أوّل الكلام آخره:
- أيد مجلس الرقابة المسؤول عن مراجعة القرارات الخاصة بمحتوى منصة فيسبوك الحظر الذي فرض على الرئيس السابق ترامب.
- ترك مجلس الرقابة مجالا أمام المنصة لإعادة النظر في سياساتها لتحديد ما إذا كان الحظر المفتوح المدة خيارا مناسبا.
- تضمنت إحدى توصيات مجلس الرقابة التسع ضرورة وضع سياسات أكثر شفافية فيما يتعلق بقرارات تقييد الحسابات.
- لم تركز أي من توصيات مجلس الرقابة على التحديات التقنية (مثل أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي) التي يجب على فيسبوك تبنيها مع الحلول السياسية والإجرائية التي يشرف عليها الجهاز البشري.
في 5 أيار / مايو 2021، قرر مجلس الرقابة في منصة فيسبوك، وهو هيئة أنشأتها المنصة لتقديم مراجعة مستقلة وتتألف من أكاديميين وصحفيين ومحامين، أن حظر الرئيس السابق دونالد ترامب عن المنصة له ما يسوّغه. وكانت المنصة في 7 كانون الثاني / يناير قد قررت حظر الرئيس ترامب إثر هجوم 6 كانون الثاني / يناير في الكابيتول. ويرجع قرار فيسبوك إلى تقويم الشركة بأن استمرار وصول ترامب إلى أدوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به قد يسهم في تأجيج الوضع المتأزم أصلا، مما يؤدي إلى مزيد من التحريض على العنف. وفي ذلك الوقت، أوضح مؤسس منصة فيسبوك، مارك زوكريبيرغ قرار تعليق ترامب من خلال قوله ـ«إننا نعتقد أن مخاطر السماح للرئيس بالاستمرار في استخدام خدمتنا خلال هذه الفترة هي ببساطة كبيرة جدا». وقد وافق مجلس الرقابة على هذا التقويم وسلط الضوء على منشورين على صفحة ترامب «ينتهكان وبشدة معايير مجتمع منصة فيسبوك ». وفي الوقت نفسه، لاحظ مجلس الرقابة العديد من أوجه القصور في عملية حظر الفيسبوك للرئيس ترامب والإجراءات المتعلقة بها.
وقدم مجلس الرقابة تسع توصيات قد تؤدي إلى تحسين الشفافية والمساءلة والاتساق في تنفيذ معايير المجتمع والسلامة وإنفاذها عبر مؤسسة فيسبوك. وفيما يخص حظر الرئيس ترامب، كان مجلس الرقابة واضحا بأن «عقوبة الحظر بلا سقف زمني غير واضحة ولا تتبع معايير محددة» وذلك فهي لم تكن ملائمة. وعلى هذا النحو، حمّل مجلس الرقابة العبء على منصة فيسبوك من خلال تكليف شركة وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة النظر في الحظر المفروض على الرئيس ترامب بعد ستة أشهر. وفي هذا السياق، فمع إعادة تقويم فيسبوك للحظر، من المؤكد أن توصيات مجلس الرقابة ستؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار. وعلى وجه التحديد، فإن التوصيات المتعلقة بالشفافية والتي تنص على ضرورة توفير فيسبوك «للمستخدمين معلومات يمكن الوصول إليها حول عدد الانتهاكات والعقوبات التي جرى تقويمها ضدهم» مهمة جدا. وغالبا ما يكون المستخدمون الذين ينتهي بهم المطاف وراء قضبان «سجن فيسبوك» غير مدركين لسبب الإجراءات التنفيذية المفروضة عليهم. فضلا عن ذلك، فإن توصية مجلس الرقابة بأن تشرح منصة فيسبوك عملية فرض العقوبات في صفحات معايير/إرشادات المجتمع الخاصة بها تساعد على تعزيز الشفافية. وقد تكون هذه التوصية رادعا، إذ ستجعل المستخدم يفكر مرتين في المشاركات التي يمكن أن تتعارض مع المعايير والمبادئ التوجيهية. إن تركيز مجلس الرقابة على الحاجة إلى أن يعدّل فيسبوك في عمليات فرض الحظر وإجراءاتها ومدى وضوحها، فضلا عن توقيت فرضها، ينذر بعودة مستقبلية محتملة للرئيس ترامب إلى المنصة.
ومن الواضح أن قرار مجلس الرقابة أدى ببساطة إلى تأخير العودة الحتمية للرئيس السابق ترامب إلى منصتي فيسبوك وإنستغرام. وقد ينتج عن التفاعل بين فيسبوك ومجلس الرقابة أمور تعد أكثر أهمية من السماح لترامب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. أولا، يمكن لمجلس مستقل يتمتع بحق إصدار توصيات، والتي حتى لو لم تكن ملزمة فإنها تخدم أهدافا مهما في مجال الاتصالات التعليمية والعامة، أن يغير الطريقة التي تتفاعل بها شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع مستخدميها مما يحسن التفاعل عبر الإنترنت. وبدلا من قرارات «الصندوق الأسود» التي غالبا ما يكتنفها الغموض، قد يكسب المستخدمون الشفافية التي يستحقونها. وثانيا، قد تفكر شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في تبني نموذج مماثل لمجلس الرقابة مثل فيسبوك لتحسين الشفافية بشكل أفضل. وثالثا، قد تؤدي توصية مجلس الرقابة المهمة بأن يقوم فيسبوك بإجراء مراجعة شاملة لدوره في نشر المعلومات المضللة في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 والذي أدت إلى تفاقم التوترات في الولايات المتحدة إلى استمرار تعديلات سياسات المنصة لتقليص استخدام الجهات المشبوهة للمنصة (وإن كان استبعادها تماما يبقى أمرا مستحيلا).
ومن المؤكد أن صدى توصيات مجلس الرقابة سيتردد خارج حدود الولايات المتحدة. وفي الوقت الحالي، قد تحمل التوصيات المتعلقة بتحسين منصة فيسبوك لسياساتها في مجال حقوق الإنسان تأثيرا واسع النطاق إذا كانت ستستدعي إجراءات عملية، خاصة في سياق الحالات التي قد تكون المنصة فيها قد يسّرت الانتهاكات الجسيمة للقانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية. وتذكرنا هذه التوصيات كيف استُخدمت منصة فيسبوك للتحريض على العنف في ميانمار الذي أدى إلى المجازر الجماعية للروهينغا عام 2016-2017. وفي إشارة واضحة إلى التأثير العالمي لـهذه المنصة، أوضح مجلس الرقابة أيضا في توصية أخرى أن منصة فيسبوك تحتاج إلى تطوير «موارد وخبرات كافية لتقويم مخاطر الضرر الصادر عن الحسابات المؤثرة على مستوى العالم». وتدلّ هذه التوصية وأخرى تدعو إلى تعيين موظفين متخصصين من ذوي الخبرة اللغوية والثقافية على أن موارد منصة فيسبوك الحالية لا ترقى إلى مهمة مكافحة إساءة استخدامها. وأخيرا، لا تشير أي من توصيات مجلس الرقابة التسع إلى الحاجة إلى تطوير حلول تكنولوجية لمعالجة نقاط الضعف التي طال أمدها في المنصة (مثل التضليل، وانعدام الشفافية، والتحريض). ولعله كان من الممكن التوصية بضرورة التعامل مع بعض الخوارزميات التي تغذي دورة التضليل. وبدلا من ذلك، تركز التوصيات جميعا على الحلول التي يقودها الإنسان، مثل السياسات والإجراءات والحوكمة، وهي كلها حلول تحتاج إلى موظفين متخصصين جدد. إن إحجام مجلس الرقابة عن اتخاذ موقف حازم ونهائي بشأن قرار المنصة بحظر ترامب أمر مفهوم بالنظر إلى التوازن الدقيق بين الخطاب المعتدل والخطاب الذي قد يولّد العنف. ويترك هذا السؤال اليوم لمنصة فيسبوك للفصل فيه. ولكننا إذا اتخذنا التاريخ دليلا لنا، فإنه سيخبرنا أن الخيط الفاصل سيبقى غامضا.