أوّل الكلام آخره:
- أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الإرهاب الّذي يستعرض تقاريرها الخاصة بالدول المختلفة، لتقديم لمحة عالمية عن التهديد الإرهابي. وقد سلط التقرير الضوء على التقدم المحرز في مكافحة الإرهاب في العديد من المجالات الرئيسة، ولكنه اعترف أيضا بالتحديات الماثلة أمامنا.
- تبقى الجماعات السلفية الجهادية، بما فيها تنظيما داعش والقاعدة، خصما حيّا وفاعلا، وستظل تشكل تهديدا للاستقرار العالمي من خلال الجماعات التابعة لها، ومن خلال محاولاتها لتوسع نفوذها في مناطق جديدة.
- على الرغم من أن التقرير يروج لحملة «الضغط القصوى» التي تقوم بها الولايات المتحدة ويجعل من تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية أمرا ضروريا لمواجهة إيران، إلا أن إجراءات النظام الإيراني تشير إلى أن نتائج حملة «الضغط القصوى» ليست، في أحسن الأحوال، على ما يشتهيه الأمريكيون تماما.
- في حين أن الاهتمام المكرس لجماعات العنصريين البيض يمثّل تحولا في عقليات مسؤولي مكافحة الإرهاب التابعين للحكومة الأمريكية، إلا أن التقرير لم يصف طبيعة التهديد العابرة للحدود الوطنية ومختلف العقد في شبكات جماعات العنصريين البيض وصفا كافيا.
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أمس تقريرها السنوي عن الإرهاب الذي يستعرض تقاريرها الخاصة بالدول المختلفة لتقديم لمحة عالمية عن التهديد الإرهابي. وتبرز عدة مواضيع مألوفة في هذا السياق. أولا، التهديد المستمر الذي تشكله الجماعات السلفية الجهادية، بما في ذلك تنظيم داعش والقاعدة. وثانيا، دور إيران في دعم الجماعات الحليفة مثل حزب الله وإثارة لهب الإرهاب والتطرف في جميع أنحاء العالم، من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية. ويبرز في التقرير أيضا اعتراف بالتهديد المتزايد الذي تشكله الشبكة العابرة للحدود للمتطرفين على أسس عنصرية وعرقية (لا سيما جماعات العنصريين البيض الإرهابية). ويركز التقرير في المقام الأول على العام الماضي، إذ قوّمت التحاليل فيه جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب طوال عام 2019 وسلطت الضوء على التقدم المحرز في العديد من المجالات الرئيسة مع الاعتراف بجملة التحديات الماثلة.
في آذار / مارس من عام 2019، تمكنت الولايات المتحدة ومعها التحالف العالمي لهزيمة داعش من إسقاط قرية باغوز في سوريا، آخر معاقل داعش. وبحلول أواخر تشرين الأول / أكتوبر، شهد التنظيم زلزالا قويا بعد مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي. ومع ذلك، تعترف وزارة الخارجية بأن تنظيم داعش ما زال تنظيما حيّا وفاعلا، حتى من دون خلافته المزعومة في العراق وسوريا، وأنه لا يزال يشكل تهديدا على الاستقرار العالمي من خلال نمو العديد من الجماعات التابعة له، ومدّ فروعه في مناطق جديدة، بما في ذلك في أجزاء من جنوب الصحراء الإفريقية وفي مناطق جنوب آسيا وجنوب شرقها. وفي هذه الفترة، عانى تنظيم القاعدة من خسارة حمزة بن لادن في أيلول / سبتمبر 2019. وأدى التقدم المحرز في تعقّب شبكة القاعدة العالمية عام 2019 إلى الوصول إلى معلومات استخباراتية قيّمة، سهلت استهداف العديد من قادة التنظيم الرفيعي المستوى في العام الحاليّ، منهم قاسم الريمي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في شباط / فبراير 2020، وعبد المالك دروكدال أحد الأعضاء البارزين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أوائل الشهر نفسه. لكن ذلك لم يضعف من قدرة تنظيم القاعدة على إلهام أتباعه لشن المزيد من الهجمات، واتضح هذا في كانون الأول / ديسمبر 2019، من خلال الهجوم الذي شنه الضابط في سلاح الجو السعودي برتبة ملازم ثان على محطة جوية بحرية بولاية فلوريدا،بالتنسيق مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وكانت إيران محور تركيز رئيس في تقارير الدول حول الإرهاب لعام 2019 نظرا لدعمها للجماعات الإرهابية وهجماتها في جميع أنحاء العالم من خلال فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي، ووزارة الاستخبارات والأمن، وقد كانت طهران، بحسب التقرير، على صلة بمؤامرات إرهابية في كل قارة تقريبا. كما واصل النظام الإيراني أيضا إنشاء شبكة متنامية من القوات الموالية في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن، التي يمولها لتحقيق أهدافه الأمنية الإقليمية ويدربها ويجهزها لذلك. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية تروج لحملة «الضغط القصوى» التي تقوم بها الولايات المتحدة وترى في تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية أمرا ضروريا لمواجهة إيران، إلا أن إجراءات النظام في النصف الأول من عام 2020 تشير إلى أن طهران لم تلن ولم تجبن، وأن نتائج حملة «الضغط القصوى» ليست، في أحسن الأحوال، على ما يشتهي الأمريكيون. كما يحمل التقرير انتقادات لإيران لكونها شكلت ملاذا لأفراد رفيعي المستوى من تنظيم القاعدة.
إن التغيير الجدير بالترحاب في تقرير هذا العام، هو التركيز على التهديد الذي يشكله الإرهابيون على أسس عنصرية وعرقية، وخاصة أولئك الإرهابيون من جماعات العنصريين البيض. وعام 2019، شنت جهات فاعلة من الإرهابيين على أسس عنصرية وعرقية هجمات إرهابية كبيرة، بما في ذلك في كرايستشيرش، في نيوزيلندا وهالي، في ألمانيا، وإل باسو، في تكساس. ويشير التقرير إلى أن العديد من البلدان الأوروبية شهدت ارتفاعا حادا في نشاط هذا النوع من الإرهابيين ومؤامراتهم وهجماتهم. كما أشار إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في نشر الدعاية لهم. وفي حين أن الاهتمام المكرس لجماعات العنصريين البيض يمثّل تحولا في عقليات مسؤولي مكافحة الإرهاب التابعين للحكومة الأمريكية، إلا أن التقرير لم يصف طبيعة التهديد العابرة للحدود الوطنية ومختلف العقد في شبكات جماعات العنصريين البيض وصفا كافيا. ومن الواضح أن التهديد الإرهابي أبعد ما يكون عن الجمود، ولضمان قدرة الولايات المتحدة على حماية مواطنيها داخل البلاد وخارجها، يجب أن تستمر في لعب الدور الأساسي المتمثل في بناء قدرات الشركاء والحلفاء على كشف الشبكات الإرهابية العالمية وتعطيلها وتفكيكها.