أوّل الكلام آخره:
- اتسعت خلافات الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما شريكاها الخليجيان الرئيسيان، بسبب غزو روسيا لأوكرانيا وقضية إيران وسوق النفط العالمي وقضايا حقوق الإنسان.
- ترتاب كل من الرياض وأبو ظبي في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، وفي التزامها باستعادة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- سجل حقوق الإنسان السعودي كان المحرك الرئيسي لانتقادات الولايات المتحدة لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي للبلاد.
- وعلى الرغم من التباينات القائمة فإن التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى لا يزال على حاله في الغالب.
ضاعف الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 عدد الملفات التي باعدت بين الولايات المتحدة واثنين من شركاء واشنطن الرئيسيين في الخليج العربي، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فقد دفعت عضوية روسيا الدائمة في مجلس الأمن ودورها في تصدير النفط والغاز الطبيعي الدولتين الخليجيتين إلى الحفاظ على العلاقات مع موسكو، على الرغم من الحرب الأوكرانية. وتعرضت الإمارات، التي تشغل حاليًا مقعدا في مجلس الأمن، لانتقادات أمريكية بسبب امتناعها عن التصويت في 25 شباط (فبراير) على قرار للمجلس يدين الغزو. ويبدو أن امتناع الإمارات عن التصويت كان بهدف الحصول على دعم روسيا في قرار لاحق لمجلس الأمن يفرض حظرًا عالميًا على عمليات نقل الأسلحة إلى جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن، والتي تقاتلها السعودية والإمارات منذ عام 2015. وانتقد بعض القادة الأمريكيين الرياض بسبب اللقاءات العلنية الأخيرة التي عقدها وزير الخارجية السعودي مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والتي شدد فيها على استمرار العلاقات الإيجابية مع موسكو. كما واصلت الدولتان الخليجيتان التنسيق مع روسيا بشأن أسعار النفط العالمية ضمن إطار «أوبك بلس»، وتجاهلا نداءات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط لتعويض النفط الروسي الذي خرج من السوق بسبب العقوبات الغربية. وأشار محمد بن سلمان أيضا إلى إمكانية تسعير مبيعات النفط السعودي للصين بعملة هذا البلد، اليوان – وهي خطوة يمكن أن تضعف دور الدولار الأمريكي بوصفه العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية. وسبق للمسؤولين الأمريكيين أن اشترطوا على الإمارات العربية المتحدة تقييد علاقاتها الأمنية مع الصين لإتمام صفقة بيع مقاتلة F-35 Stealth Fighter المتقدمة إلى الإمارات.
وتأتي التوترات المتزايدة مع واشنطن على خلفية بعض الشكاوى التي عبر عنها محمد بن سلمان وحليفه المقرب، محمد بن زايد آل نهيان الزعيم الفعلي للإمارات. فقد انتقد الزعيمان الخليجيان بصراحة السياسة الأمريكية تجاه انتفاضات الربيع العربي عام 2011، إذ لم تتحرك الولايات المتحدة لمنع سقوط الرئيس المصري حسني مبارك. وقد فسر حاكما الخليج تخلي الولايات المتحدة عن حليفها على أنه مؤشر على أنها قد لا تدعم أي زعيم خليجي يواجه تحديًا داخليا. ومن ناحية أخرى، تشكك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في التزام الولايات المتحدة الدفاع عنهما ضد إيران، ولا سيما أنها قبلت بتنحية الحديث عن دور إيران الإقليمي عن بنود الاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015، وأنها لم تنتقم من إيران بسبب هجومها الصاروخي في أيلول (سبتمبر) 2019 على البنية التحتية النفطية في المملكة، وأنها تحاول منذ عام 2021 استعادة الاتفاق النووي الإيراني.
وكان لليمن دور في تفاقم الخلافات الأمريكية الخليجية. فقد كان اليمن المسرح الذي سعت فيه الدولتان الخليجيتان إلى كبح النفوذ الإيراني من خلال التدخل عسكريًا في عام 2015 ضد حليف طهران، جماعة الحوثي الشيعية الزيدية. وقد قدمت الولايات المتحدة ذخائر دقيقة التوجيه ودعمًا لوجستيًا للجهود العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، ولكن في عام 2018، بدأت واشنطن في تقليص هذا الدعم مع تزايد الانتقادات الدولية بشأن الخسائر في صفوف المدنيين والكارثة الإنسانية الناجمة عن الصراع. وانتقد الزعيمان الخليجيان بشدة القرار الأمريكي في شباط (فبراير) 2021 بإزالة الحوثيين من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. وبحسب بعض التقارير فقد غضب قادة الإمارات أيضا من امتناع الولايات المتحدة عن الانتقام من الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون على الإمارات في شباط (فبراير)، وذلك على الرغم من أن الدفاعات الصاروخية التي قدمتها الولايات المتحدة هي التي خففت من وطأة تلك الهجمات.
وقد أدى سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، ولا سيما تورط محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في 2018، إلى عزل الأمير عن مجموعة واسعة من القادة الأمريكيين. ويشير بعض المسؤولين الأمريكيين إلى ما حدث مؤخرا من إقدام السعودية على إعدام 81 رجلًا في 12 آذار (مارس) – وهو أكبر إعدام جماعي منذ سنوات، على الرغم من الوعود الأخيرة بالحد من استخدام عقوبة الإعدام – بوصفه دليلا إضافيا على تجاهل محمد بن سلمان لوجهات نظر الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان. وقد دعت رسالة موقعة من 30 عضوًا في الكونجرس الأمريكي وجّهت إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكين إلى مراجعة السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية. وجاء في الرسالة: «يمكن للولايات المتحدة أن تواصل الدعم لشريك استبدادي كما هو الوضع الراهن، أو يمكننا الدفاع عن حقوق الإنسان وإعادة التوازن في علاقتنا لتعكس قيمنا ومصالحنا».
على أن الفجوة الآخذة في الاتساع بين مواقف الولايات المتحدة والدول الخليجية لم تهز أسس الشراكة الأمنية الأمريكية معها. فلم تُلغ أي من المناورات العسكرية المشتركة في الخليج العربي أو على الأرض. كما أن مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى البلدين مستمرة. ولا تزال القوات الأمريكية منتشرة في قواعد ومنشآت في البلدين. ولم يتغير التعاون والتنسيق الاستراتيجي للولايات المتحدة مع البلدين. ولم تُفرض عقوبات أمريكية على أي من الدولتين الخليجيتين. ولا شك في أن قرار الإمارات والبحرين – وهي في الغالب تتبع السعودية في سياساتها – في أيلول (سبتمبر) 2020 تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد ساعد في الحد من الأضرار الناجمة عن الخلافات الأمريكية مع المملكة والإمارات. وفضلا عن ذلك، فإن الأداء العسكري الضعيف لروسيا في أوكرانيا أوضح بالتأكيد لكل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أنه ما من بديل للولايات المتحدة من حيث كونها الضامن الأساسي لأمن الخليج.