أوّل الكلام آخره:
- يبدو أن تنظيم كيو القائم على نظرية المؤامرة قد تصدّع بعد تنصيب الرئيس بايدن في 20 كانون الثاني / يناير 2021.
- تبذل مجموعة من الجماعات المتطرفة العنيفة حاليا جهودا لاستقطاب أعضاء تنظيم كيو الساخطين وتجنيدهم.
- يعيش تنظيم كيو حالة تغير مستمر ويشير الأعضاء الأكثر حماسا إلى تاريخ 4 آذار / مارس بوصفه التاريخ الجديد الحاسم في المعركة ضد الدولة العميقة.
- على الحكومة الأمريكية، في إطار مراجعتها للأيام المئة الأولى من حكم الرئيس بايدن، تقويم المخاطر التي يشكلها ما تبقى من تنظيم كيو.
مثّل تنصيب الرئيس الأمريكي بايدن في 20 كانون الثاني / يناير 2021 لحظة فاصلة لبعض المؤدلجين ضمن البيئة الحاضنة لتنظيم كيو. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر بعض المؤمنين بنظريات المؤامرة التي روجها التنظيم الذي ما فتئ يركز على دور الرئيس ترامب منقذا من «الدولة العميقة»، عن استيائهم من أن تضللهم تنبؤات شخص مجهول داخل الحكومة (وهو الذي يحمل لقب كيو)، كان على مدى السنوات الماضية ينقل إليهم ما يزعم أنه تسريبات وأسرار داخلية. إن تولي بايدن للرئاسة على نحو يدحض تنبؤات تنظيم كيو بأن ترامب سيحتفظ بها، ولو بالعنف إذا لزم الأمر، أدى إلى تسريع تراجع حركة تنظيم كيو. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن ما بدأ يوما تحت مسمى نظرية مؤامرة ثم تطور إلى أن عدّه مكتب التحقيقات الفيدرالي في نهاية المطاف تهديدا إرهابيا داخليا في 2019 قد انتهى بالفعل. وفي الواقع، بالنسبة إلى أكثر أتباع تنظيم كيو حماسا، فلا شيء اسمه «نظرية»، فهم يؤمنون بنظام عقائدي متكامل، مما ينذر بخطر كبير مرتبط بهذه الحركة. ومن المتوقع ثلاث نتائج مختلفة (ولا يلغي بعضها بعضا) على الأقل فيما يتعلق بمستقبل تنظيم كيو وأتباعه، كل منها يمثل تحديات فريدة من نوعها.
أولا، قد يسعى أولئك الساخطون من نبوءات تنظيم كيو الكاذبة واستمرار التنظيم في تغيير التاريخ المرتقب للحدث «العاصفة» الذي يبشّر به، إلى الانضمام إلى مجموعات متطرفة عنيفة أخرى. إن الحدث العاصفة هو حدث مروع من شأنه بحسب مزاعم التنظيم أن يؤدي إلى إراقة دماء العصابات التي تضم أشخاصا معتدين جنسيا على الأطفال وغيرهم من أعداء الرئيس السابق ترامب. وفي البداية، اجتمع كثير من العنصريين البيض والجماعات اليمينية على الإنترنت للسخرية من نبوءات أتباع تنظيم كيو. ولكنهم ما لبثوا أن عمدوا إلى مد أيديهم إلى الساخطين من أتباع تنظيم كيو. وقد رأت الجماعات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك جماعات العنصريين البيض، فرصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الاتصال المشفرة، لتجنيد أتباع جدد لحركاتهم الخاصة. وقد كان عدد من أتباع تنظيم كيو ساخطين من طريقة خروج ترامب السياسي، وهذا ما وفر فرصة للحوار مع الجماعات المتطرفة الأخرى. وفي حين قام أتباع تنظيم كيو في الماضي ببعض أعمال العنف، مثل القتل والخطف، إلا أنهم لم يشاركوا في عنف تنظيمي واسع النطاق في الشوارع مثل »براود بويز«. ومما لا شك فيه أن انتقال مجندين إضافيين من تنظيم كيو إلى منظمات أكثر عنفا يشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي.
ثانيا، من المرجح أن أولئك الذين بقوا داخل تنظيم كيو هم الأفراد الأكثر حماسا، ولا شك أن الأفراد الأكثر أدلجة بينهم يمثلون تهديدا إرهابيا داخليا. وقد شارك بعض مؤيدي تنظيم كيو الأكثر حماسا، مثل آشلي بابيت وجاكوب تشنسلي المعروف بـ«كيو أنون شامان»، في اقتحام مبنى الكابيتول وشاركوا في أعمال العنف خلال تمرد 6 كانون الثاني / يناير. وقد حدد باقي أتباع التنظيم موعدا جديدا، وهو 4 آذار / مارس، وفيه سيسمح للرئيس السابق ترامب، باعتقادهم، بمواصلة معركته ضد الدولة العميقة. وتدعي هذه النظرية التي جرى ليّها بعد أخذها عن «حركة المواطنين السياديين»، أن الرئيس ترامب سيعود إلى السلطة في 4 آذار / مارس وسيؤدي اليمين الدستوري بصفته الرئيس التاسع عشر للولايات المتحدة. ويعتقد مؤيدو هذه الفكرة أن لا رئيس شرعيا تسلم الحكم منذ يوليسيس جرانت (الرئيس الثامن عشر)، بعد أن مرّرت قوانين «سرية» عام 1871 حولت الولايات المتحدة إلى شركة بعد أن كانت دولة ديمقراطية. ويعد تاريخ 4 آذار / مارس تاريخا مصيريا نظرا إلى أن تنصيب رؤساء الولايات المتحدة كان يحصل في هذا اليوم حتى عام 1937 وليس في تاريخ 20 كانون الثاني / يناير كما حصل بعد ذلك وكما حصل مع تنصيب بايدن. وحول هذا التاريخ تحديدا، رفع ترامب تكاليف الإقامة في الفندق الذي يملكه في العاصمة واشنطن، في إشارة سيجري تأويلها لدى أتباع التنظيم على أنها ترتبط بتسلمه مقاليد السلطة من جديد في ذلك التاريخ. ولا شك أن من بقي في تنظيم كيو، هم مؤمنون إيمانا عميقا بالتنظيم وملتزمون أيديولوجيا به على غرار ما نرى لدى أتباع الحركات الدينية، وهذا ما كان بعض الباحثين قد لاحظه.
أخيرا، تبرز الكثير من الحالات الموثقة لأولئك الذين يغادرون تنظيم كيو، ويعيشون قصصا حزينة عند عودتهم لعائلاتهم ومحاولة مصالحتهم وإعادة الاندماج بمجتمعاتهم، تشبه قصص أولئك الذين بدلوا طوائفهم الدينية. ومع إعادة دمج أفراد التنظيم في المجتمع وعودتهم إلى الاتصال بعائلاتهم، من الضروري تأمين شبكة دعم من حولهم تظهر التعاطف والتفاهم. إن الرغبة في ترك تنظيم كيو هي خطوة مهمة بحد ذاتها. وبالنظر إلى التقلبات التي تحصل في المشهد السياسي الأمريكي، فإن تقليص حجم القواعد الشعبية لتنظيمات مثل تنظيم كيو سيشكل عاملا حاسما لتحقيق الاستقرار السياسي المحلي ومنع المزيد من التطرف. وعلى الحكومة الأمريكية، في إطار مراجعتها للأيام المئة الأولى من حكم الرئيس بايدن، تقويم المخاطر التي يشكلها ما تبقى من تنظيم كيو، وأن تنظر في الموارد الإضافية التي يمكن تخصيصها لمحاربة نظريات المؤامرة وانتشار المعلومات المضللة التي سمحت لمنشورات تنظيم كيو بأن تصبح محورا لنظام عقائدي متشدد له أبعاده الدولية.