أوّل الكلام آخره:
- تحمل التوترات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير تداعيات أمنية وتنموية إقليمية.
- استغل جيش السودان انشغال إثيوبيا بمكافحة التمرد في منطقة تكرينيا للتوغل العسكري في الفشقة.
- إن الجهود التفاوضية حول السد جارية، ومن غير المرجح أن يسفر النزاع بين مصر والسودان وإثيوبيا عن صراع عسكري في المستقبل القريب.
- لم تحدد إدارة بايدن بعد موقفا واضحا بشأن مشروع السد، ولكن أيا كان النهج الذي ستتبعه، فإن مصر سيكون لها دور محوري فيه.
استمرت التوترات في زعزعة استقرار شمال شرق إفريقيا بسبب إصرار إثيوبيا على أنها تملك الحق القانوني في بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل. وفي حال اكتمل المشروع بنجاح، فإنه سيوفر لإثيوبيا ما يعادل 60 % من احتياجات البلاد من الطاقة. غير أن السودان، الجار الشمالي لإثيوبيا، اتخذ نهجا عدائيا تجاه المشروع. على أن هذا الموقف يبدو انقلابا في الموقف السوداني، وقد تزايدت معارضة الحكومة السودانية لبناء السد تدريجيا، منذ إطاحة الثورة الشعبية عام 2019 بديكتاتورها الحاكم منذ فترة طويلة، عمر البشير.
ويحتفظ الجيش السوداني بنفوذ كبير في الحكومة الانتقالية في الخرطوم، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية. وكان زعيم الحكومة الانتقالية، عبد الفتاح البرهان، المسؤول الرئيس عن تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، أو ما أسماه بـ«المصالحة»، رغم معارضة القادة السياسيين المدنيين هذا الاتفاق. ومع ذلك، فمثلما شكل الاقتصاد عنصرا محوريا في التقرب من إسرائيل، وهو الذي أدى إلى رفع الولايات المتحدة السودان من قائمة «الدول الراعية للإرهاب» وإعادة فتح فرص الاستثمار فيها، شكل الاقتصاد جزءا من معارضة السودان لسد النهضة الإثيوبي الكبير. إذ قد يهدد بناء السد، الواقع على طول النيل الأزرق في منطقة بينيشانغول-غوموز الإثيوبية إمدادات المياه في كل من السودان ومصر، ويزيد من احتمال وقوع الفيضانات في السودان.
أما مصر، الجار القوي للسودان في الشمال، فموقفها تجاه إثيوبيا بشأن السد أشد عدوانية. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد عرض دعمه للسودان خلال زيارته إلى الخرطوم في آذار / مارس، بعد غزو السودان على نطاق صغير لإثيوبيا قبل أسابيع، بشرط أن يستمر السودان في الضغط على إثيوبيا بشأن بناء السد. وبعد فترة وجيزة من قيام إثيوبيا بعمليات لقمع انتفاضة قام بها ضباط عسكريون متمردون في تكرينيا في تشرين الثاني / نوفمبر 2020، تجمعت القوات السودانية بالقرب من الفشقة، وهي منطقة متنازع عليها تدعي إثيوبيا منذ منتصف التسعينات بأنها تابعة لها، ويستوطنها حاليا مزارعون إثيوبيون. وبحلول آذار / مارس 2021، تقدم السودان بقواته في عمق الفشقة لكنه أعلن أن قواته ما زالت ضمن حدود «الأراضي السودانية» وأنها لم تقم بأي عمل يزعج المزارعين الإثيوبيين. وادعى السودان أيضا أن القوات الإريترية، التي كانت متحالفة مع إثيوبيا ضد قادة المتمردين في تكرينيا، كانت في الفشقة. ومع غياب أي أدلة على ذلك، فمن الممكن أن يكون السودان قد ادعى ذلك ذريعة لتسويغ توغله العسكري.
وعلى الرغم من أن إثيوبيا أكدت أنها لا ترغب في محاربة السودان على منطقة الفشقة وأنها تسعى إلى العودة إلى إعادة ترتيب الوضع كما كان بعد عام 2008 عندما كانت قواتها تمتلك حرية المناورة في المنطقة، فإنها لمحت في المقابل إلى أن مصر كانت وراء التوغل السوداني. فقد ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية أن «طرفا ثالثا» كان وراء تصرفات السودان، وهذا يعني أن القاهرة تستخدم الفشقة ورقة مساومة في مفاوضاتها مع أديس أبابا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، بالتحالف مع الخرطوم. وفي ظل السيناريو الأسوأ، فقد تقوم القوات الجوية المصرية بقصف سد النهضة الإثيوبي الكبير وتدمير المشروع بالكامل. وهذا من شأنه أن يشعل التوترات الإقليمية ويؤدي إلى حرب بين مصر وإثيوبيا من شأنها أن تستقطب قوى إقليمية ودولية أخرى. ومن المرجح أن يتحالف السودان مع مصر ويستخدم الفشقة نقطة انطلاق لغارات أعمق في إثيوبيا في مثل هذا السيناريو. ويبدو أن أي غارة جوية مصرية محتملة على السد قد تأخذ منحنى تصعيديا أكثر من المتوقع.
وتبرز أيضا محاولات إقليمية للتفاوض بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير. فقد وافقت الإمارات العربية المتحدة، التي تربطها علاقات وثيقة مع مصر والسودان وإثيوبيا، على التوسط بين مصر وإثيوبيا. ورغم موافقة السودان وإثيوبيا على الوساطة، فقد رفضتها مصر. ولم تقدم أي تفاصيل واضحة حول اقتراح دولة الإمارات العربية المتحدة بعد. وقد تناقش الرئيس السيسي مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول السد خلال اجتماع عقد مؤخرا في أبو ظبي. وهذا يشير إلى احتمالية أن تكون مصر منفتحة على شكل ما من أشكال الوساطة الإماراتية إذا ما تلقى السيسي مزيدا من البيان من الإمارات العربية المتحدة بشأن اقتراحها.
ويبقى من السابق لأوانه توقع ما إذا كانت الخلافات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير ستؤدي إلى حرب، خاصة وأن إثيوبيا تركز عسكريا على تكرينيا ولم ترد بالقوة على توغل القوات السودانية في الفشقة. فضلا عن ذلك، فلا يزال الوقت متاحا للتوصل إلى اتفاق تفاوضي إذ ليس من المتوقع أن يبدأ تشغيل السد قبل عام 2023 على الأقل. ويمكن لإدارة بايدن أيضا أن تسعى إلى لعب دور أكثر فعالية في أي وساطة، ولكن حتى اليوم، تقوم الإدارة «بمراجعة» قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير. وأشارت الإدارة أيضا إلى أن باستطاعتها تقديم المعونة الاقتصادية إلى إثيوبيا حتى في الوقت الذي تمضي فيه هذه الأخيرة قدما في مشروع السد. وأيا كان القرار الذي ستتخذه إدارة بايدن بشأن السد، فإنه سيؤثر في العلاقات الأمريكية مع مصر، مما سيؤثر بدوره في السياسة الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط. وتسلط هذه الديناميات الإقليمية المتوترة الضوء على شبح «حروب المياه» المستقبلية أو النزاعات التي يقودها تغير المناخ وشح الموارد بشكل متزايد. كما أن العديد من المشاكل المتعلقة بالتخلف والتفاوت وسوء الحكم تخلق بيئة مواتية للجماعات الإرهابية للاستقطاب.