أوّل الكلام آخره:
- من المرجح أن تؤثر أعباء التصدي لتغير المناخ على الأمن والحوكمة لسنوات عديدة، وقد تؤدي إلى مزيد من التفاوت بين الدول وداخل الدول نفسها.
- سجلت موجة الحر التي اجتاحت أوروبا هذا الصيف أرقامًا قياسية جديدة وسلطت الضوء على ضعف كل من البنية التحتية المدنية والعسكرية في مواجهة الحرارة الشديدة.
- تسببت الفيضانات في أمريكا الشمالية والشرق الأوسط في مقتل العشرات بعد أن دمرت الأمطار الغزيرة البنى التحتية التي لم تكن قادرة على تحمل الأمطار الغزيرة المتواصلة.
- على الرغم من الصورة القاتمة التي تظهر يوما بعد يوم، يواصل بعض السياسيين وأصحاب المصالح نشر المعلومات المضللة وزرع الشكوك حول تغير المناخ.
تعتمد اقتصاداتنا الوطنية على بنى تحتية تستهلك كميات هائلة من الطاقة – إذ تعتمد الحوسبة السحابية على الخوادم المبردة بواسطة أنظمة التبريد الضخمة؛ وتستهلك كميات هائلة من الفحم والنفط والغاز لإنتاج الصلب والخرسانة – وتعتمد الزراعة الحديثة على بيئة طبيعية مستقرة وهي عرضة لانقطاع سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية الناجم عن الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية. ولا تصلح المدن للعيش بدون بنية تحتية حديثة مرنة. وبهذا المعنى يشكل تسارع تغير المناخ تهديدًا مباشرًا لكل جانب من جوانب الاجتماع الحديث والاقتصاد العالمي. غير أن آثار أزمة المناخ لا يشعر بها الجميع على نحو متكافئ. ومن المرجح أن تؤثر أعباء الاستجابة لتغير المناخ على الأمن والحوكمة لسنوات عديدة، وقد تؤدي إلى تفاقم التفاوت بين الدول وداخل الدول نفسها. وتصارع العديد من البلدان النامية الآثار الناجمة عن تغير المناخ لسنوات، حيث أدت الأحداث المناخية وتغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى النقص الغذائي والفقر. وغالبًا ما تتأثر بهذه الظروف في البداية الفئات الأكثر ضعفًا كاللاجئين والنازحين داخليًا الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة للتكيف مع بيئة معادية بشكل متزايد. ووفقًا للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يشكل تغير المناخ محركا رئيسيا للنزوح، إذ يتشرد أكثر من 20 مليون شخص سنويًا بسبب المخاطر الناتجة عن تغير المناخ. ويمكن لمثل هذا الواقع أن يجهد البنية التحتية الهشة بالفعل ويزيد من حدة التوترات القائمة في المجتمعات المتضررة من النزاعات.
إن موجة الحر التي غطت مساحات واسعة من أوروبا هذا الصيف هي مثال على مدى سرعة تغير المناخ وبطء استجابة المجتمعات. وفي العديد من المدن الأوروبية، يعد تكييف الهواء في المباني السكنية أمرًا نادرًا، مما يشكل مخاطر صحية حقيقية عندما تستمر درجات الحرارة عالية لأيام أو أسابيع. وبين 7 و19 يوليو، سجّلت أكثر من ألفي حالة وفاة مرتبطة بارتفاع الحرارة في إسبانيا والبرتغال. وقضت حرائق الغابات في فرنسا واليونان الكثير من المحاصيل والغابات والمنازل، وزادت مستويات الملوثات في الهواء، مما أدى إلى زيادة أمراض الجهاز التنفسي. وفي المملكة المتحدة، حيث لم تُبنَ البنى التحتية لتحمل درجات الحرارة القصوى، اضطرت قاعدة القوات الجوية إلى تعليق عمليات الطيران بسبب الأضرار الناجمة عن الحرارة في المدرج. ولسنوات، أدرج مسؤولو الدفاع الأمريكيون تغير المناخ ضمن مصادر القلق المتعلق بالأمن القومي. ولا بد من استثمارات ضخمة لدعم البنية التحتية العسكرية (مثل القواعد البحرية) في مواجهة الآثار الناجمة عن تغير المناخ، ووفقًا لمسؤولي وزارة الدفاع، فإن الطلب على المشاركة العسكرية سيزداد أيضًا بسبب الاضطرابات التي قد تنجم عن تغير المناخ.
ويحتوي الهواء الأكثر سخونة على المزيد من المياه، ولا يعني ارتفاع درجة حرارة الأرض حالات جفاف أكثر تواترًا وشدة فحسب، بل يعني أيضا فيضانات مفاجئة ناجمة عن ازدياد معدلات هطول الأمطار أحيانا عن حدودها المعتادة. ففي إيران، توفي أكثر من 80 شخصًا في الفيضانات الأخيرة. ودمرت الفيضانات أجزاء من شرق كنتاكي بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل العشرات. وسجلت انفجارات السحب والأمطار الغزيرة في الهند أرقامًا قياسية في يونيو، مع هطول أمطار غزيرة ليوم واحد ثم ثلاثة أيام في منطقة يفترض أنها معتادة على غزارة الأمطار. وتسخن المناطق القطبية بوتيرة أسرع بكثير من بقية الكوكب، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار أنماط الطقس وذوبان الجليد القطبي الذي يرفع مستويات سطح البحر، مما يشكل تهديدًا لـ 40 % من سكان العالم الذين يعيشون على بعد يقل عن 100 كيلومتر من الساحل. ومع اقتراب فصل الصيف من نهايته، تستعد العديد من هذه المجتمعات الآن لعام آخر من الأعاصير المدمرة. وغالبًا ما يُنظر إلى تغير المناخ على أنه يعني بالدرجة الأولى البلدان النامية، ولكن هذه الحوادث الأخيرة سلطت الضوء على نقاط الضعف والمخاطر العالمية التي يشكلها ارتفاع درجات الحرارة.
وقد كانت الحكومات والمجتمعات مترددة في تبني استراتيجيات قوية بما يكفي للتخفيف من أسوأ السيناريوهات التي تنبأ بها علماء المناخ. وما من مسار واقعي حتى الآن لتحقيق أي من الأهداف الثلاثة لاتفاق باريس للمناخ. وقد تعرضت الثقة في الدبلوماسية والتعاون الدوليين للخطر بشكل خطير بسبب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من تلك الاتفاقية، مما أفسح المجال أمام الدول الأخرى لتجاهل التزاماتها هي الأخرى. ولكن مع قانون الحد من التضخم، الذي يتضمن تدابير غير مسبوقة لمعالجة تغير المناخ، وتمريره لمجلس الشيوخ الأمريكي، يظهر بصيص من الأمل في أن ثاني أكبر مصدر للكربون في العالم قد يقترب قريبًا من الأهداف المحددة في اتفاق باريس. وفي الوقت الذي تواجه فيه الحكومات الوطنية المهمة الشاقة المتمثلة في تكييف بنيتها التحتية لمواجهة تغير المناخ، فمن الضروري على الجهات والدول المسؤولة عن القدر الأكبر من الانبعاثات أن تشكل القدوة في تبني السياسات وتنفيذها.
وستكون التكاليف المرتبطة بتحويل الاقتصاد العالمي نحو الطاقة المستدامة هائلة. وستتطلب مهمة دمج مصادر الطاقة المتجددة في البنية التحتية المحلية إنشاءات مكثفة لخطوط النقل وإعادة توصيل الشبكات الكهربائية. وبطبيعة الحال، ستعطي الدول الأولوية لتحولاتها المحلية، ولكن مثل جائحة كوفيد-19، فإن تغير المناخ يمثل تهديدًا عالميًا ويجب على الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية دعم الدول في الجنوب العالمي وهي تصارع هذا التحدي. وداخل البلدان النامية، يجب على الحكومات أيضًا أن تضمن حصول الأشخاص الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ على الدعم. وفي حين أبدى المجتمع الدولي التزامه على الورق – وحاول العديد من البلدان التصرف بشكل فردي – فإن الشعور بحتمية التحرك السريع بعيد عن أن يكون شعورا عاما. وينظم نشطاء المناخ احتجاجات ومظاهرات بشكل متكرر، مع تزايد شعورهم بأن قادة العالم لا يزالون لا يقدرون تمامًا خطورة ما يعدّه الكثيرون تهديدًا وجوديًا. وقد أصبح الحفاظ على بيئة «العرق الأبيض» أيضًا صرخة تحتشد حولها بعض الجماعات اليمينية المتطرفة، وأصبحت «الفاشية البيئية» و«الإرهاب البيئي» مصدر قلق لممارسي مكافحة الإرهاب. غير أن التعاون الدولي القوي لا يزال السبيل الوحيد للاستجابة لهذه الأزمة الملحة.