أوّل الكلام آخره:
- نتجت الخضة الأخيرة في الأردن عن تراكمات من التوترات بين الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين.
- قبضت السلطات على أكثر من اثني عشر شخصا، مع استمرار التحقيق فيما إذا كانت هذه محاولة انقلاب، علما أن معظم الإشارات لا تدل على ذلك.
- لطالما كان الأردن جزيرة من الاستقرار وسط جيرانه، كما أنه حليف مقرب من الولايات المتحدة في المنطقة.
- ظلت عمّان حليفا أساسيا في عمليات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية في مكافحة تنظيمي القاعدة وداعش.
نتجت الخضة الأخيرة في الأردن عن تراكمات من التوترات بين الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد السابق. وقد تولى الملك عبد الله الثاني الحكم في الأردن منذ وفاة والده الملك حسين عام 1999، والذي كان قد حكم الأردن مدة أربعة عقود. وعزل الملك عبد الله الثاني أخاه الأمير حمزة من ولاية العهد عام 2004، وعيّن ابنه وليا للعهد. وكان الأمير حمزة على صلة بباسم عوض الله، وزير المالية الأسبق الذي عمل مؤخرا لدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالشريف الحسن بن زيد، أحد أفراد العائلة المالكة الأردنية. وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نهاية الأسبوع الماضي، جرت الإشارة إلى أيدٍ أجنبية كان لها دور في الانقلاب المزعوم. ونفى الأمير حمزة أي اتهامات متعلقة بروابط أجنبية، ولم يُقدّم أي دليل ملموس يشير إلى ذلك حتى اليوم. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون بعض الجهات الفاعلة الإقليمية متورّطة من وراء الكواليس، لزعزعة استقرار الأردن من جهة، ولتعزيز مكانة بعض الدول الأخرى في المنطقة لتلعب الدور الذي يلعبه الأردن بوصفه حليفا للولايات المتحدة من جهة أخرى. ولهذه الغاية، ربما يكون الأمير حمزة قد استُغل في مؤامرة أكثر تعقيدا وُئدت في مهدها.
وقد قبضت السلطات على أكثر من اثني عشر شخصا، مع استمرار التحقيق فيما إذا كانت هذه محاولة انقلاب. على أن معظم الشواهد تنفي ذلك وتؤكد على أنه مجرد خلاف عائلي توسع أكثر من اللازم. ولم يبرز أي قلق جدي حيال تورط أفراد من الجيش أو المخابرات الأردنية. وعلى الرغم من أن الأمير حمزة كان صريحا في توجيه اتهامات بالفساد طالت الحكومة الحالية، إلا أنه أعاد التأكيد لاحقا في رسالة خطية على التزامه تجاه الملك والدستور الأردني. ويرى العديد من المحللين أن ملاحظاته تعكس استياء واسع النطاق بين الأردنيين، وليست عملا فرديا يقع في إطار النشاط السياسي الفردي، ويتعزز هذا متى ما علمنا أنه تواصل مع بعض زعماء القبائل قبل توجيه اتهاماته. وفي السنوات الأخيرة، حاول حمزة بناء قاعدة له بين القبائل التي تملك نفوذا سياسيا والتي تحافظ على علاقات وثيقة مع الأسرة الحاكمة. وخلال أحداث هذا الأسبوع، اتهم ولي العهد بالإضرار بالأمن القومي، واستعان الملك عبد الله الثاني بالوسطاء من الأسرة لمساعدته في إصلاح الوضع. كما أبدى المعنيون رغبة قوية في الحفاظ على هذا الأمر مسألة عائلية داخلية. وكان ممن تواصل الملك عبد الله الثاني معهم للتعامل مع الأمر عمه الأمير حسن، تماشيا مع العرف القبلي بين الهاشميين في الأردن.
ولطالما كان الأردن يعد جزيرة من الاستقرار وسط جيرانه، فهو جار لكل من سوريا والعراق وإسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية. وقد ظل الأردن مستقرا خلال احتجاجات الربيع العربي على الرغم من اندلاع احتجاج واسع النطاق عام 2018 أدى إلى استقالة رئيس الوزراء. وقد أقنعت المظاهرات الملك عبد الله الثاني بخطورة تأثير الزيادات في الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الوقود والكهرباء. ولعل أكثر ما يشكو منه الأردنيون هو مزاعم سوء الحكم والفساد وتزايد مظاهر التفاوت الاجتماعي. وفي الصيف الماضي، أقفلت الحكومة الأردنية نقابة المعلمين واحتجزت بعض قيادتها. وتبرز مخاوف من أنه في أعقاب الأحداث الأخيرة، قد يميل الملك عبد الله الثاني إلى قمع أي معارضة، مما قد يؤدي إلى المبالغة التي تنقلب إلى ضدها فتثير رد فعل سلبيا قد يزعزع استقرار البلاد.
ولطالما كان الملك عبد الله الثاني يحظى باحترام كبير في الولايات المتحدة، حيث اعتمدت واشنطن على نفوذه الراسخ وعدته شريكا جديرا بالثقة. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس موقف واشنطن، مشيرا إلى أن «الملك يحظى بدعمنا الكامل، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى أن الأردن صديق مقرب، وهو شريك استراتيجي لا يقدر بثمن». ولدى الولايات المتحدة قوات وطائرات متمركزة في الأردن، وعملت منذ فترة طويلة مع المخابرات الأردنية لتعطيل شبكات الإرهاب السلفية الجهادية. وخلال الحرب العالمية على الإرهاب، كان الأردن حليفا أساسيا للولايات المتحدة في عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيمي القاعدة وداعش، الذي ظهر انتقامه ضد المملكة في فيديو مروع يظهر إحراق طيار أردني وهو على قيد الحياة. ويعد الأردن أيضا محاورا بالغ الأهمية بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي عام 2020، قدمت الولايات المتحدة للأردن أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات. والجدير بالذكر أن الأردن كان من أكثر الدول تأثرا بشكل مباشر بالحرب الأهلية في سوريا. واليوم، هو موطن لأكثر من 660 ألف لاجئ سوري، كما أنه داعم أساسي لجالية كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين. وتضرر الأردن بشدة من وباء كورونا، فوصل معدل البطالة فيها إلى 24.7 ٪، وترأس قائمة الدول التي سجلت أعلى معدلات الإصابة والوفاة جراء الكورونا في المنطقة. وحاليا، ينتظر صانعو السياسات والدبلوماسيون العالميون بفارغ الصبر نتائج جهود الوساطة السياسية الأردنية لتقويم تداعيات هذا النزاع.