أوّل الكلام آخره:
- يتجدد على مستويات متعددة تركيز السلطات الأمنية الأمريكية على الحركات المتطرفة اليمينية العنيفة بعد الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي.
- تدعم الجماعات المتطرفة اليمينية العنيفة الشرطة عموما، إلا أن دعمها يتوقف عندما توضع هي نفسها موضع المساءلة أمام السلطات الأمنية.
- تسهم الميليشيات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك جماعة «الثلاثة بالمئة» و«المحافظين على العهد»، في زيادة سلخ الشرطة عن مجتمعاتها وتعريض جميع الأمريكيين للخطر.
- من الضروري مواجهة التاريخ الطويل للجماعات العنيفة من العنصريين البيض المتأصل في ثقافة السلطات الأمنية في الولايات المتحدة والقضاء عليها للمضي قدما.
في أعقاب تمرد 6 كانون الثاني / يناير، تزايد القلق بشأن تاريخ السلطات الأمنية في الولايات المتحدة وعلاقتها بكفاح البلاد المستمر مع العنصرية. وترتبط هذه الحقيقة غير المريحة بالمناقشات التي تدور حول كيفية عمل الشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وماذا يعني أن تكون ضابط شرطة في الولايات المتحدة، بل وماذا يعني استدعاء الشرطة للحصول على المساعدة في الولايات المتحدة. إن الاعتراف بتاريخ جماعات العنصريين البيض وتغلغلهم في السلطات الأمنية الأمريكية، من المستويات المحلية إلى المستويات الفيدرالية، لا يقلل من احترام الغالبية العظمى من ضباط الشرطة الذين يساعدون جيرانهم بكرامة وتعاطف. ومن خلال مساءلة الأجهزة الأمنية عن مدى التزامها بشعار «الخدمة والحماية» الذي ترفعه، يكون التعزيز لنزاهة المؤسسة والتحسين لقدرة العناصر الأمنية على أداء وظائفهم بأكبر قدر ممكن من الفعالية والأمان لجميع الأمريكيين. أما تجاهل التاريخ والوقائع الحالية فهو يسيء للمواطنين والشرطة على حد سواء.
وقد مثّل اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في كانون الثاني / يناير 20201 محاولة غير قانونية لوقف التصديق على أصوات المجمع الانتخابي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وترجمت نية المتطرفين اليمينيين في النزول إلى مبنى الكابيتول لمنع التصديق على الأصوات بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعي. ولم يتوقف الرئيس السابق ترامب وأنصاره، سواء داخل الحكومة أو خارجها، عن الكذب من خلال قولهم إن الانتخابات والبلد قد «سرقا» منهم وإنهم بحاجة إلى «القتال» لاستعادة «بلادهم». ولطالما دافع الرئيس السابق ترامب عن أسوأ الاتجاهات في السلطات الأمنية، وحث الشرطة على ممارسة الوحشية ضد المتظاهرين حتى في المسيرات السياسية الخاصة به. وشجع على سردية «نحن وهم» التي كانت قوة هدامة في السلطة الأمنية الأمريكية لأجيال. وفي تاريخ الولايات المتحدة، فإن سردية «نحن وهم» المستمرة والإقصائية ترجع دائما إلى العرق. إن تعزيز اعتقاد البعض بأن ضباط الشرطة وحدهم يقفون بالمرصاد لعالم الجريمة، وأنهم «الخط الأزرق الرفيع» الذي يفصل الخير عن الشر، لا يدمّر عمل الشرطة ويسمّم السياسة فحسب، بل إنه يحافظ أيضا على أيديولوجية جماعات العنصريين البيض. ومنذ عام 2006 على الأقل، حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي من التهديد الذي يمثله تغلغل القوميين البيض في السلطات الأمنية.
وتعد جماعتا «الثلاثة بالمئة» و«المحافظين على العهد» من الميليشيات المعروفة التي تعتقد أن قيام المواطنين بالتهديد بالعنف المسلح هو وحده ما يكفل بمحاسبة الحكومة وبقائها تحت المساءلة. وتؤكد التحقيقات أن جماعتي «براود بويز» و«المحافظين على العهد» من الجماعات التي ساعدت في التخطيط الاستراتيجي للتمرد في 6 كانون الثاني / يناير. وكما يتضح من هجوم الكابيتول، تعد الانتخابات التي لا تسير على نحو ما تشتهي هذه المجموعات غير موثوقة ولا تمثل إرادة «أمريكا الحقيقية» في نظرهم. ويؤجج بعض السياسيين هذا الاعتقاد لمصالحهم الذاتية السياسية والشخصية، مما ينذر بتقويض العمليات الديمقراطية. ويظهر هؤلاء السياسيون وهذه الحركات دعمهم للأجهزة الأمنية تماما كما يفعلون مع الجيش، ولكنه دعم بالأقوال لا بالأفعال، مما يترك عناصر السلطات الأمنية مكشوفين تماما عندما يتطلب الأمر حماية فعلية. ويحاول السياسيون نفسهم تصوير أي جهود لإصلاح الشرطة أو الرقابة على أنها جهود «تدعم الجريمة» لا على أنها جهود تتوخى المساءلة والشفافية الديمقراطية لضمان سلامة جميع الأمريكيين بشكل عادل. ومن الصعب المبالغة في تقدير مدى تدمير هذا للنسيج الاجتماعي للولايات المتحدة والأمن المادي للعديد من الأمريكيين ومجتمعاتهم.
وعليه، فإن التهديد الذي يشكله العنصريون البيض في السلطات الأمنية الأمريكية قد نال تغطية في وسائل الإعلام لأسباب وجيهة. فأولئك الذين يتطوعون بارتداء شارة أمنية ينبغي أن يتمتعوا بمعايير أعلى، خاصة أولئك المكلفون بالحفاظ على الأمن العام. ولا شك أن العنصرية لا تقتصر على السلطات الأمنية، ولكن ما يميز السلطات الأمنية هو أن العناصر فيها كثيرا ما يكونون في مواقف تمنحهم سلطة التحكم في الحياة والموت. ومن القضايا التي لا تناقش كثيرا رغم تمتعها بنفس القدر من الأهمية، قضية التفاعلات اليومية حيث يجد مواطنو الأحياء أنفسهم في كثير من الأحيان على الجانب الآخر من «الخط الأزرق الرفيع». إن إجراء النقاش على الصعيد المحلي والوطني وعلى مستوى الولايات حول تهديد تغلغل العنصريين البيض في السلطات الأمنية هو أمر صعب ولكنه ضروري، خاصة وأن قضية الجريمة هي موضوع مشحون في هذا البلد. وكما هو الحال مع الأسلحة النارية، فإن الوصول إلى أرضية مشتركة بين الأطراف المتعارضة أمر مستعص، ولكن هذه المحادثات ضرورية لضمان الأمن القومي المستدام مع حماية الحريات والسلامة المدنية بشكل عادل. ومن المؤكد أنه لا ينبغي أن يجد العنصريون البيض موطئ قدم في السلطات الأمنية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تبدأ في إحراز تقدم بشأن ما يعد منذ فترة طويلة مشكلة مستعصية إلا من خلال مناقشة المسألة مناقشة مستفيضة بطريقة شفافة.