أوّل الكلام آخره:
- توترت العلاقات بين روسيا وكازاخستان بشكل متزايد على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
- يستغل القادة في كازاخستان العقوبات الروسية لتسويق نفطهم في أوروبا التي تبحث الآن عن مصادر بديلة للطاقة.
- ردًا على موقف كازاخستان من حرب أوكرانيا، سعت روسيا إلى إيقاف صادرات النفط الكازاخستانية إلى أوروبا.
- قد تأتي تحركات روسيا بنتائج عكسية على المدى الطويل، فقد تسعى كازاخستان إلى تنويع طرقها لتصدير النفط على نحو يتجاوز روسيا، ويتنافس المتنافسون الأجانب بشكل متزايد على توسيع نطاق نفوذهم فيها.
تسبب غزو أوكرانيا في حدوث شقاق بين روسيا وحليفتها التاريخية كازاخستان التي كانت جمهورية سوفياتية فيما مضى، ولا تزال تقطنها نسبة كبيرة من السكان ذوي الأصل الروسي، وإن كانت هذه النسبة تتقلص يوما بعد يوم. وينظر قادة كازاخستان بشكل متزايد إلى جارهم الشمالي باعتباره تهديدًا محتملًا وذلك إدراكًا منهم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكنه استخدام نفس المنطق الذي استخدمه في غزوه أوكرانيا لتسويغ تدخل عسكري في بلادهم لحماية «المتحدثين بالروسية». وعلى الرغم من أن كازاخستان عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الذي تقوده روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، فقد قال رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في يونيو، فيما يشارك المنصة نفسها مع الرئيس بوتين، إن بلاده لن تعترف بانفصال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك. وكانت القوات الروسية قد استولت على أجزاء كبيرة من المقاطعتين الأوكرانيتين – اللتين تشكلان منطقة دونباس – وقد وضع بوتين تحويل هاتين المقاطعتين إلى جمهوريتين مواليتين لروسيا ضمن أهداف الحرب الأساسية. وعلى الرغم من أن توكاييف سعى على الفور إلى إنكار أي قطيعة مع موسكو، فإن التدخل الروسي في صادرات النفط الحيوية لكازاخستان يشير إلى شقاق كبير بين موسكو ونور سلطان. وقد ظهر هذا الشقاق بعد أكثر من ستة أشهر من تدخل القوات الروسية لمساعدة حكومة توكاييف في مواجهة الاحتجاجات الواسعة النطاق التي أثارتها زيادة أسعار الوقود. وقد قدم هذا التمرد – وهو الأخطر منذ استقلال البلاد عام 1991 – مسوغا لتوكاييف لإنهاء التأثير المتبقي للزعيم نور سلطان نزارباييف على سياسة الحكومة. ونزارباييف حليف قديم للكرملين ومن المرجح أنه كان سيتخذ موقفًا أكثر تأييدًا لروسيا بشأن حرب أوكرانيا لو كان لا يزال رئيسًا لكازاخستان.
وقد اتسعت الهوة بين روسيا وكازاخستان بسرعة، وتجسدت في سلسلة من التحركات والتحركات المضادة بين توكاييف وبوتين في سوق النفط العالمية. ففي بداية شهر يوليو، عرض توكاييف على أوروبا المزيد من نفط كازاخستان، وأخبر رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل أن «كازاخستان يمكن أن تشكل سوقا عازلة بين الشرق والغرب والجنوب والشمال» وسط «التصدعات الجغرافية الاقتصادية العميقة» – في إشارة واضحة إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على صادرات النفط الروسية. وأعرب توكاييف عن استعداد كازاخستان «لاستخدام إمكاناتها الهيدروكربونية للعمل على استقرار الأسواق العالمية والأوروبية». وكانت أسعار النفط الخام الدولية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 14 عاما وذلك بعد فترة وجيزة من غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير، ففي يونيو وصلت إلى ما فوق الـ 120 دولارًا للبرميل، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين إلى حوالي 90 دولارًا للبرميل وسط توقعات بحدوث ركود عالمي. ويتوقع الخبراء أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير مرة أخرى في نهاية عام 2022 عندما يدخل حظر الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسي المنقولة بحرًا حيز التنفيذ.
ويمكن أن تساعد كازاخستان في تخفيف الضغط على أسعار النفط إذا تمكنت من تصدير المزيد من النفط إلى أوروبا. وتبلغ صادرات كازاخستان النفطية حوالي 1.4 مليون برميل يوميًا – أي ما يقرب من 1 % من الإمدادات العالمية. ويتدفق حوالي 70 % من هذا النفط بالفعل إلى أوروبا، ويلبي حوالي 6 % من طلب الاتحاد الأوروبي، ويمكن زيادة هذه الصادرات. ولكن كازاخستان غير ساحلية، وطرق تصدير النفط الخاصة بها ترتبط بالدول المجاورة، بما في ذلك روسيا، مما يمنح الكرملين نفوذًا كبيرًا على نور سلطان. وعلى مدار الـ 20 عامًا الماضية، كانت صادرات النفط الكازاخستانية تشحن عبر محطة نفط اتحاد خطوط أنابيب قزوين في ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، مما أتاح لكازاخستان الوصول إلى سوق النفط العالمي، ولكنه جعل لموسكو سيطرة فعلية على صادرات كازاخستان. وبعد يومين من عرض توكاييف تصدير المزيد من النفط إلى أوروبا، سعى بوتين للانتقام مما عدّه خيانة، فأمرت محكمة روسية بإغلاق طريق اتحاد خطوط أنابيب قزوين لمدة 30 يومًا، معللة قرارها «بمخاوف بيئية». وعلى الرغم من تكرار إغلاق محطة نوفوروسيسك – فقد أغلقت في يونيو بسبب اكتشاف متفجرات من حقبة الحرب العالمية الثانية في مياه الميناء وفي مارس بسبب أضرار العاصفة – قدر معظم خبراء الطاقة الإغلاق على أنه رسالة واضحة تنم عن استياء بوتين من موقف توكاييف من غزو أوكرانيا. وفضلا عن ذلك، لا تريد روسيا أن تقوض كازاخستان تهديداتها بخفض صادرات النفط والغاز إذا استمرت أوروبا والولايات المتحدة في تسليح أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن التحركات ضد توكاييف قد تأتي بنتائج عكسية، إذ قد تدفع كازاخستان إلى البحث عن طرق بديلة. وفور صدور أمر المحكمة، سرّعت شركة النفط الكازاخستانية المناقشات مع شركة الطاقة الأذربيجانية المملوكة للدولة للسماح بتصدير النفط الكازاخستاني عبر خط الأنابيب الأذربيجاني الذي ينتهي في ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. ومن المتوقع أن يبدأ طريق التصدير هذا في سبتمبر. غير أن حجم الصادرات عبر هذا الطريق – ما يزيد قليلًا عن 30 ألف برميل يوميًا – ضئيل مقارنة بـ 1.4 مليون برميل يوميًا تتدفق عبر خط أنابيب قزوين.
وعلى الرغم من أن الترتيب مع أذربيجان سيسمح لكازاخستان بتجاوز الأراضي الروسية، فإن طريق باكو-تبيليسي-جيهان الجديد يعني أن كازاخستان سيكون عليها نقل النفط الخام عبر ناقلات عبر بحر قزوين إلى باكو. وتخطط كازاخستان أيضًا لنقل النفط عبر خط أنابيب أذربيجاني آخر إلى ميناء سوبسا الجورجي على البحر الأسود، بدءًا من عام 2023. وبالاقتران مع تدفقات طريق باكو-تبليسي-جيهان، سيصل إجمالي حجم الصادرات من هذين الطريقين إلى حوالي 100000 برميل يوميًا، أو حوالي 8 ٪ من الكمية المتدفقة عبر الطريق الذي تسيطر عليه روسيا. وسيعكس مسار التوترات بين بوتين وتوكاييف مدى فعالية العقوبات الغربية في الإضرار بالمجهود الحربي الروسي. وعلاوة على ذلك، قد توفر هذه التوترات فرصة للصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتطوير شراكات قيمة في مجال نفوذ روسيا من خلال تعاون أكبر مع كازاخستان.