أوّل الكلام آخره:
- أدت محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في جنيف إلى تشكيل حكومة مؤقتة في ليبيا تحت اسم حكومة الوحدة الوطنية.
- يجب على هذه الحكومة المؤقتة التغلب على الانقسامات السياسية المعقدة مع معالجة القضايا المتعلقة بالقطاع المصرفي وصناعة الطاقة في ليبيا.
- على الرغم من أن العالم يراقب ما يحدث في ليبيا عن كثب، فإنها لا تزال بلدا تعمل فيه الجهات الخارجية ذات العلاقات القوية بمأمن من العواقب.
- سيستمر الصراع بين الفصائل المختلفة داخل الحكومة الليبية في تسميم الحياة في ليبيا، حتى وإن كان التقدم الذي أحرز مؤخرا يبعث على شيء من الأمل.
أدت محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في جنيف إلى اختراق هام، ولو كان هشّا وجزئيا، من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة في ليبيا تحت اسم حكومة الوحدة الوطنية. وكلف منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي يضم 74 عضوا ويسرته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بتعيين حكومة مؤقتة تضمّ مجلسا رئاسيا من ثلاثة أعضاء على رأسه محمد يونس المنفي، ومجلس وزراء مؤقت يرأسه عبد الحميد محمد دبيبة. إن تعيين هذا الأخير، الذي ينظر إليه على أنه صانع صفقات وبراغماتي أكثر من كونه متصلبا في مواقفه، أراح بعض الجهات الفاعلة القوية في هذه العملية المعقدة. ومن المقرر إجراء الانتخابات في كانون الأول / ديسمبر 2021.
وينبغي النظر في هذه العملية على أنها ما زالت في مراحلها الأولى، فقد وُضعت على الرف بعض المواضيع الرئيسة، بما في ذلك قيادة القوات المسلحة والمساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبت طوال فترة الحرب الأهلية التي دامت عقدا من الزمن. ويجب على الحكومة المؤقتة التي تهدف إلى الحل محل الحكومتين المتصارعتين أن تتخطى الانقسامات السياسية المعقدة، بما في ذلك مع مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرا له والمجلس الأعلى للدولة. وحتى لو كان من الممكن التغلب على هذه التحديات، وهو أمر ليس محسوما، فإن تحديات القطاع المصرفي وصناعة الطاقة في ليبيا ستبقى عالقة. إن أجهزة الدولة التي بالكاد تعمل عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية، في حين أن أزمة السيولة تجبر الليبيين على التوجه نحو الاقتصاد الموازي غير المشروع الذي تهيمن عليه الميليشيات والعصابات الإجرامية المسلحة. إن زعماء القبائل، وأصحاب السلطة الاقتصادية، ومختلف أمراء الحرب وقادة الميليشيات، كلهم لهم حصة في أي حكومة مستقبلية. ولكن بالنسبة لبعض هذه الفئات، فإنها قد تستفيد من استمرار الصراع أكثر من تحقيق السلام. ومن شأن وجود حكومة مستقرة وتعمل جزئيا أن يؤثر في الأرباح التي تجنيها بعض المنظمات الإجرامية الليبية التي تحافظ على صلات خارج الحدود الوطنية. وخلال الأسبوع الماضي مثلا، ساعدت غارة شنتها قوات الأمن الليبية على سجن يديره أشخاص يعملون في الاتجار بالبشر في مدينة الكفرة في جنوب شرق ليبيا على تحرير أكثر من 150 مهاجرا إفريقيا.
وقد نص اتفاق تشرين الأول / أكتوبر 2020 الذي حقق وقفا لإطلاق النار على انسحاب القوى الأجنبية من ليبيا بحلول كانون الثاني / يناير 2021، وهو شرط لم يتحقق. وعلى الرغم من أن العالم يراقب ما يحدث في ليبيا عن كثب، فإنها لا تزال بلدا تعمل فيه الجهات الخارجية ذات العلاقات القوية بمأمن من العواقب. وقد أرسلت روسيا وتركيا مرتزقة لدعم الأطراف التابعة لها. وأفادت الأمم المتحدة عن وجود ما يزيد عن 20000 مقاتل من الأجانب والمرتزقة في ليبيا. وقد مدت مصر يدها للتعاون مع الحكومة الليبية المؤقتة في العاصمة طرابلس، مما يشير إلى أن القاهرة أعادت حساباتها بعد الفشل العسكري الذي مني به زعيم الحرب خليفة حفتر قائد ما يسمى بالجيش الوطني الليبي. وفضلا عن تلقي الدعم من مصر، يتلقى حفتر أيضا دعما معلنا من روسيا والإمارات العربية المتحدة. وقد أعلن حفتر عن دعمه للحكومة المؤقتة، ولكن قواته لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة من وسط ليبيا وشرقها، مما يضمن حصة كبيرة له في أي حكومة مستقبلية. وسيقوم أصحاب النفوذ بالمناورة لتأمين استحواذهم على الموارد الهامة، بما يسمح لهم بالحفاظ على شبكات المحسوبية والزبائنية السياسية.
وتبرز مخاوف من أن لا تمثل الحكومة المؤقتة الحالية الفصائل الليبية المختلفة، ومن أن تكون واجهة للنفوذ التركي، مما يجعل احتمالات الاستقرار على المدى الطويل قليلة. وشهدت عملية السلام منذ مراحلها الأولى نكسات عدة وقليلا من النجاح، بما في ذلك الاتفاق السياسي الليبي عام 2015 الذي لم يدم طويلا وعادت البلاد بعده إلى العنف. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، نجا وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا بالكاد من محاولة اغتيال تعرض فيها موكبه لإطلاق النار. وستظل ليبيا تعاني من تنافس الفصائل داخل حكومتها، حتى وإن كان التقدم الذي أحرز مؤخرا قد يبعث على شيء من الأمل، فالصراع في المجال السياسي يظل أفضل من أي صراع عسكري، فإراقة الدماء أصبحت أمرا روتينيا في ليبيا على مدى السنوات العشر الماضية.