أوّل الكلام آخره:
- هددت ثلاثة أيام من القتال بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي تتخذ من غزة مقرًا لها والمدعومة من إيران الاستقرار الإقليمي، وتسبب القتال في وقوع إصابات في صفوف المدنيين وكانت له عواقب إنسانية وخيمة.
- إن استهداف إسرائيل لقادة الجهاد الإسلامي في فلسطين هو جزء من هجوم إسرائيل الإقليمي على طهران وحلفائها.
- تجنبت حماس الانخراط في القتال للاحتفاظ بمكتسبات الاتفاق الذي أنهى الاشتباكات في مايو 2021 مع إسرائيل.
- ليس للدول العربية الإقليمية كبير تأثير على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لكن علاقات مصر مع جميع الأطراف مكنت القاهرة من التوسط لعقد هدنة مبكرة.
اندلع القتال من جديد بين إسرائيل والمسلحين المتمركزين في قطاع غزة في أوائل أغسطس. وأتت جولة القتال الأخيرة هذه بعد خمسة عشر شهرًا من الصراع الذي دام 11 يومًا بين إسرائيل وحماس التي تسيطر بحكم الأمر الواقع على غزة، على الرغم من أن إسرائيل تحاصرها منذ خمسة عشر عامًا. وقد اندلع القتال الأخير بعد أن شنت إسرائيل غارة جوية أسفرت عن مقتل قائد بارز في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهي جماعة مسلحة أصغر بكثير من حماس وأكثر ارتباطًا بطهران. وعلى عكس حماس، ليس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين سلطة في غزة ولذلك فهي لا تشعر بأن من واجبها حماية المدنيين أو اقتصاد غزة. وقالت إسرائيل إنها تحركت ضد الحركة بسبب تهديدات ملموسة باحتمال شنها هجوما وشيكا، بعد أيام من التوتر الناتج عن اعتقال إسرائيل لعضو بارز في الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة. وفي 7 أغسطس، مع توسع نطاق تبادل الضربات الجوية وإطلاق الصواريخ، قالت إسرائيل إنها قتلت قائدًا بارزًا ثانيًا للجهاد الإسلامي في فلسطين في مخيم مزدحم للاجئين في غزة.
وبحلول أواخر 7 أغسطس، عندما دخلت الهدنة التي أنجزت بوساطة مصرية حيز التنفيذ، كان قد قُتل 46 فلسطينيًا، 20 منهم من المدنيين، بينهم 15 طفلًا، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. وأصيب 360 فلسطينيا خلال أيام العنف الثلاثة. ومن المحتمل أن تشمل هذه الأرقام الخسائر التي نتجت عن الصواريخ التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي ولم تحقق أهدافها وسقطت داخل قطاع غزة. على أن ارتفاع عدد الضحايا هو دليل على استعداد السلطات الإسرائيلية للاشتباك مع أهداف في مناطق مأهولة بالسكان على الرغم من احتمال وقوع إصابات في صفوف المدنيين. ويُظهر ارتفاع عدد القتلى أيضًا عدم القدرة على تجنب وقوع الأضرار الجانبية على الرغم من استخدام إسرائيل للذخائر الموجهة بدقة. وقد أطلق رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد العنان للهجوم قبل أقل من ثلاثة أشهر من الانتخابات العامة التي يواجه فيها تحديًا شديدًا من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي اتبع باستمرار نهجًا متشددًا ضد إيران والفلسطينيين وفي مواجهة التهديدات المتصورة للأمن الإسرائيلي. وإذا استمرت الهدنة، فمن المحتمل أن يُنظر إلى هذه الجولة الحالية على أنها نجاح للابيد وتعزيز لأوراق اعتماده الأمنية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن مسلحي غزة أطلقوا أكثر من 1000 صاروخ وقذيفة تجاه إسرائيل خلال أيام القتال الثلاثة. ولكن 20 % من الصواريخ وقذائف الهاون التي أطلقها المسلحون الفلسطينيون أخفقت في تحقيق أهدافها وفي ثلاث حالات تسببت في وقوع إصابات بين المدنيين في قطاع غزة. وقال الجيش الإسرائيلي إن نظام دفاعه الجوي (القبة الحديدية) اعترض نحو نصف المقذوفات، التي أطلقت اثنتان منها باتجاه القدس. ولم يُقتل أي إسرائيلي في القتال، ولكن أصيب 17 شخصًا، من بينهم تسعة أطفال. وأُجبر سكان عدة مدن في جنوب إسرائيل على اللجوء إلى الملاجئ أو الفرار إلى مناطق أبعد شمالًا. كما أُبلغ عن أضرار مادية لبعض المنازل والبنية التحتية الإسرائيلية.
وخلافا لبعض التوقعات فإن حماس لم تدخل المعركة هذه المرة. وكانت حماس قد خاضت حربًا استمرت 11 يومًا مع إسرائيل في مايو 2021، وانتهت بهدنة توسطت فيها مصر وقطر بعد مقتل حوالي 256 فلسطينيًا و13 إسرائيليًا وفقًا للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وبحسب بعض التحليلات فقد خشيت قيادة حماس من أن تؤدي مشاركتها في الاشتباكات الجديدة إلى إبطال اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم عام 2021 مع إسرائيل، والذي تشتمل بنوده على توفير حوالي 12000 تصريح عمل لسكان غزة، وربما لـ 2000 آخرين. وبصرف النظر عن المزايا التي توفرها فرص العمل للأفراد وعائلاتهم، فقد ساعد البرنامج حماس على تعزيز سيطرتها السياسية على غزة. وفضلا عن ذلك، لم ترغب حماس في إثارة ردود انتقامية إسرائيلية يمكن أن تدمر البنى التحتية الهشة أصلا في غزة. على أن أيام القتال الثلاثة أوقفت عمليات محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بسبب نقص إمدادات الوقود، وهددت قدرة مستشفيات غزة على معالجة المدنيين الجرحى. وقد تقلصت التغذية بالكهرباء في غزة إلى حدود أربع ساعات فقط في اليوم، مما زاد من اعتماد السكان على المولدات الخاصة وفاقم من أزمة الكهرباء المزمنة في المنطقة وسط ذروة حرارة الصيف.
ودفع احتمال أن يؤدي القتال بين إسرائيل والجهاد الإسلامي إلى زعزعة استقرار المنطقة وتفاقم الوضع الإنساني السيء في غزة القوى الإقليمية إلى محاولة إنهاء القتال بسرعة. على أن حركة الجهاد الإسلامي مسلحة من الحرس الثوري الإيراني، وتعد على نطاق واسع من الأذرع العسكرية لطهران – وهي علاقة تجتذب تحفّزا إسرائيليًا دائما. كما أن لها مقرًا رئيسيًا في دمشق تحت حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، المدعوم أيضًا من إيران. وعلى عكس حماس، التي تتفاوض على ترتيبات عبور الحدود ومسائل أخرى مع مصر والتي يتعامل قادتها مع قطر، فإن حركة الجهاد الإسلامي ليست مرتبطة بأي قيادة عربية باستثناء الأسد، الذي لا يزال معزولًا سياسيًا. ولذلك، فإن توسع نطاق الاشتباكات بين إسرائيل والجهاد الإسلامي قد يعني توسعا في نطاق الصراع الإسرائيلي الإيراني وتصعيدا لما هو اليوم صراع منخفض المستوى بين طهران وإسرائيل. ومع ذلك، فقد كان من الواضح أن القاهرة كانت قادرة على التأثير في سياسات غزة واستخدام علاقاتها الطويلة مع القادة الإسرائيليين للتوسط في هدنة.
وقد دخلت الهدنة حيز التنفيذ رسميًا في 7 أغسطس، قبل منتصف الليل بقليل، ويبدو أنها قد صمدت. ففي اليوم التالي، بدأت إسرائيل في رفع حصارها عن قطاع غزة، مما سمح بدخول خزانات الوقود الأولى. وأشاد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في بيان بالاتفاق ودعا جميع الأطراف إلى «تنفيذه بالكامل وضمان تدفق الوقود والإمدادات الإنسانية إلى غزة». كما حث على التحقيق في التقارير المتعلقة بسقوط ضحايا مدنيين في الوقت المناسب. وبحسب ما ورد ساعد مفاوضو الأمم المتحدة مصر في جهود الوساطة. وفي 8 أغسطس، دعت أيرلندا إلى اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الشرق الأوسط لمعالجة الصراع. وأطلع منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، المجلس على آخر المستجدات بشأن النزاع، قائلًا لأعضاء المجلس: «إنني أدين الإطلاق العشوائي للصواريخ من الأحياء السكنية المكتظة بالسكان في غزة على المراكز المأهولة بالسكان المدنيين في إسرائيل، الأمر الذي يعرض للخطر المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء وينتهك القانون الإنساني الدولي». ومضى محذرا من أن التوتر في غزة والضفة الغربية المحتلة لا يزال مرتفعا، على الرغم من وقف الأعمال العدائية، وحتى لو صمدت الهدنة، فإن أعمال العنف في أغسطس بين إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين في غزة تؤكد الطبيعة الهشة للوضعية الراهنة. وقليلون، إن وجدوا، يتوقعون أن تكون هذه الجولة الأخيرة من القتال الأخيرة.