أوّل الكلام آخره:
- في الوقت الذي لا يزال الرئيس ترامب يرفض فيه الاعتراف بخسارته في الانتخابات، أجرى تغييرات كبيرة في موظفي البنتاغون في الأسابيع الأخيرة.
- أقال الرئيس ترامب وزير الدفاع مارك إسبر وتحرك لتنصيب الموالين السياسيين الذين يفتقرون إلى الخبرة الكافية في مجال الأمن القومي.
- قد تكون إقالة إسبر ببساطة حركة انتقامية، مرتبطة بخلافات حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المحلية وحول خطط انسحاب القوات من أفغانستان.
- لا مكان لتمجيد الشخصيات في أجهزة الخدمة المدنية الأمريكية، ومن المرجح أن تشهد فترة البطة العرجاء لترامب إمعانا في سياسة الأرض المحروقة.
بعد أسابيع من فوز جو بايدن وحصوله على العدد اللازم من الأصوات الانتخابية التي مكنته من أن يصبح الرئيس المنتخب المقبل ومن هزيمة الرئيس ترامب، لا يزال ترامب يرفض الاعتراف بخسارته ويصرّ على إلقاء الاتهامات جزافا بشأن تزوير واسع النطاق حدث من غير أي دليل ملموس على هذه المزاعم. وفي هذه الأثناء، أقال الرئيس ترامب وزير الدفاع، مارك إسبر، وهو خامس شخص يتولى هذا المنصب في ظل إدارة ترامب. ومن المتعارف عليه أن التغييرات في مرحلة ما بعد الانتخابات تعدّ أمرا طبيعيا عندما يفوز الرئيس بولاية ثانية، ولكن لا تفسير للتغييرات في طاقم الموظفين قبل شهرين من انتهاء الولاية سوى أنها تعكس تصفية حسابات شخصية. وكانت بعض التقارير الصادرة منذ الصيف الماضي قد أفادت عن بعض التوتر في علاقة وزير الدفاع بالرئيس. وأشارت التقارير إلى أن الوزير إسبر كان قد اعترض على طلب الرئيس بأن يرد الجيش الأمريكي بالقوة على الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية عدوانية الشرطة وإساءة معاملتها، وذلك بتفعيل قانون التمرد. وأفادت تقارير أخرى بأن الرئيس ووزير الدفاع اشتبكا أيضا بشأن خطط انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وتسلم كريستوفر ميلر وزارة الدفاع بالوكالة بعد أن كان يشغل منصب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب. ويحظى ميلر باحترام كبير، ولكن مع تعيينه في مثل هذا المنصب، يخترق الرئيس ترامب مرة أخرى النظام، إذ إن معدل تعيين المسؤولين «بالوكالة» قد وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل من قبل. وتسبب مثل هذه التعيينات قلقا مسوّغا، بل وانزعاجا، ولا سيّما أنها تحدث قبل شهرين فقط من انتهاء ولاية الرئيس. وبحكم العادة فإن فترة الشهرين هذه، تخلو من التغييرات الكبيرة ويتركّز الجهد فيها على عملية انتقال السلطة. وقد عزل الرئيس ترامب جيمس أندرسون من منصب مسؤول السياسات في وزارة الدفاع والذي كان يشغله بالوكالة، وعين أنتوني تاتا في هذا المنصب بالوكالة أيضا. ولا يعد تاتا مناسبا لهذا المنصب، نظرا لأنه عميد متقاعد ولرفض مجلس الشيوخ توليه هذا المنصب. وقد وصف الرئيس السابق أوباما بأنه «إرهابي»، وله تاريخ من التصريحات المعادية للإسلام، ويتبنى نظريات مؤامرة غير منطقية. كما عيّن الرئيس ترامب عزرا كوهين واتنك مسؤولا عن شؤون الاستخبارات والأمن في وزارة الدفاع بالوكالة أيضا. وكان واتنك، البالغ من العمر 34 عاما، من فئة الموظفين من الدرجة الرابعة عشرة في السلم الوظيفي، ولكنه كان قد تصدر عناوين الصحف من خلال دعم عضو الكونغرس ديفين نونز في سعيه لرفع السرية عن بعض المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
ولعل أكثر ما يثير القلق مؤخرا، تعيين مايكل إليس مستشارا عاما لوكالة الأمن القومي. فقد شارك إليس في محاولات عضو الكونغرس نونز تشويه سمعة مجتمع الاستخبارات من أجل المصلحة السياسية للرئيس ترامب ومؤيديه. وكان دور المستشار العام لوكالة الأمن القومي دورا صارما لا يخضع للأهواء الحزبية ويتطلب خبرة قانونية وبيروقراطية واسعة. وقد تخرج إليس من كلية الحقوق عام 2011 وكان مشاركا نشطا في نهج التآمر السياسي لإدارة ترامب. وكانت الجهود الرامية إلى رفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية لأغراض حزبية متعمدة قضية مثيرة للجدل بين من يعيّنهم ترامب والمسؤولين المنتخبين، فضلا عن موظفي الخدمة المدنية المهنيين. ويمكن القول إن منصب المستشار العام هو منصب خدمة مدنية، مما يجعل من الصعب على الرئيس المنتخب بايدن تغيير من عينه الرئيس ترامب فيه. وهذا أمر مثير للسخرية، إذ استخدم الرئيس ترامب الحماية التي يمنحها النظام لموظفي الخدمة المدنية إذ لا يُسمح بإقالتهم لدوافع سياسية، في إضعاف هذا النظام ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن التغييرات في طاقم الموظفين تقلل من المعارضة التي يمكن أن تقوم إذا ما مضى الرئيس ترامب في مساعيه لسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان.
ولا يزال من غير الواضح سبب قيام الرئيس ترامب بهذه التغييرات الهامة في هذا الوقت بالتحديد. على أن بعض التغييرات الأخيرة، بما في ذلك طرد كريستوفر كريبس، مدير وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، جاء بدافع الضغينة للانتقام من المسؤولين الذين يرفضون قبول مزاعم الرئيس بشأن الانتخابات. وتتعارض مثل هذه التغييرات مع المعايير التقليدية للممارسة التي أبقت نظام الحكومة الفدرالية الأمريكي يعمل بكفاءة لفترة طويلة، كما أنها تهدد بتقويض سلامة الولايات المتحدة وأمن مواطنيها. وقد أظهر الرئيس ترامب مرارا وتكرارا أن المعايير والضوابط والتوازنات لا تعني الكثير دون إنفاذ المساءلة من الفروع الأخرى للسلطة. ولسوء الحظ، أظهر عدد قليل من أعضاء حزبه الشجاعة لصد الرئيس، وبدلا من ذلك تصرفوا بتذلل، خوفا من إثارة غضبه. إن المرحلة الانتقالية هذه، وهي المرحلة التي لا تزال الإدارة الحالية ترفض تقبلها، ستكون مختلفة عن أي مرحلة انتقالية أخرى في التاريخ الحديث.