أوّل الكلام آخره:
- يصادف تاريخ 2 أيار / مايو 2021 ذكرى مرور عشر سنوات على اغتيال القوات البحرية الأمريكية زعيم القاعدة أسامة بن لادن في غارة في أيبت آباد، في باكستان.
- على الرغم من تراجع تنظيم القاعدة، إلا أنه لم يهزم كليا على ما تؤكد بعض التقديرات التي تشير إلى أنه لا يزال يقود حوالي 40,000 مقاتل يدينون له بالولاء من جميع أنحاء العالم.
- يمكن للانسحاب الأمريكي من أفغانستان أن يبعث الحياة من جديد في تنظيم القاعدة، فقد أدى الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 إلى بروز تنظيم داعش.
- بعد عقد من وفاة أسامة بن لادن، لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديدا، وقد تعاظم تهديده بعد انسحاب الولايات المتحدة.
يصادف تاريخ 2 أيار / مايو 2021 ذكرى مرور عشر سنوات على اغتيال القوات البحرية الأمريكية زعيم القاعدة أسامة بن لادن في غارة في أيبت آباد، في باكستان. وكان التفاؤل واضحا في أعقاب العملية التي استهدفت الزعيم الإرهابي المراوغ والشخص المسؤول عن هجمات 11/9. وخلال الفترة نفسها، اجتاحت الاحتجاجات شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بما عرف بـ«الربيع العربي»، مبشّرة بوعد التغيير في المناطق التي تعاني منذ فترة طويلة من الاستبداد والعسكرة والتطرف العنيف. ولكن مع التزام الولايات المتحدة بسحب قواتها المتبقية من أفغانستان في أعقاب إعلان الرئيس بايدن الأخير، فلا مؤشرات تذكر تدعو إلى التفاؤل.
وفي إعلان الرئيس بايدن عن خططه للانسحاب من أفغانستان، أشار إلى أن «أسباب بقائنا في أفغانستان أصبحت مجهولة أكثر» وأن القاعدة «في حالة تدهور». ولكن وصفه لحالة تنظيم القاعدة يذكرنا بالدوافع الأساسية للبقاء في أفغانستان. فعلى الرغم من هذا التدهور إلا أنها لم تهزم، وفقدان زعيمها صاحب الكاريزما قبل عقد من الزمن لم يسهم كليا في دمار التنظيم الذي قتل ما يقارب 3,000 أمريكي وعددًا لا يحصى من الأبرياء في جميع أنحاء العالم خلال العقدين الفائتين. وقد دمرت قيادة التنظيم في حملة الطائرات المسيرة الهجومية التي استهدفت المسلحين الرفيعي المستوى في الصومال وباكستان واليمن. ومما لا شك فيه أن قدرة القاعدة على شن عمليات خارجية وهجمات كبيرة قد تراجعت بنسبة كبيرة. وقد أدى الصدع المزمن مع المنافس الجهادي الرئيس، تنظيم داعش، إلى حدوث انشقاقات في التنظيم. وعلى الرغم من ذلك، أثبتت القاعدة أنها متينة بشكل ملحوظ ومتكيفة للغاية، وهو ما يؤكد نفسها الطويل.
ووفقا لبعض التقديرات، يحظى تنظيم القاعدة بولاء ما بين 30,000 و 40,000 مقاتل في جميع أنحاء العالم. وقد ولّدت فروعه في منطقة الساحل والقرن الإفريقي زخما كبيرا على مدى السنوات العديدة الماضية. وفي كانون الثاني / يناير 2020، هاجم مسلحو حركة الشباب معسكر سيمبا في خليج ماندا، في كينيا، مما أسفر عن مقتل أمريكي في الخدمة واثنين من المقاولين المحليين المتعاملين مع الأمريكيين. وبعدها في كانون الأول / ديسمبر، أعلنت وزارة العدل الأمريكية القبض على أحد عناصر حركة الشباب الكينية في الفلبين بتهمة «التآمر لاختطاف الطائرات من أجل شن هجوم على غرار هجوم 11/9 في الولايات المتحدة». أما تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو الفرع اليمني من التنظيم، فقد تعرض إلى العرقلة بلا شك، لكنه لا يزال من بين أكثر المجموعات التي تتمتع بالقدرة التشغيلية في تنظيم القاعدة. وقد أبدى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باستمرار رغبته في ضرب أهداف جوية، وكان مسؤولا عن عدة هجمات رفيعة المستوى في المملكة العربية السعودية عام 2019، كما كان متورطا في الهجوم الإرهابي الذي أسفر عن مقتل ثلاثة من البحارة الأمريكيين في قاعدة عسكرية في بينساكولا، في فلوريدا. كما أن استمرار الصراع في اليمن يزيد من فرص الجماعات الإرهابية لاستغلال هذا الاضطراب.
وقد أعاد تنظيم القاعدة توجيه استراتيجيته للتركيز أكثر على تحقيق تقدم مع القبائل والعشائر المحلية، وتسخير مشاعر الظلم المحلية والإقليمية في الولايات الفاشلة والأراضي غير الخاضعة للحكم، وإدراج جدول الأعمال العالمي متى كانت الفرصة مناسبة. وبينما ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على تفكيك خلافة داعش، كان تنظيم القاعدة «يعيد بناء شبكته العالمية بهدوء وتمعن» كما أشار بروس هوفمان. إن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان قد يسهم في بث حياة جديدة في تنظيم القاعدة، على نحو ما أسهم الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، الذي قُرّر وفق جدول زمني لا بحسب الظروف على أرض الواقع، إلى ظهور داعش. ويشير تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة إلى أن تنظيم القاعدة في أفغانستان لا يضم سوى عدة مئات من المقاتلين حاليا. ولكن بعد انسحاب الولايات المتحدة، وإمكانية سيطرة طالبان على مساحات واسعة من أفغانستان عسكريا، فقد تتاح للقاعدة الفرصة التي تحتاجها لإعادة بسط نفوذها.
ولم تنفصل حركة طالبان قط عن تنظيم القاعدة، لا سرا ولا علانية، ولا يزال مقاتلو القاعدة جزءا لا يتجزأ من وحدات طالبان. وفضلا عن ذلك، بالإضافة إلى ما يمكن وصفه بالقاعدة «الأساسية» أو «المركزية» العاملة في أفغانستان وباكستان، فإن للقاعدة أيضا فروعا في دول أخرى في جنوب آسيا، بما في ذلك الهند. وإذا دخلت أفغانستان مرة أخرى في حرب أهلية، فقد ترحب طالبان بالمقاتلين الأجانب لتعزيز صفوفها، مما يجعل جنوب آسيا نقطة جذب للجهاديين في جميع أنحاء العالم مرة أخرى. ومع غياب القوات الأمريكية عن الأرض، ستضطر واشنطن وحلفاؤها إلى الاعتماد على استراتيجية مكافحة الإرهاب في الخارج رغم محدودية ما يمكن أن تنجزه هذه الإستراتيجية.
وقد انتشرت شائعات منذ أشهر عن وفاة زعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري. ومع القضاء على العديد من الشخصيات البارزة الأخرى في تنظيم القاعدة على مدى السنوات العديدة الماضية، بما في ذلك حمزة بن لادن، ابن أسامة، والمحارب القديم أبو محمد المصري، يعتقد الكثيرون أن أميرها المنتظر هو سيف العدل، الذي تكثر الأقاويل حاليا أنه في إيران. وكانت وفاة أسامة بن لادن منعطفا هاما بالنسبة للولايات المتحدة. ولكن لا ينبغي الخلط بين الانتصارات التكتيكية والأهداف الاستراتيجية. كما لا ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا في التفكير بأن وفاة بن لادن تشير إلى نهاية القاعدة أو الحركة الجهادية العالمية على نطاق أوسع. وقد بدأت الولايات المتحدة حربا في أفغانستان عام 2001 هدفت إلى تدمير المجموعة الإرهابية المسؤولة عن أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية في التاريخ. وبعد عقد من وفاة أسامة بن لادن، لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديدا، وهو تهديد قد يتعاظم بعد انسحاب الولايات المتحدة. ويأمل بايدن في احتواء القاعدة، ولكن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن.