أوّل الكلام آخره:
- تهدف الهجمات الإلكترونية الإسرائيلية ضد إيران إلى إرسال إشارة إليها لدفعها إلى التراجع في سوريا من جهة، وإلى الحدّ من أنشطتها الإلكترونية المتنامية في جميع أنحاء المنطقة من جهة أخرى.
- حتى اليوم، لا تشكل إيران في عالم الإنترنت عملاقا من عمالقته، على أن هذا قد يتغيّر، فأهدافها حتّى الآن، على تواضعها، تشير إلى سعي حثيث لاستكشاف نقاط الضعف في البنية التحتية الحساسة لعالم الإنترنت.
- لا تفتأ قدرات إيران في مجال الحرب الإلكترونية تتطوّر، ويُنظر إليها على أنها حيوية للغاية في مجال الحرب غير المتكافئة، فبها تستطيع إيران أن تشكل تهديدا لخصمها الأقوى بما لا يقاس وهو الولايات المتّحدة، ولإسرائيل حليفة الولايات المتّحدة الأولى في الإقليم.
- يبدو أن الإسرائيليّين حريصون اليوم على تجنب التصعيد مع إيران وحلفائها في المنطقة، بمن فيهم حزب الله اللبناني.
في أوائل أيار / مايو، شنت إسرائيل هجوما إلكترونيا سريا على ميناء إيراني في مضيق هرمز، مما تسبب في عرقلة عمليات الشحن الإيرانية. واستهدف الهجوم ميناء الشهيد رجائي، واقتصرت الأضرار على بعض الأعمال التجارية في الميناء. ولم يكن الهجوم الإلكتروني مدمّرا، لا بسبب ضعف في قدرة إسرائيل فوحدة الحرب السيبرانية فيها من الأكثر تقدما في العالم، بل لأنّه قُصد به أن يكون بمثابة إرسال إشارة إلى إيران لدفعها إلى التراجع في سوريا من جهة، وإلى الحدّ من أنشطتها الإلكترونية المتنامية في جميع أنحاء المنطقة من جهة أخرى. على أن أسلوب الرد بالمثل المعتمد في الصراع الإسرائيلي الإيراني جزء لا يتجزأ من حرب الظل التي طال أمدها، والتي لا تنفك تظهر وتختفي وتتضمن أحيانا القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا ولحلفاء إيران في لبنان والعراق.
وقبل ذلك كانت إيران قد شنّت في نيسان / أبريل هجوما إلكترونيا على منشأة مياه إسرائيلية، مستهدفة بهذا البنية التحتية الحيوية في إسرائيل. ولم يكن الهجوم فتّاكا هو الآخر. وبعد تحليل المديرية الوطنية الإسرائيلية للإنترنت للبرامج المستخدمة في الهجوم، تبين أن مصدرها بعض هيئات الإنترنت الهجومية التابعة للحرس الثوري الإسلامي. ولم يكن هذا الهجوم الأوّل من نوعه، ففي عام 2013، تسلل القراصنة الإيرانيون إلى نظام التحكم بسد في شمال ولاية نيويورك، وقد جاء ذلك بعد سلسلة من الهجمات الإلكترونية المدعومة من إيران على البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية. وحتى اليوم، لا تشكل إيران في عالم الإنترنت عملاقا من عمالقته، على أن هذا قد يتغيّر، فأهدافها حتّى الآن، على تواضعها، تشير إلى سعي حثيث لاستكشاف نقاط الضعف في البنية التحتية الحساسة لعالم الإنترنت. وإذا وضعت طهران نفسها على السكّة، فقد تسعى إلى الارتقاء بقدراتها لتبلغ بها حدّ القدرات العالية التي تحتاجها هجمات «سكادا» التي تتضمّن التحكم الإشرافي والحصول على البيانات.
وبعد الهجوم الإلكتروني لـستوكسنت الذي أعاق مؤقّتا البرنامج النووي الإيراني، شعرت إيران بأنها مضطرة إلى تخصيص المزيد من الموارد للقدرات الإلكترونية الهجومية والدفاعية على حد سواء. ولا شك في أن قدرات إيران في مجال الحرب الإلكترونية في طور التحسن، ويُنظر إليها على أنها حيوية للغاية في مجال الحرب غير المتكافئة، فبها تستطيع إيران أن تشكل تهديدا لخصمها الأقوى بما لا يقاس وهو الولايات المتّحدة، ولإسرائيل حليفة الولايات المتّحدة الأولى في الإقليم. وبالنسبة لإيران، فإن تطوير قدراتها في مجال الحروب الإلكترونية ضروري أيضالنزاعها الإقليمي المستمر مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما بلدان يستثمران بقوة في تنمية القدرات في مجال الحرب الإلكترونية والقرصنة. كما أنها ترى في حملاتها الإعلامية متمما مناسبا للقدرات السيبرانية الهجومية الناشئة. ومؤخّرا، عمد الإيرانيون إلى محاكاة تكتيكات الصينيين في حملاتهم الإعلامية المضلّلة المتعلّقة بوباء كورونا.
إن ضبط إسرائيل لردودها على الاستفزازات الإيرانية مؤشّر واضح إلى أن الإسرائيليّين حريصون اليوم على تجنب التصعيد مع إيران وحلفائها في المنطقة، بمن فيهم حزب الله اللبناني. ومع ذلك، لم تتهرب إسرائيل يوما من الدفاع عن نفسها أو عن أفرادها العسكريين أو مصالحها في الشرق الأوسط وخارجه. وإذا استمرت إيران في استفزاز إسرائيل من خلال تزويد حلفائها في جميع أنحاء المنطقة بأسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ، فقد تضطرّ إسرائيل حينها إلى الاشتباك مع الأهداف الإيرانية على نحو أظهر وأكثر تواترا. ومع تداعي الاتفاق النووي الإيراني، تراقب إسرائيل عن كثب خطوات إيران. ولم تنجح كل الخطط الأمريكية، من اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إلى حملة «الضغط القصوى»، فضلا عن مواجهة إيران لصعوبات جمّة في تصدّيها لوباء كورونا، في أن تثني عزم النظام. وفي حين يركز معظم مراقبي إيران على دعمها لحلفائها وعلى الإجراءات البحرية الإيرانية في الخليج الفارسي، تعمل طهران ببطء على تنمية قدراتها السيبرانية. وقد تؤدي هذه الأعمال إلى تصعيد التوترات مع إسرائيل أو خصوم إيران الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة.