أوّل الكلام آخره:
- في أواخر الأسبوع الماضي، أعلنت تركيا القبض على عضو رفيع المستوى في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في اسطنبول، وكان يعتقد في البداية أنه زعيم التنظيم الجديد، ولكن هذا لم يعد مؤكدا اليوم.
- منذ صعود تنظيم داعش في عام 2014، قام ممولو التنظيم وجهازه اللوجستي بإنشاء شبكات دعم قوية في جميع أنحاء تركيا، ولكن يبدو اليوم أن القيادة العليا نشطة هناك أيضًا.
- إذا تعلق الأمر بالفعل باعتقال أبي الحسن الهاشمي القرشي، فسيكون ذلك مهمًا بالفعل، خاصة وأن زعيم داعش الجديد قد هندس تغييرات كبيرة داخل المشروع العالمي الأوسع.
- ترى الجماعات الإرهابية في تركيا العديد من المزايا، نظرًا لارتباط الدولة بالنظام المالي المشروع، وبنيتها التحتية الحديثة في مجالي الاتصالات والمواصلات، وكونها مركزا دوليا وإقليميا.
في أواخر الأسبوع الماضي، أعلنت تركيا القبض على عضو رفيع المستوى في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في اسطنبول. واعتقد البعض في البداية أن الشخص الذي قُبض عليه هو الأمير الجديد للتنظيم، أبو الحسن الهاشمي القرشي، بينما اعتقد البعض الآخر أنه كان الحاج زيد الصميدعي، وهو عضو في لجنة الشورى في عهد الزعيم السابق أبي إبراهيم الهاشمي القرشي الذي قُتل بعد غارة للقوات الأمريكية الخاصة في أوائل شباط (فبراير). وعلى الرغم من الشك الذي يحيط بالهوية الحقيقية لهذا الشخص، فإن الاعتقال يشير إلى أن كبار مسؤولي تنظيم الدولة كانوا يشعرون بالراحة الكافية للعمل انطلاقا من إسطنبول، المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في تركيا. ويتساءل الكثيرون الآن عن سبب امتناع حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمزيد لاستئصال مقاتلي داعش، بما في ذلك قيادتها العليا، من المدن والبلدات والقرى في جميع أنحاء البلاد، فيما تركز الأجهزة الأمنية التركية على التهديد الذي تشكله الجماعات الكردية المسلحة العاملة في منطقة الحدود الشرقية. ولا شك أن الاهتمامات الحكومية هي اليوم في مكان آخر، فالدولة تكافح للسيطرة على التضخم وارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة مع تحملها مسؤولية إضافية تتمثل في رعاية أكثر من 3 ملايين لاجئ.
وقد جاء الاعتقال نتيجة لعملية مراقبة مكثفة أجرتها أجهزة الأمن التركية، ويمكن أن تكون نتيجتها مغنما استخباراتيا بمجرد استجواب الشخص المحتجز. أما ما إذا كانت تركيا ستسمح للحلفاء بالوصول المباشر إلى المحتجز أو تزودهم بالمعلومات الناتجة عن الاستجواب أم لا، فمن المرجح أن يكون ذلك موضوع مفاوضات مكثفة ومغلقة. ويشير مكان الاعتقال أيضًا إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يشعر بالراحة في العمل في شرق تركيا فحسب، بل في جميع أنحاء البلاد أيضا. ومنذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، قام ممولو التنظيم وجهازه اللوجستي بإنشاء شبكات دعم قوية في جميع أنحاء تركيا، ولكن يبدو اليوم أن القيادة العليا نشطة هناك أيضًا. وكان أردوغان قد تعرض لانتقادات كثيرة لسنوات لاتخاذه نهجًا سلبيًا لمحاربة داعش في تركيا، وأشار البعض إلى أنه يخشى استعداء المسلحين، الذين أظهروا استعدادًا وقدرة على شن ضربات على الأراضي التركية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد أعلن مسؤوليته عن هجوم إرهابي مدمر في ملهى رينا الليلي في اسطنبول في الساعات الأولى من صباح يوم رأس السنة الميلادية 2017؛ وقد قُتل 39 مدنيًا وأصيب 79 آخرون في الهجوم. ولطالما كانت التصورات عن تقاعس تركيا عن العمل أو عدم اكتراثها بوجود أعضاء من تنظيم الدولة الإسلامية في بلادها مصدر قلق لحلفائها. ولسنوات، كان ما يسمى بـ «الطريق الجهادي السريع» يمر عبر تركيا إلى سوريا والعراق، حيث تدفق عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم إلى منطقة الصراع للانضمام إلى صفوف الجماعات الجهادية مثل داعش وجبهة النصرة. ولا تزال التوترات قائمة، حيث تستمر العديد من الدول الغربية في الاعتماد على الشركاء الأكراد في شمال شرق سوريا لإدارة احتجاز الآلاف من المرتبطين بداعش وعائلاتهم في المخيمات في جميع أنحاء المنطقة، مع غياب آليات المساءلة الفعالة وتعقد خيارات الإعادة إلى أوطانهم، وغياب الآليات اللازمة للتعامل مع الأمور الإنسانية والتحديات الأمنية في المخيمات.
وإذا تبين أن المعتقل هو أبو الحسن الهاشمي القرشي بالفعل، فسيكون ذلك مهمًا للغاية. فقد كان القائد الجديد لداعش متحمسًا لإجراء تغييرات داخل مؤسسة داعش العالمية الأوسع. وتُظهر التعديلات التنظيمية الأخيرة – ظهور فروع جديدة في منطقة الساحل والموزمبيق – أن القرشي كان يحاول تنفيذ تحولات داخل المجموعة للاستفادة من فراغ السلطة، ولا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومع انتقال مركز ثقل الجماعة من بلاد الشام إلى إفريقيا وجنوب آسيا، حيث يشن تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان هجمات متزايدة، فإن داعش على مستوى العالم في نقطة انعطاف. ولكن القيادة المركزية تظل مهمة، ولذلك فإذا تم القبض على القرشي، فقد يكون ذلك مؤذيا للتنظيم لأنه يدفعه عندها للتركيز على الأمن العملياتي بدلًا من العمليات الخارجية. على أن اهتمام العديد من الدول الغربية بالحرب في أوكرانيا والمنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، يجعل الاهتمام بمكافحة الإرهاب، بما في ذلك التعامل مع تفرعات داعش والقاعدة الإقليمية والمحلية، محدودا للغاية.
ويشكل بلد مثل تركيا سيفا ذا حدين لجماعات مثل داعش. فمن ناحية، تمتلك تركيا قوات أمنية مقتدرة، كما يتضح من عملية المراقبة السرية الطويلة للقبض على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية. ومن ناحية أخرى، فتركيا، على عكس أفغانستان المعزولة، يمكن لها أن تكون بمثابة عقدة مالية ولوجستية للإرهابيين، نظرًا لارتباط الدولة بالنظام المالي المشروع وبنيتها التحتية الحديثة في مجالي الاتصالات والنقل. وهذه الميزات تجعل تركيا ملاذًا جذابًا لأنشطة الدعم العملياتي المطلوبة للتخطيط للهجمات الإرهابية البارزة وتنفيذها. وعلاوة على ذلك، ونظرًا للحالة السيئة للاقتصاد التركي، فمن المحتمل ألا يكون من نقص في الأفراد من ذوي العلاقات القوية الراغبين في ضخ مبالغ نقدية كبيرة في مؤسسات تعمل على غسيل الأموال.