أوّل الكلام آخره:
- تعكس الموجة الجديدة من الاضطرابات في إيران تأثيرات تغير المناخ وسوء الإدارة.
- كما هو الحال دائما في إيران، انتشرت المظاهرات وتطورت إلى احتجاجات سياسية ضد القيادة القمعية الإيرانية.
- من المستبعد أن تؤدي الاضطرابات إلى إضعاف قبضة النظام الذي لا يمانع استخدام الذخيرة الحية وقطع شبكة الإنترنت للتصدي لها.
- تمثل الاحتجاجات الإيرانية نذيرا بتداعيات تغير المناخ على منطقة الخليج الفارسي برمّتها.
تشهد إيران موجة جديدة من الاضطرابات، أثارتها الاحتجاجات التي اندلعت في محافظة خوزستان الجنوبية الغربية في 15 تموز / يوليو 2021. وقد اندلعت هذه المظاهرات التي قادها المزارعون وأصحاب المزارع في المقاطعة في البداية ضد الحكومة الوطنية، بسبب النقص الحاد في المياه الناجم عن الجفاف وسوء الإدارة الاقتصادية للمياه منذ فترة طويلة. وكان خبراء البيئة في إيران قد حذروا من أن بناء السدود الكهرومائية وخطط الري ونقل المياه إلى المحافظات المجاورة من المنطقة الغنية بالنفط سيسبب ضررا بيئيا ويؤدي إلى نقص المياه. ومما لا شك فيه أن تداعيات سوء الإدارة قد تضخمت بسبب تغير المناخ، الذي تسبب، من بين عواقب أخرى، في ارتفاع درجات الحرارة في الخليج بشكل مطرد. ووفقا لوكالة الأرصاد الجوية الإيرانية، انخفض متوسط هطول الأمطار في البلاد بنسبة 20 % في السنوات العشرين الماضية، وكانت الفترة من تشرين الأول / أكتوبر 2020 إلى حزيران / يونيو 2021 الفترة الأكثر جفافا منذ 53 عاما. وهذه ليست السلسلة الأولى من الاحتجاجات التي تولدت من المشاكل البيئية، فقد كان لأعمال الشغب بين عامي 2017 و2018، والتي مثلت التحدي الأكبر للنظام منذ الحركة الخضراء، دوافع اقتصادية وبيئية.
وعلى غرار الأحداث السابقة، انتشرت الاحتجاجات التي بدأت استجابة لظروف محددة في إحدى المناطق إلى المدن الرئيسة في إيران وعكست استياء واسع النطاق من سوء الإدارة والممارسات القمعية في الجمهورية الإسلامية. ومن الجدير ذكره أن محافظة خوزستان تضم تجمعا كبيرا من العرب، فتفاقمت حدة المظاهرات فيها بسبب المعاملة التمييزية ضد العرب عامة. وقد تعكس الاضطرابات أيضا الاستياء من ترتيب النظام لانتصار إبراهيم رئيسي، وهو المرشح الذي يبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي كان قد اختاره للفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 حزيران / يونيو.
وقد تجاوب القادة الإيرانيون مع الاضطرابات من خلال قواعد اللعب الراسخة التي استخدموها لقمع المظاهرات الكبرى في أوقات سابقة، ومنها مؤخرا، الانتفاضة الكبيرة نسبيا في تشرين الثاني / نوفمبر 2019. فقد اعتمدوا الاعتقالات الجماعية وسمحوا لبعض قوات الأمن باستخدام الذخيرة الحية. وقد وثقت جماعات حقوق الإنسان الدولية مقتل تسعة أشخاص على الأقل منذ بدء الاضطرابات الأخيرة، بمن فيهم شاب يبلغ 17 عاما. كما لجأت الحكومة إلى قطع شبكة الإنترنت في محاولة لمنع الناس من تنظيم المظاهرات. وفي عام 2019، اعتمد كبار المسؤولين استراتيجية التفافية خلال الاضطرابات وهي الاعتراف بالحق في الاحتجاج وبشرعية بعض مظالم المتظاهرين. وفي 25 تموز / يوليو، أفادت وكالة أنباء القضاء الإيراني أن غلام حسين إجئي، الذي عين رئيسا للسلطة القضائية خلفا لرئيسي الذي ترك هذا المنصب لتولي الرئاسة، أمر محاكم خوزستان بالإفراج عن المعتقلين جراء احتجاجهم. واعتبارا من بداية آب / أغسطس، استطاعت استراتيجية النظام المتبعة الحد من الاضطرابات، وكما هو الحال عادة، فلن تغير المظاهرات من إحكام قبضة النظام على السلطة.
وعلى الرغم من أن سياسات إيران القمعية تجعل البلاد دوما على حافة الانتفاضات الشعبية، إلا أن مظاهرات تموز / يوليو أثارتها عوامل لا تقتصر على إيران فحسب، بل يمكن أن تؤثر بسهولة في حكومات أخرى في منطقة الخليج. فندرة المياه في جنوب غرب إيران تعود بالدرجة الأولى إلى تغير المناخ العالمي، والذي يسبب أزمات كبيرة لا في إيران وحسب ولكن في منطقة الخليج برمّتها. ووفقا لعلماء المناخ، فإن معدلات الحرارة والرطوبة في منطقة الخليج تقترب من المستويات التي تهدد بقاء الإنسان. ووفقا لبعض الدراسات، فقد تصل المنطقة المحيطة بالخليج إلى عتبة الموات إذا كانت التنبؤات الحالية (والمبنية على الممارسات الراهنة) لتركيزات الغازات الدفيئة المستقبلية صحيحة. وقد تكون تداعيات ذلك سياسية فضلا عن كونها اقتصادية واجتماعية. كما واجهت بعض دول الخليج الصغيرة، وخاصة تلك التي تعتمد على العمالة الأجنبية، احتجاجات عمالية وتدقيقا من الحكومات ومنظمات العمل الدولية بسبب ظروف العمل القاسية، التي شملت العمل خلال الساعات الأكثر حرارة في أشهر الصيف. ومن المؤكد أن تعامل الحكومات الغربية مع تغير المناخ سيقلل من الطلب المستقبلي على صادرات الهيدروكربون التي تشكل جزءا لا يستهان به من إيرادات الخليج وإيران والعراق. وعلى الرغم من أن إيران تواجه اليوم التحديات الأكثر إلحاحا، إلا أن جميع دول الخليج ستحتاج إلى صياغة استراتيجيات شاملة وقابلة للتطبيق للتخفيف من تداعيات تغير المناخ على حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.