أوّل الكلام آخره:
- في مثل هذا اليوم من العام الماضي، طاردت قوات العمليات الخاصة الأمريكية زعيم داعش أبا بكر البغدادي، الذي توفي بعد تفجير حزامه الناسف.
- لا تزال النواة الصلبة لداعش قادرة على الوصول إلى مئات الملايين من الدولارات وتحافظ على اتصالاتها مع وسطاء متعددين وشركات صورية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
- خارج العراق وسوريا، يواصل تنظيم داعش توسيع مجموعاته وفروعه، ولا سيما تلك في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
- ومع استمرار انسحاب القوات الأمريكية من عدد من النقاط الساخنة حول العالم، سيتحرك تنظيم داعش وأتباعه لاستغلال الفرصة وملء الفراغ.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، طاردت قوات العمليات الخاصة الأمريكية زعيم داعش أبا بكر البغدادي، الذي توفي بعد تفجير حزامه الناسف في بلدة في شمال سوريا بالقرب من تركيا. وقبل وفاة البغدادي، الذي تولى زعامة التنظيم لفترة طويلة، كان قد اضطر للاختباء مدة سبعة أشهر وذلك بعد فقدان بلدة باغوز، آخر معاقل تنظيم داعش، وهي بلدة تقع بالقرب من نهر الفرات في شرق سوريا. وأعلن التنظيم تعيين أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى، المعروف باسم حاجي عبد الله والملقب بأبي إبراهيم الهاشمي القرشي خلفا للبغدادي. ولم يكتسب هذا الأخير شهرة واسعة، وحتى اليوم لم يثبت أن له شخصية كاريزمية كتلك التي كانت لسلفه والتي كان يجذب من خلالها مجندين جددا إلى التنظيم. وبطبيعة الحال، فإن تراجع قدرة تنظيم داعش على التجنيد يرجع أيضا إلى فقدانه الأراضي ومواجهته الحملة العسكرية العنيفة للتحالف الدولي لهزيمة داعش. وعلاوة على ذلك، قامت عدد من الدول الغربية باعتماد سياسات جديدة لحرمان مواطنيها من فرصة السفر إلى الخارج والانضمام إلى الجماعات التي صنفها القانون منظمات إرهابية. ومن المرجح أن يواصل تنظيم داعش تشجيع أتباعه على شن هجمات على الأراضي الغربية، معتمدا في ذلك على المتطرفين العنيفين المحليين على الإنترنت.
ومع السقوط العملي لدولة الخلافة المزعومة، بدأ داعش في إعادة بناء تنظيمه، متبعا تكتيكات قتالية منخفضة المستوى في كل من العراق وسوريا. ولا تزال النواة الصلبة لداعش قادرة على الوصول إلى مئات الملايين من الدولارات، وفقا لعدة تقديرات، وتحافظ على صلاتها مع وسطاء متعددين وشركات صورية عدة تشكل جزءا من الشبكة الواسعة النطاق، مع روابط تمتد عبر المنطقة وإلى أوروبا وآسيا. وقد اختفى مقاتلو داعش لفترة ولكنهم ظهروا بعدها في كثير من الأحيان لشن هجمات متفرقة، شملت جملة من الاغتيالات السياسية ونصب الكمائن والهجمات السريعة (هجمات الكر والفر). ومع تراجع الحضور العسكري الأمريكي في العراق، كان العديد من المراقبين يتعقبون النفوذ الإيراني المتنامي، ويتساءلون عما إذا كان ذلك قد يؤدي إلى إعادة العراقيين من الطائفة السنية إلى أحضان تنظيم داعش الذي يعاد تشكيله. وعلى مدار العام الماضي، كانت العمليات الإعلامية لتنظيم داعش بمثابة ظل لما كانت عليه خلال ذروة الخلافة. ومع ذلك، فقد ناشدت حملات الدعاية الأخيرة أتباع داعش شن هجمات ضد البنية التحتية السعودية، بما في ذلك المنشآت النفطية، ردّا على علاقات المملكة الوطيدة مع إسرائيل. كما أن الظروف المزرية في مراكز الاحتجاز مثل مخيم الهول قد توفر مادة صالحة للاستغلال في الدعاية الإعلامية.
أما خارج العراق وسوريا، فيواصل تنظيم داعش توسيع مجموعاته وفروعه، ولا سيما في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، وجنوب آسيا وجنوب شرقها، مع تحقيق تقدم منسق في أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية والموزامبيق. كما وقعت مؤخرا هجمات مرتبطة بداعش في تنزانيا أيضا، مما يؤشّر إلى اتجاه مثير للقلق. ويسعى تنظيم داعش إلى ترسيخ جذوره في مجموعة من الدول الهشة التي يسهل اختراق حدودها، وفيها مستويات عالية من الفساد، وأجهزة أمنية قدراتها ضعيفة. وفي أفغانستان، حافظت ولاية خراسان الإسلامية على قدرتها على شن هجمات كبيرة، وأدت دورا سلبيا وخطيرا في محاولة عرقلة محادثات السلام الجارية بين الولايات المتحدة وطالبان الأفغانية والحكومة الأفغانية.
ومع استمرار الولايات المتحدة في سحب قواتها من عدد من النقاط الساخنة العالمية، سيتحرك تنظيم داعش ومجموعة من الجهات الفاعلة العنيفة الأخرى غير الحكومية لاستغلال الفرصة وملء الفراغ. وفي مناسبات عديدة، أعلن الرئيس ترامب هزيمة التنظيم. ولكن ما من محلل جاد أخذ أقوال الرئيس على محمل الجدّ. بل على العكس من ذلك، يبرز قلق متزايد من أنه مع تحول أولويات الولايات المتحدة من التركيز على جهود مكافحة الإرهاب العالمية إلى التركيز على منافسة القوى العظمى، فقد توفر لتنظيم داعش وفروعه في جميع أنحاء العالم المساحة اللازمة لإعادة بناء الكفاءات الأساسية، بما في ذلك القدرة على شن هجمات إرهابية في أوروبا والغرب. ولكن حتى لو تخطى الغرب فكرة الحرب ضد تنظيم داعش، فإن هذا الأخير سيواصل الاعتماد على التصدعات في المجتمع الغربي لتعزيز رسالته بأن الغرب في حالة حرب مع الإسلام. وقد أدى قطع رأس معلم في باريس وطعن امرأتين عربيتين بعد عدة أيام بالقرب من برج إيفل ردّا (على ما يبدو) على قطع رأس المعلم، إلى استحضار نقاش حارّ في فرنسا حول هوية البلاد. وستتطلع الجماعات الجهادية مثل داعش والقاعدة إلى استغلال الوضع في فرنسا لتجنيد أتباع جدد والتحريض على المزيد من الهجمات في محاولة لزعزعة استقرار الدول الغربية.