أوّل الكلام آخره:
- مؤخرا، تولت حكومة وحدة وطنية، بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة، مقاليد الحكم في ليبيا، في ولاية ستستمر تسعة أشهر حتى انتخابات كانون الأول / ديسمبر.
- يشكل الحضور العسكري لما يقارب 20,000 من المرتزقة والمقاتلين الأجانب الباقين في ليبيا، الذين تربط أغلبهم علاقات مع تركيا أو روسيا، أكبر تحد يواجه المرحلة الانتقالية.
- مع تولي الحكومة المؤقتة يُتوقع أن تصل المساعدات الإنسانية بشكل أفضل إلى 1.8 مليون شخص محتاج، وقد تضاعف حضور الأمم المتحدة في غضون شهرين.
- لا تزال الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش التي تستغل الفراغات الأمنية، وتتخذ منها ملاذات آمنة لها.
في هذا الشهر تكون عشر سنوات قد مرّت على تدخل الناتو في ليبيا، ذلك التدخل الذي أسفر عن الإطاحة بمعمر القذافي الذي استبدّ بحكم البلاد لأربعة عقود. وها هي ليبيا اليوم تقترب من الانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة محتملة من السلام. وفي الوقت الذي يرصد فيه الليبيون والشركاء الدوليون نتائج التدخل، الذي نشأ عن مفاوضات خلافية لمجلس الأمن ألقت بظلالها الطويلة على المناقشات اللاحقة بشأن التدخلات الإنسانية، بدأت البلاد تشهد فرصة لتحقيق السلام من أجل مستقبل أكثر أمنا. وبعد اختيار مجلس الرئاسة في المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في شباط / فبراير، تنازلت حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس والإدارة الشرقية في بنغازي عن السلطة للحكومة الليبية الجديدة، حكومة الوحدة الوطنية. ومع تولي رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة زمام الأمور، تولت حكومة الوحدة الوطنية مقاليد الحكم في 16 آذار / مارس، أي بعد أسبوع من اجتماع مجلس النواب في سرت لتأييد حكومة دبيبة المختارة. ويضم مجلس الوزراء الجديد المؤلف من 35 عضوا ممثلين من مختلف المناطق، فضلا عن تمثيل المرأة بنسبة 15 في المائة. ومنذ تشرين الأول / أكتوبر، أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 توقف إطلاق النار في ليبيا، مما يزرع بذور الأمل في المرحلة الانتقالية.
وتشمل مهمات هذه الإدارة الانتقالية التي ستحكم لتسعة أشهر، والتي وحدت حكومتي الشرق والغرب المتناحرتين، التحضير للانتخابات في 24 كانون الأول / ديسمبر. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ديوان للأبحاث مؤخرا على 1000 من المشاركين الليبيين عن رضا 71 % منهم عن ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي اختار القيادة الجديدة، كما أشار 77 % من المشاركين إلى عزمهم على المشاركة في انتخابات كانون الأول / ديسمبر القادمة.
وتبعث الخطوات نحو تحقيق السلام التي شهدتها البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية على الأمل في الانتقال نحو الحكم الموحد، دون أن يخلو الأمر من بعض العقبات الكبيرة. وتقدر الأمم المتحدة أن 20,000 من المرتزقة والمقاتلين الأجانب لا يزالون في ليبيا، مما يدل على أن قرار انسحاب القوات الأجنبية بحلول 23 كانون الثاني / يناير لم ينفذ بعد. وبالتالي، لا تزال قضايا إصلاح قطاع الأمن ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تشكل تحديات رئيسة تواجه الحكومة المؤقتة. علاوة على ذلك، ستحتاج الحكومة الليبية والشركاء الدوليون مثل الأمم المتحدة إلى وضع أطر للتعامل مع الجماعات الإرهابية وتدفق الأسلحة في المنطقة، فضلا عن أزمة المهاجرين التي كانت وما زالت أولوية استراتيجية للعديد من الدول الأوروبية المستقبلة.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء، حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة لشؤون ليبيا، يان كوبيش، من «التحصينات المستمرة وإنشاء مواقع دفاعية على طول محور سرت-الجفرة وسط ليبيا» التي يمكن أن تعقد وقف إطلاق النار. وردت السفيرة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد من خلال التأكيد على دعم الولايات المتحدة لانتخابات كانون الأول / ديسمبر ودعوة جميع الجهات الخارجية إلى «البدء في الانسحاب من ليبيا على الفور»، مشددة على الحاجة إلى إنهاء انتهاكات حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة ووقف دعم الميليشيات المتناحرة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت ليبيا مستوى متزايدا من المشاركة الخارجية في الصراع، فقد دعمت قطر وتركيا حكومة الوفاق الوطني ودعمت الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والمملكة العربية السعودية الجنرال خليفة حفتر. وأفادت التقارير أن أكثر من 330 طائرة روسية دخلت ليبيا في الأشهر الـ 18 الماضية. وبالمثل، أجرت تركيا ما لا يقل عن 145 رحلة شحن إلى ليبيا عام 2020. وقد عززت روسيا حضورها إلى حد كبير من خلال الشركات العسكرية الخاصة، بما في ذلك إرسال ما يقارب 1500 مرتزق من مجموعة فاغنر، التي يتركز حضورها حول البنى التحتية النفطية الرئيسة. ومن ناحية أخرى، أرسلت تركيا ميليشيات سورية مناهضة للأسد إلى ليبيا، لا يقل عديدها عن 5000 جندي، فضلا عن المئات من القوات التركية النظامية. ويشكل هذا النهج من التدخل جزءا من تطور أوسع للمنافسة بين الدول القوية، حيث توظف الدول القومية جهات فاعلة غير حكومية للانخراط في حرب غير متماثلة لتأمين أهداف سياستها الخارجية، باستخدام التشويش والغموض مع السعي إلى اكتساب النفوذ وتجنب التصعيد المباشر. وفي حين أن وقف إطلاق النار كان ناجحا إلى حد كبير حتى اليوم، فإن التقلب الذي يغذيه بقاء المرتزقة الأتراك والروس لا يزال يشكل مصدر قلق كبير للحكومة المؤقتة.
وقد تشرد في النزاع نحو 1.5 مليون شخص. كما لا يزال الاحتجاز التعسفي واللامركزي يشكل مصدر قلق بالغ نظرا إلىى احتجاز أكثر من 8,850 شخصا بشكل تعسفي في 28 سجنا ليبيّا، واحتجاز حوالي 10,000 شخص في مرافق لا تزال تحت سيطرة الميليشيات والجماعات المسلحة. كما تلوح في الأفق أزمة حادة للأمن الكهربائي والمائي، مما قد يؤثر في حياة أكثر من 4 ملايين شخص، بما في ذلك 1.5 مليون طفل. وقد واجه وصول المساعدات الإنسانية تحديات كبيرة بسبب العقبات البيروقراطية وديناميات الصراع والعنف الموجه ضد عمال الإغاثة. وإذا استمر وقف إطلاق النار واستطاعت الحكومة إضفاء الطابع المركزي الفعال على السلطة والإدارة، فإن هذا قد يسمح بوصول المساعدات الإنسانية على نحو أفضل إلى 1.8 مليون شخص في حاجة إليها. وفي الشهرين الماضيين فقط، تمكنت الأمم المتحدة من مضاعفة حضورها في ليبيا.
ومنذ الهجوم الذي وقع في أيلول / سبتمبر 2012 على القنصلية الأمريكية في بنغازي، والذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بمن فيهم السفير كريستوفر ستيفنز، غادرت العديد من البعثات الدبلوماسية ليبيا، وغاب الحضور الدبلوماسي الرسمي للولايات المتحدة عنها منذ عام 2014. ومع ذلك، وفي بادرة لإظهار الدعم وحسن النوايا أمام هذا الانتقال الجديد، تعيد فرنسا فتح سفارتها في العاصمة طرابلس. فضلا عن ذلك، تواصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس الوزراء دبيبة يوم الاثنين لمناقشة الفترة الانتقالية والانتخابات القادمة. ولا تزال الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء استغلال الجماعات الإرهابية للفراغات الأمنية واتخاذها ملاذات آمنة، ولا سيما تنظيم القاعدة وداعش. ولا تزال العديد من الجماعات المسلحة تعمل دون أي تحسب للعواقب، ودون أي مساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. وقد سلط الاكتشاف الأخير للمقابر الجماعية في مدينة ترهونة الضوء على قضايا الظلم وغياب المساءلة في ليبيا. ومع الاعتراف بهذه المخاوف المستمرة، تفتح المرحلة الانتقالية الباب أمام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإعادة تقويم دورها وتحديد الاحتياجات المستمرة، مثل مراقبة وقف إطلاق النار، مع اقتراب انتهاء الولاية الحالية للبعثة في أيلول / سبتمبر.