أوّل الكلام آخره:
- قد تزعزع التوترات بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق ولي العهد السابق استقرار المملكة الهاشمية التي تعد فاعلا إقليميا رئيسيا وحليفا قويا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- يدل تخلي حمزة بن الحسين عن لقب «الأمير» أن الخلاف بينه وبين الملك عبد الله لم يُحلّ عام 2021 كما ادُّعي سابقًا.
- يعكس الخلاف داخل العائلة المالكة انقسامات أوسع بين الدول العربية الأخرى بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقضايا أخرى.
- قد يهدد تزعزع الاستقرار في الأردن قدرة الولايات المتحدة على إبراز قوتها ونفودها، ويمكن أن يعيق بعض عملياتها في المنطقة.
في أوائل نيسان (أبريل)، أعلن الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك الأردني عبد الله الثاني، عبر تويتر أنه تخلى عن لقب «الأمير». والملك الحالي وأخوه حمزة هما أبناء الملك حسين الذي حكم الأردن لما يقرب من نصف قرن إلى أن وافاه الأجل عام 1999. ووالدة حمزة هي الملكة نور، وهي شخصية بارزة في الولايات المتحدة وأوروبا. وقبيل وفاة الملك حسين، عيّن الملك عبد الله خلفا له وعين حمزة خليفة لعبد الله. ولكن الملك عبد الله أقال في عام 2004 أخاه حمزة من منصب ولي العهد، واستبدل به ابنه. وقد ظهر الخلاف بين الأخوين إلى العلن في نيسان (أبريل) 2021 عندما اتهم الملك عبد الله حمزة بالتواطؤ مع قوى إقليمية وبعض المسؤولين الأردنيين للاستيلاء على السلطة، ووضع حمزة قيد الإقامة الجبرية، واعتقل 16 شخصًا أردنيًا دون توجيه اتهامات إليهم، وحوكم اثنان من كبار الشخصيات – وهما باسم عوض الله، السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية، والشريف الحسن بن زيد، ابن عم الملك. وكان حمزة قد ظهر قبل ذلك في شريط فيديو متنصلا من المسؤولية عن فقدان ثقة الناس بمؤسساتهم، غير أنه عاد بعد ذلك وتعهد بالولاء للملك، وبدا أن التوترات قد هدأت. ولكن لا يبدو أن الخلاف قد سوّي نهائيًا، فقد أعلن حمزة تنازله عن لقب «الأمير» في وقت سابق في نيسان (أبريل) معللا تخليه عن اللقب بعجزه عن التوفيق بين قناعته الشخصية و«النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا».
وما من مؤشرات على أن حمزة يمكنه أن يحشد على الفور كتلة ذات وزن من الأتباع، لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الحكومي، بما يهدد قبضة الملك عبد الله على السلطة. ولكنّ له ولأمه الملكة نور علاقات واسعة داخل الأردن ومع زعماء العشائر الرئيسيين. ويبلغ معدل البطالة في الأردن حوالي 23 %، وتواجه البلاد ضغطا هائلا على مواردها مع استضافة أكثر من 650 ألف لاجئ من سوريا، وأعداد أقل من اللاجئين العراقيين، وعدد كبير من الفلسطينيين. وغالبًا ما يعبر الشباب الأردني المتعلم عن غضبهم من الفساد وانعدام المساءلة – وهي قضايا سعى الأمير حمزة إلى تسليط الضوء عليها في خلافاته العلنية مع الملك عبد الله. ويمكن أن تؤدي شكاوى الجمهور بشأن الاقتصاد والحوكمة إلى أن يتمكن حمزة من جذب الدعم العام حوله فجأة، مما يجعل من الصعب التنبؤ الآن بالنتيجة النهائية للصراع على السلطة.
وقد أدى الخلاف بين الملك وأخيه غير الشقيق، الذي كان يتمحور في السابق على الخلافة، إلى قلق عواصم عربية بارزة يحتمل تورط بعضها في الخلاف. وكان الأردن الذي يستضيف أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني (يتمتعون بوضعية المواطنين)، قد أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994، وكان ذلك في جزء منه لتسهيل تسوية إسرائيلية فلسطينية تمكن الفلسطينيين في الأردن من العودة إلى دولة فلسطين. ويُعرف النظام الملكي الأردني بأنه خادم الحرم القدسي الشريف، مما يمنح البلاد مكانة إضافية فيما يتعلق بالقضايا الإسرائيلية الفلسطينية. ولكن الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، ولا سيما من الممالك العربية في الخليج العربي. وقد ابتعد اثنان من هؤلاء المانحين الخليجيين، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في السنوات الأخيرة عن الاصطفاف العربي التاريخي مع القضية الفلسطينية نحو بناء علاقات مع إسرائيل من أجل المصالح المشتركة لمواجهة النفوذ الإقليمي لإيران. وكان التحول في سياسة المملكة العربية السعودية – الذي تبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – لافتًا للنظر بشكل خاص من حيث إن المملكة هي التي وضعت المبادرة العربية لعام 2002 التي تربط السلام مع إسرائيل بالتسوية الإسرائيلية الفلسطينية النهائية. وكان الملك عبد الله قد انضم إلى الحصار الذي قادته السعودية والإمارات العربية المتحدة في الفترة 2017-2021 على قطر، وكان ذلك مؤشرا على أهمية الدعم السعودي والإماراتي للأردن، فالدعم القطري للأردن يعد دعما عرضيا إذا ما قيس بدعم هاتين الدولتين. وعلى الرغم من أن الأمير حمزة يدعم القيادات السعودية والإماراتية ورؤيتها للشرق الأوسط، إلا أن أيًا من دول الخليج لا يريد زعزعة استقرار الأردن، وقد دعمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول الخليج الأخرى، الملك عبد الله خلال نيسان (أبريل) 2021، عندما وقعت أحداث ما عدّ آنذاك مؤامرة انقلابية.
كما أثار الخلاف في القصر الأردني أيضًا مخاوف واشنطن، التي اعتمدت على الأردن بوصفه شريكا مستقرا في كل القضايا الإقليمية الرئيسية. وقد كان الأردن محاورًا رئيسيًا في العلاقات الأمريكية مع القيادة الفلسطينية، فضلًا عن كونه شريكًا دفاعيًا محوريًا في العديد من الحملات العسكرية الأمريكية في العراق. وفي عام 1996، صنفت الولايات المتحدة الأردن حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو، مما منح المملكة حقًا في التعاون البحثي الدفاعي المكثف مع الولايات المتحدة. وتعد المملكة من أكبر المتلقين للمساعدات الخارجية الأمريكية، لا في المنطقة فحسب ولكن في العالم. وللقوات الأمريكية حق استخدام بعض القواعد في الأردن للعمل من خلالها ضد تنظيم داعش داخل سوريا والعراق. وفي عام 2021، نقل الجيش الأمريكي بعض دروعه وعتاده من قطر إلى الأردن، وذلك جزئيًا للحد من ضعف المعدات والأفراد أمام الضربات الصاروخية الإيرانية المحتملة. ولطالما خشي المسؤولون الأمريكيون من أن التغيير السياسي أو الاضطرابات الخطيرة في المملكة يمكن أن تعطل التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والأردن وتقوض الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع. ومع ذلك، فقد قدر المحللون الأمريكيون باستمرار أن الاضطرابات في المملكة ستنشأ بشكل أساسي عن القضايا الاقتصادية وليس عن الانقسامات داخل العائلة المالكة. ومع تعرض المصالح الأمريكية الواسعة للخطر في المنطقة، احتشد المسؤولون الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون خلف الملك عبد الله في صراعه على السلطة مع أخيه غير الشقيق. ومن المؤكد أن وكالات الاستخبارات الأمريكية والغربية ستراقب الخلاف في القصر في عمّان عن كثب لتحديد مستوى التهديد الذي يواجه بؤرة الاستقرار هذه في منطقة تمزقها الصراعات.