ولا شك أن إنهاء الدعم للوقود غير المتجدد سيكون إنجازًا كبيرًا. ومع ذلك، فلا تزال التفاصيل غائبة، وإرادة العمل على التحول الاقتصادي المطلوب كانت غائبة حتى الآن بين دول الشمال.
ولعل من أبرز التطورات المهمة إعلان الولايات المتحدة والصين هذا الأسبوع أنهما قد توصلتا إلى اتفاق أولي للعمل معًا لمعالجة تغير المناخ. ولا شك أن أي حوار إيجابي بين أكبر اقتصادين في العالم سيكون أمرا محبّبا، خاصة على هذه الجبهة بالذات. وقد صرحت الصين بأنها ستلتزم بخفض انبعاثات غاز الميثان، وهي خطوة لم يسبق لبكين أن التزمتها فيما مضى. والميثان هو أحد أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري تدميرًا. غير أن التفاصيل كالعادة كانت قليلة في هذا الإعلان المفاجئ، ويبقى أن نرى كيف سيعمل المتنافسان معًا لتحقيق الأهداف المشتركة أو على انفراد لتحقيق الأهداف المناخية الخاصة بكل منهما.
ولا ينبغي الاستهانة بالتهديد العالمي لتغير المناخ؛ ففي غضون عقود، سيؤثر تغير المناخ في كل قطاع وبلد، بسبب ما سيحدثه من ندرة في الغذاء والمياه ونزوح جماعي وكوارث طبيعية وآثار اقتصادية. وهذه مخاطر جمّة، بالنظر إلى التكاليف المالية للكوارث الطبيعية وتهديدها أرواح البشر، فضلا عن إخلالها الحتمي بالاستقرار الإقليمي والعالمي بفعل الجفاف والفيضانات والتصحر والمجاعة. ولا يزال التحدي الأكبر يتمثل في الإرادة السياسية، وذلك نظرا إلى صعوبة المهمة المتمثلة في إعادة صياغة الاقتصادات الوطنية التي تعتمد منذ فترة طويلة على النفط والغاز والفحم. وينبغي العمل على إظهار المكاسب المالية التي يمكن تحقيقها من خلال الابتكار والتنظيم الحكومي، وذلك إذا ما أريد للبلدان الغنية أن تسير في المسار الصحيح بالجدية والتركيز اللذين تتطلبهما هذه الأزمة.