أوّل الكلام آخره:
- اعتمادا على الزخم الناجم عن شهور من المفاوضات في الدوحة، بدأت تشاد مؤخرًا حوارًا وطنيًا لتمهيد الطريق للانتخابات، حيث اجتمع أكثر من 1400 مندوب من مختلف قطاعات المجتمع في العاصمة نجامينا.
- من شأن اتفاق سلام مستدام في تشاد أن يفيد البلاد، وقد تكون له أيضًا آثار ارتدادية إيجابية من الدرجة الثانية، إذ إنه قد يخفف من حدة العنف في البلدان المجاورة ويقلل من الاضطرابات في جميع أنحاء منطقة الساحل.
- يعد الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي سببًا رئيسيًا للقلق، خاصة وأن المتعاقدين العسكريين الروس من مجموعة فاغنر يواصلون العمل في جميع أنحاء إفريقيا.
- لقد آتت الدبلوماسية القطرية ثمارها، ولكن ضمان النجاح الدائم يتطلب من المجتمع الدولي اهتماما أكبر باستقرار تشاد، ودعما للجهود المبذولة من أجل حوار وطني سيادي شامل يمكن أن يكون له آثار مضاعفة إيجابية في جميع أنحاء منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد.
بدأت تشاد مؤخرًا، بتيسير من الجهود الدبلوماسية القوية التي بذلتها قطر، الحوار الوطني السيادي الشامل لتمهيد الطريق للانتخابات، فقد اجتمع أكثر من 1400 مندوب من مختلف قطاعات المجتمع في العاصمة نجامينا. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحوار بأنه «فرصة تاريخية لبناء أسس جديدة لاستقرار تشاد، من خلال توطيد الديمقراطية والحكم الرشيد». كما أشار الرئيس النيجيري محمد بخاري إلى أهمية المفاوضات وأعلن هذا الأسبوع أن استقرار تشاد يصب في مصلحة نيجيريا وجميع الدول المجاورة في منطقة حوض بحيرة تشاد. والحوار الوطني اليوم هو نتيجة للمفاوضات المضنية التي جرت في الدوحة، والتي يسرها دبلوماسيون قطريون ومسؤولون حكوميون عملوا على إنهاء الصراع الطويل في تشاد في محاولة لتحقيق الاستقرار في البلاد. وهدفت الوساطة إلى إنهاء الصراع الدائر المرتبط على نحو مباشر بالعنف في الدول المجاورة. وفي أوائل أغسطس، وقعت الحكومة التشادية الانتقالية اتفاق مصالحة مع 42 جماعة معارضة.
ومن شأن اتفاق سلام دائم ومستدام في تشاد أن يفيد البلد وشعبه أولًا وقبل كل شيء، ولكن قد يكون له أيضًا آثار إيجابية كبيرة من الدرجة الثانية، فهو قد يخفف من حدة النزاعات في البلدان المجاورة في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد – بما في ذلك ليبيا والنيجر والسودان – نظرًا لأن انتشار العنف هو مصدر مستمر للاضطرابات الإقليمية. ويمثل الاتفاق إنجازا سياسيا لمحمد ديبي، الذي كان والده إدريس ديبي الحاكم العسكري لتشاد منذ عام 1990 حتى مقتله عام 2021 وهو يقود القوات التي كانت تقاتل مجموعة متمردة تشادية قوية تُعرف باسم جبهة التغيير والوفاق. على أن نجاح الاتفاقية قد يُقوّض على المدى الطويل بسبب رفض جبهة التغيير والوفاق التوقيع وغيابها اللافت عن الحوار الوطني، والذي كان يراد له أن يكون شاملا. ولذلك سيظل ديبي يواجه حالة من الضباب السياسي. وتتخذ الجبهة من جنوب ليبيا مقرا لها، وتطالب بامتناع ديبي عن المشاركة في الانتخابات المستقبلية، فهي تسعى إلى إنهاء سلالة ديبي السياسية في تشاد وتدعو إلى نظام علماني وديمقراطي. على أن هذا التنافس له أيضا أبعاد عرقية أيضا، فسلالة ديبي الحاكمة تمثل الزغاوة أما زعيم محمد مهدي علي زعيم الجبهة فيمثل الكوران (أو القرعان).
وتحث فرنسا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ديبي على التنحي عن المجلس العسكري الانتقالي في غضون 18 شهرًا من توليه السلطة بعد مقتل والده في أبريل 2021. ولذلك فقد يكون ديبي البالغ من العمر 38 عامًا حريصًا على تحقيق المصالحة قبل الموعد النهائي المحدد بـ 18 شهرًا، بما في ذلك مع المجموعات المتمردة الصغيرة المختلفة، على أمل تعزيز شرعيته السياسية.
ومن المثير أن فرنسا لا تزال تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي كبير في تشاد، التي نالت استقلالها عن فرنسا عام 1960. وقد عاش زعيم الجبهة سابقًا في فرنسا، وتعرفه الحكومة الفرنسية جيدا، ولديه شبكة دعم في باريس، مما يساعد على تمويل عمليات جبهته. ولكن فرنسا شنت غارات جوية على مواقع الجبهة بعد أن قتلت إدريس ديبي لأن فرنسا اعتبرت خلافة ابنه محمد شرطًا أساسيًا للحفاظ على الاستقرار. وفي الأسابيع الأخيرة، أكملت فرنسا انسحابها من مالي، منهية حملتها العسكرية التي استمرت تسع سنوات في البلاد. وقد تقارب المجلس العسكري في مالي الآن أكثر مع روسيا، مما سمح للشركة العسكرية الروسية الخاصة، مجموعة فاغنر، بالتدخل لمساعدة الحكومة في محاربة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لداعش، والتي تنشط بشكل متزايد في مالي وبوركينا فاسو المجاورة.
بعد أن استولى ديبي على السلطة بعد وفاة والده في عام 2021، اتهم روسيا بالتواطؤ مع جبهة التغيير والوفاق للإطاحة بحكومته. ومما زاد من مخاوف ديبي انتشار عناصر فاغنر شمالا في ليبيا، وجنوبا في جمهورية إفريقيا الوسطى، وغربا في مالي. وعلاوة على ذلك، فقد شاركت قوات فاغنر في مايو 2021 في اشتباك مع القوات التشادية أدى إلى مقتل ستة جنود تشاديين بالقرب من حدود جمهورية إفريقيا الوسطى. على أن وقوف فرنسا إلى جانب ديبي في محاولته للاحتفاظ بالسلطة قد يقرب جبهة التغيير والوفاق أكثر من روسيا.
وما سيحدث بعد ذلك في السياسة التشادية سيعتمد إلى حد كبير على دعم المجتمع الدولي لمبادرة تدعمها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والقوى الأفريقية الكبرى، بما في ذلك نيجيريا. ومثل هذه المبادرة قد تجتذب العناصر التشادية المسلحة بعيدًا عن النزاعات الأخرى في المنطقة مما قد يعزز الاستقرار في هذه المنطقة التي تسودها الاضطرابات. ويعتمد هذا أيضًا على الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لبناء قدرات تشاد في الحد من سهولة اختراق الحدود وتعزيز الحكم. لقد آتت الدبلوماسية القطرية ثمارها، ولكن لضمان النجاح الدائم، يجب على المجتمع الدولي أن يهتم بشكل أكبر باستقرار تشاد، وأن يدعم الجهود الرامية إلى إقامة حوار شامل يمكن أن تكون له آثار إيجابية مضاعفة في جميع أنحاء منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد. ولعل إفريقيا ستكون الجبهة التالية في التنافس القائم بين القوى العظمى، وستصبح بذلك قريبًا محور السياسة الخارجية والأمنية للقوى الكبرى، حيث يتنافس كل منها على موقع لنشر نفوذه.