أوّل الكلام آخره:
- ركز ترامب منذ تسلمه الإدارة في كانون الثاني / يناير 2017 على تقليص عدد القوات الأمريكية المتمركزة في الخارج، ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضا في ألمانيا وكوريا الجنوبية.
- في حين يصعب قياس فوائد التحالفات من الناحية الاقتصادية، ولكن فوائدها السياسية والعسكرية والإنسانية واضحة كالاستقرار الإقليمي وإظهار القوة والنفوذ في أجزاء من العالم لا تزال معرضة للصراعات الكبرى.
- كان الرئيس ترامب طوال فترة ولايته يمنّ على حلفائه بالتكلفة التي تحملتها واشنطن وتتحمّلها في الحفاظ على التحالفات التي كانت بمثابة الأساس الراسخ للسياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
- من خلال تنفير الحلفاء واستفزاز الخصوم، تُركت الولايات المتحدة غير مهيأة للتعامل مع الشراكات الناشئة بما في ذلك علاقات بكين المتنامية مع كل من موسكو وطهران.
ركز ترامب منذ تسلمه الإدارة في كانون الثاني / يناير 2017 على تقليص عدد القوات الأمريكية المتمركزة في الخارج، ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضا في دول كألمانيا وكوريا الجنوبية، من حلفاء الولايات المتحدة على امتداد عقود، ومن الشركاء المقربين في المناطق الحيوية من الناحية الجيوسياسية. وتحتفظ الولايات المتحدة حاليا بقوة تتمثل بـ 500 28 جندي تقريبا في كوريا الجنوبية. ولا تزال الاضطرابات تسيطر على منطقة شمال شرق آسيا، إذ تقوم كوريا الشمالية المسلحة نوويا والصين باستعراض عضلاتها، وتسعى اليابان وكوريا الجنوبية الحليفتان الأمريكيتان إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأسبوع الماضي مراجعة وزارة الدفاع لعدة سيناريوهات لخفض عديد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية. والأمر هنا يشبه ما عليه الحال في أوروبا، حيث انخفض عدد القوات في ألمانيا من 34,500 إلى 25,000 عسكري مؤخرا، مع احتمال سحب المزيد من القوات.
وتزعم إدارة ترامب أن الدول الأخرى تستغل الولايات المتحدة، وعلى الدول الغنية مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية أن تدفع المزيد مقابل تأمين القوات الدفاعية لها. ولكن يعد هذا نهجا قصير النظر. فالرئيس ترامب، حتى اليوم، يخفق في إدراك أن الفائدة العائدة من التحالفات ونشر القوات في بلدان مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية تقاس بالصراعات التي لم تدر معاركها. وقد يصعب قياس هذه المفاهيم من الناحية الاقتصادية، ولكن الفوائد السياسية والعسكرية والإنسانية للتحالفات الأمريكية واضحة كالاستقرار الإقليمي وإظهار القوة والنفوذ في أجزاء من العالم لا تزال معرضة للصراعات الكبرى. وكثيرا ما يُتجاهل أثر الوجود العسكري الأمريكي في منع نشوب النزاعات، لأنه من الصعب تحديد قيمة دولارية للحماية. وعند مناقشة طبيعة التحالفات الأمريكية، تتجه إدارة ترامب إلى التركيز فقط على ما تقدمه الولايات المتحدة لحلفائها، وتفشل في استيعاب ما يقدمه حلفاء الولايات المتحدة في المقابل. فالحلفاء هم عامل مضاعِف للقوة الاستراتيجية للولايات المتحدة، والتحالفات هي رادع الأعمال العدوانية التي يرتكبها المنافسون والقوى الإقليمية المتنامية.
وقد كان الرئيس ترامب طوال فترة ولايته يمنّ على الحلفاء بالتكلفة التي تتحملها واشنطن في الحفاظ على التحالفات التي كانت بمثابة الأساس الراسخ للسياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الظاهر لا يبدو من الخطأ مطالبة الحلفاء بالمساهمة مساهمة أكبر في النفقات العسكرية، سواء من خلال زيادة مساهمتهم في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو من خلال البحث في اتفاقيات جديدة لتقاسم التكاليف المحتملة على نحو أكثر إنصافا. ولكن الشكوى العلنية والتهديد وإهانة الحلفاء كلها تأتي بنتائج عكسية وقد لا تحقق هدفها المعلن فضلا عن أنها تحدث شرخا أوسع في العلاقة. وعلى الرغم من أن التعاون الأمني وبناء قدرات الشركاء هما من الركائز الأساسية للسياسة الدفاعية الأميركية، إلا أنهما ليسا سوى وجهين من الأوجه المتعددة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وعندما تشاهد دول مثل روسيا الولايات المتحدة ترهب حليفتها ألمانيا، أو تشاهد كوريا الشمالية والصين النقاش العلني الذي يخوضه أعضاء في إدارة ترامب حول قيمة تحالف أمريكا مع العاصمة سيئول، فإن ذلك سيتيح لخصوم الولايات المتحدة فرصا عديدة لاستغلالها. ومن خلال تنفير الحلفاء واستفزاز الخصوم، تُركت الولايات المتحدة غير مهيأة للتعامل مع الشراكات الناشئة بما في ذلك علاقات بكين المتنامية مع كل من موسكو وطهران. ومن شأن خفض عدد القوات أن يزعزع بشكل أساسي مصالح بعض حلفاء الولايات المتحدة المهمين، ناهيك عن مصالح الولايات المتحدة نفسها، بما يتجاوز الحساب المجرّد للدولارات والنسب. ولقد أظهرت أزمة جائحة كورونا أهمية التحالفات أكثر من أي وقت مضى، وأن القدرة على العمل مع الحلفاء خارج نطاق القضايا المتعلقة بالدفاع سوف تكون أكثر أهمية في المستقبل. إن التهديدات الأمنية غير التقليدية مثل الأوبئة العالمية وتغير المناخ تؤكد على الحاجة إلى التعاون والتعددية لمواجهة التحديات التي لا تعترف بالحدود أو السيادة. وتؤثر هذه التهديدات في جميع الدول، مهما كانت ثرية أو متقدمة تكنولوجيا.