أوّل الكلام آخره:
- يواصل الصراع اليمني تمدده إلى خارج حدود الدولة التي مزقتها الحرب، مما يشكل تهديدًا متزايدًا للعسكريين الأمريكيين والمواطنين في منطقة الخليج.
- الولايات المتحدة ترسل قوات ومعدات إضافية إلى الإمارات العربية المتحدة في أعقاب أربع هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات في كانون الثاني (يناير).
- تظهر هجمات الحوثيين تنامي قدراتهم التكنولوجية، وتوسع نطاق الوصول الاستراتيجي لإيران.
- يخشى أن يؤدي هجوم صاروخي للحوثيين يتسبب في خسائر عسكرية أمريكية أو مدنية جماعية إلى دخول الولايات المتحدة في صراع مع إيران أو الدخول في حرب اليمن مباشرة.
على امتداد السنوات السبع الماضية، اقتصر الصراع بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران وحكومة الجمهورية اليمنية إلى حد كبير على اليمن والأراضي الجنوبية للمملكة العربية السعودية التي استهدفتها الصواريخ الباليستية القصيرة المدى والطائرات الميسّرة. ولكن نطاق الصراع في اليمن اتسع بشكل كبير في كانون الثاني (يناير) 2022، مع إطلاق الحوثيين أربع هجمات بالصواريخ والطائرات الميسرة على الإمارات، الشريك الرئيسي للمملكة العربية السعودية في التحالف في حرب اليمن. أدت إحدى الهجمات، على الرغم من احتمال أن تكون أنظمة الدفاع الصاروخي التي قدمتها الولايات المتحدة قد تمكنت من اعتراضها جزئيا، إلى مقتل عدد من العمال الأجانب بالقرب من مطار أبو ظبي الدولي، وهو مركز عبور رئيسي للزوار إلى الخليج وما وراءه. وإذا قارنا الهجمات الأخيرة بالهجمات على الإمارات في السنوات السابقة، فلا شك أنها جاءت أكثر دقة، فهجمات السنوات السابقة في معظمها سقطت صواريخها في الصحراء.
وتطور الصراع الأخير يشكل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة، والعسكريين الأمريكيين، والمواطنين الأمريكيين في الإمارات، مما يتطلب عملًا دفاعيًا تقوم به القوات الأمريكية ودفاعاتها. وقد استهدف هجوم صاروخي في كانون الثاني (يناير) قاعدة الظفرة الجوية المترامية الأطراف والواقعة خارج أبو ظبي، حيث ينتشر ما يقرب من 2000 جندي أمريكي للعمليات الجوية في المنطقة، التي تشمل ردع إيران وضرب أهداف داعش. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية: «القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية… واجهت تهديدين صاروخيين بعدة صواريخ باتريوت اعتراضية تزامنت مع جهود القوات المسلحة الإماراتية للتصدي في الساعات الأولى من صباح 24 كانون الثاني (يناير) 2022. نجحت الجهود في منع كلا الصاروخين من التأثير على القاعدة. ولم تقع إصابات بين الأمريكيين». ومع ذلك، فقد أقرت الوزارة بأن الهجوم أثر على العمليات الأمريكية في القاعدة، مشيرة إلى أن الأفراد الأمريكيين ذهبوا إلى «المخابئ المتاحة» لتجنب الإصابة. وكشف الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، أن القوات الإماراتية استخدمت نظام الدفاع الصاروخي الدفاعي «ثاد» لاعتراض اثنين من هجمات كانون الثاني (يناير) – وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام في أعمال قتالية. وقد حصلت الإمارات العربية المتحدة على النظام من الولايات المتحدة في عام 2015 للدفاع ضد الصواريخ الإيرانية، ولم يكن من المتوقع أن تأتي الهجمات الصاروخية بدلًا من ذلك من أحد حلفاء إيران الإقليميين. على أن القادة الإيرانيين نقلوا تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة إلى حلفائهم مثل الحوثيين وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، على نحو يضاعف قوة إيران ويبرزها على امتداد المنطقة. ولا شك أن تعقيد العمليات العسكرية الأمريكية في الظفرة يتناسب ورؤية طهران الاستراتيجية، كما أن ضرب هذه القاعدة من خلال حلفاء إيران يسمح لإيران بالتملص من مسؤوليتها.
وقد أوقفت هجمات الحوثيين الجهود الأمريكية على مدار السنوات القليلة الماضية لإعادة نشر بعض القوات والمعدات تدريجيًا من الخليج «للتركيز» على تهديدات القوى العظمى التي تشكلها روسيا والصين. وردًا على هجمات الحوثيين على الإمارات، قال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع، جون كيربي، في 2 شباط (فبراير):«[ستظهر قواتنا ومعداتنا] التزامنا تجاه شركائنا الإماراتيين واستعدادنا للتعامل مع التهديدات الحقيقية للغاية التي يواجهها الإماراتيون… وبصراحة تامة، ليس الإماراتيون وحدهم من يواجه هذه التحديات، فموظفونا في الظفرة يواجهونها أيضا». وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن الولايات المتحدة ستنشر «طائرات مقاتلة من الجيل الخامس» إضافية في الإمارات العربية المتحدة، في إشارة إلى مقاتلة F-35 Stealth Fighter أو F-22 “Raptor”، وسترسل الولايات المتحدة المدمرة كول في مهمة هناك. ولا شك أن لهذه المدمرة قيمة رمزية فيما يتعلق باليمن، إذ كانت هذه المدمرة قد تعرضت لهجوم من تنظيم القاعدة قبالة سواحل اليمن في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، مما أسفر عن مقتل 17 بحارًا أمريكيًا. وفي 3 شباط (فبراير)، أعلنت الولايات المتحدة عن بيع قطع غيار لأنظمة HAWK وPatriot وTHAAD المضادة للصواريخ والدفاع الجوي بقيمة 65 مليون دولار إلى الإمارات العربية المتحدة – وهذه الصفقة في جزء منها تعويض عن التخفيض الأمريكي لمبيعات الأسلحة وأشكال الدعم الأخرى للإمارات العربية المتحدة والمجهود الحربي السعودي في اليمن خلال السنوات القليلة الماضية. من جهة أخرى أعلنت فرنسا، بما يعكس توسع علاقاتها الأمنية مع الإمارات العربية المتحدة، أنها ستنشر طائراتها المقاتلة رافال المتمركزة في الإمارات في «مهام المراقبة والكشف والاعتراض إذا لزم الأمر».
ومما يثير قلق إدارة بايدن في مواجهة هجمات الحوثيين الموسعة، أن في الإمارات أيضًا أكثر من 40 ألف مواطن أمريكي يعيشون ويعملون. وردًا على الهجمات، حثت وزارة الخارجية الأمريكية الأمريكيين على «إعادة النظر في السفر بسبب التهديد بشن هجمات بالصواريخ أو الطائرات المسيرة». ومن شبه المؤكد أن هجومًا يقوم به أحد حلفاء إيران، باستخدام التكنولوجيا التي وفرتها إيران، سيؤدي إلى رد عسكري أمريكي إذا تسبب في وقوع أعداد كبيرة من الضحايا العسكريين أو المدنيين الأمريكيين، ومن المحتمل أن يكون الرد على إيران نفسها. ولن تؤدي الضربة الأمريكية على إيران إلى المخاطرة بنزاع إقليمي أوسع فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن تعرقل المحادثات الجارية في فيينا لاستعادة الامتثال الكامل للولايات المتحدة وإيران للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015. وحتى مع حث المسؤولين الأمريكيين للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على قبول حل وسط ينهي الصراع في اليمن، فإن هجومًا حوثيًا يسفر عن خسائر بشرية كبيرة في الإمارات العربية المتحدة قد يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول في تلك الحرب مباشرة من خلال ضرب منشآت صواريخ تابعة للحوثيين. ومن شأن مثل هذا التوسع مرة أخرى في الصراع في اليمن، فضلا عن عواقبه الوخيمة على الأمن البشري، أن يعقد بشكل كبير جهود الولايات المتحدة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا. وإلى جانب التداعيات الجيوسياسية، فإن التوسع الإقليمي للحرب في اليمن ينذر بالسوء للمدنيين في اليمن الذين صمدوا خلال ثماني سنوات من الصراع، الذي أودى بحياة 377000 شخص على الأقل وتسبب في نزوح أكثر من 4.2 مليون شخص.