أوّل الكلام آخره:
- في 25 يوليو، وافق التونسيون على دستور جديد يعزز حكم الرئيس قيس سعيد ويبدد الأمل في الحفاظ على الديمقراطية التعددية.
- كانت تونس الدولة الوحيدة التي أقرت الحريات السياسية وحافظت على حكومة مستقرة بعد الربيع العربي. ففي البحرين ومصر وليبيا وسوريا واليمن، استخدم القادة تكتيكات استبدادية لتقليل الفوضى الناتجة عن الربيع العربي.
- خلال العام الماضي، أظهر الرئيس (التكنوقراطي في أول أمره) مسحة استبدادية، حيث قام بسجن المعارضين السياسيين وتقييد وسائل الإعلام المستقلة في محاولة لقمع المعارضة.
- من المرجح أن يرى الكثيرون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة بين الأجيال الشابة، في الاستيلاء على السلطة في تونس ضربة قوية للتعددية والديمقراطية في المنطقة.
في 25 يوليو، وافق التونسيون على دستور جديد يعزز حكم الرئيس قيس سعيد ويبدد الأمل في الحفاظ على الديمقراطية التعددية في تونس. فالميثاق الجديد سيكرس حكم الرجل الواحد. وكان الرئيس سعيد قد قدم إلى السلطة بوصفه تكنوقراطيًا، ولكنه ما فتئ يعزز سلطته على مدار العام الماضي. وقد تمكن منذ يوليو 2021 من إقالة رئيس الوزراء وحل البرلمان التونسي وتعليق العمل بدستور 2014. وشاب الاستفتاء الدستوري، الذي أضعف البرلمان وأغلب الضوابط على سلطة الرئيس، مقاطعات واسعة النطاق. وقد شارك في الاستفتاء أقل من 30 في المئة من التونسيين، مما دفع البعض إلى وصف التصويت بالهزلي وغير الشرعي. ويمنح الدستور الجديد سعيد أيضا سلطة تعيين وزراء الحكومة والقضاة دون موافقة البرلمان. وأقال سعيد بإجراءات مريبة عشرات القضاة، وبعضهم أضرب عن الطعام احتجاجًا. وتتزايد المخاوف من النزعة الاستبدادية هذه التي أدت إلى التراجع عن العديد من الإصلاحات الرئيسية التي أُقرّت في أعقاب ثورة الياسمين عام 2011.
وكانت تونس الدولة الوحيدة التي أقرت الحريات السياسية وحافظت على حكومة مستقرة في أعقاب ثورات الربيع العربي. أما في الدول الأخرى التي حدثت فيها انتفاضات – وهي البحرين، ومصر، وليبيا، وسوريا، واليمن – فقد استخدم القادة الجدد والقدامى تكتيكات استبدادية لتقليل الفوضى الناجمة عن الانتفاضات، متذرعين بمكافحة الإرهاب. وكانت آلام ولادة التحول الديمقراطي في تونس في أعقاب الربيع العربي تعني صراعات مع البطالة والفساد، وكانت الإصلاحات بطيئة الثمر؛ وقد ظهرت قبل الاستفتاء مؤشرات واضحة على المشاكل القائمة. فقد أظهرت استطلاعات الباروميتر العربي أن ثقة التونسيين تتقلص في قدرة الديمقراطية على توفير السلع والخدمات الأساسية. ولا تزال هذه القضايا نفسها في طليعة الأجندة السياسية لمعظم التونسيين، الذين لا يزالون قلقين بشأن التوظيف والأمن الغذائي والتكاليف المرتبطة بارتفاع التضخم. ومع استمرار انتشار العنف والإرهاب عبر منطقة الساحل، تبرز المخاوف أيضا بشأن الآثار الإقليمية لزيادة الاضطراب في دولة رئيسية يُنظر إليها على أنها نموذج محتمل لتحقيق تحول سياسي حقيقي دون اضطرابات عنيفة.
وقد لاحظ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس انخفاض نسبة التصويت في تونس، وأشار إلى أن منظمات المجتمع المدني داخل البلاد كانت قلقة بشأن «الافتقار إلى عملية شاملة وشفافة ومحدودية النطاق المفتوح للنقاش العام الحقيقي أثناء صياغة الدستور الجديد». واتهم البعض سعيد بالترويج للخوف ومحاولة تخويف التونسيين المعتدلين من احتمال عودة حزب النهضة، الحزب السياسي الإسلامي، إلى السلطة إذا لم يدعم الناخبون الدستور الجديد. وخلال العام الماضي، أظهر سعيد خطًا استبداديًا، حيث قام بسجن المعارضين السياسيين وتقييد وسائل الإعلام المستقلة في محاولة لقمع المعارضة. وبالنسبة للعديد من التونسيين الذين يدعمون انتزاع سعيد للسلطة، فإن الاستقرار الاقتصادي هو الشاغل الأكبر؛ ومن المرجح أن يؤدي استمرار أزمة الأمن الغذائي العالمية إلى إبقاء هذه المخاوف في المقدمة. وسيتعين على سعيد إذا ما أراد الحفاظ على سلطته التركيز على أهداف ملموسة يمكن تحقيقها سريعا.
وقد يؤدي التراجع الديمقراطي في تونس إلى إضعاف آفاق الثورات المستقبلية وحركات الإصلاح الديمقراطي. ومن المرجح أن يرى الكثيرون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة بين الأجيال الشابة، في الاستيلاء على السلطة في تونس ضربة قوية لمسيرة التعددية والديمقراطية في المنطقة. ويمكن أن يؤدي فشل التحولات الديمقراطية في الدول العربية إلى تقوية قبضة الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، بما في ذلك الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة أو الدولة الإسلامية (داعش)، التي طالما جادلت بأن السبيل الوحيد للقضاء على الفساد وتحسين الحوكمة في المنطقة هو من خلال تبني أفكارها ومن خلال العنف. وكان ما يقرب من 3000 تونسي قد غادروا للقتال مع الدولة الإسلامية، وحاول أكثر من 27000 الانضمام لها، مما يدل على مدى صدى أيديولوجية داعش لدى التونسيين. وقد حظيت بلدات معينة، بما في ذلك بنقردان على الحدود الليبية، بتمثيل زائد لا يتناسب مع حجمها داخل جماعات مثل داعش. كما عانت تونس من هجمات بارزة كتلك التي شنت على متحف باردو الوطني في تونس في مارس 2015، وفي منتجع شاطئي في ميناء القنطاوي شمال مدينة سوسة في يونيو من ذلك العام. كما شهدت تونس عمليات إطلاق نار وهجمات انتحارية أخرى في السنوات التي تلت ذلك، مما كان له تأثير سلبي على السياحة في البلاد، وشكل ضربة اقتصادية أخرى. ومع تدهور الأوضاع، وعودة الاستبداد، والجهود المبذولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بما في ذلك بعض الجهود للتطبيع مع نظام الأسد على الرغم من أهوال الحرب الأهلية السورية، فإن التغيير الديمقراطي قد يتأخر مرة أخرى لعدة عقود.