أوّل الكلام آخره:
- تضع الاستراتيجية الوطنية الجديدة التي رسمتها إدارة بايدن لمكافحة الإرهاب المحلي نهجا متعدد المستويات لمواجهة تحد صعب وتهديد متزايد.
- تستند استراتيجية البيت الأبيض، جزئيا، إلى زيادة التعاون بين الادارة الاتحادية والادارات المحلية، وهو الامر الذي لا يزال من الصعب تحقيقه عمليا.
- تفترض الاستراتيجية أن إدارات الشرطة المحلية هي الأكثر تفهما في السياقات المحلية للتطرف العنيف، وأن الوكالات الفيدرالية قادرة على مواجهته.
- إن اختلاف الأولويات والقدرات بين إدارات الشرطة المحلية سيظل يشكل تحديا كبيرا للوكالات الفدرالية في محاولتها مكافحة الإرهاب المحلي.
لطالما عانت الولايات المتحدة من الإرهاب المحلي، وخاصة من جماعات العنصريين البيض العنيفة والتطرف العنيف المناهض للدولة، وقد أظهر التقرير الأخير لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية ذلك بوضوح. وفي ظل غياب القوانين المحلية في الولايات المتحدة التي تصنف منظمات مثل تنظيم «كو كلوكس كلان» على لائحة الإرهابيين المحليين، تركزت الحصة الأكبر من جهود مكافحة الإرهاب على المنظمات الإرهابية الأجنبية. وعلى مدى العقدين الماضيين، خصصت موارد مكافحة الإرهاب بشكل حصري للتعامل مع مجموعات مثل القاعدة وداعش، وفروعهما الإقليمية والجماعات المؤيدة لهما. وقد اتسم هذا التهديد داخل الولايات المتحدة بمتطرفين عنيفين محليين شكلت الأيديولوجية السلفية الجهادية الدافع وراء عنفهم، وفي كثير من الحالات، كان التواصل المباشر مع القيادة المركزية للجماعات الإرهابية الدولية الدافع الأكبر لأعمال العنف. أما انتشار التطرف العنصري العنيف والتهديدات المسلحة المناهضة للدولة والعنف داخل الولايات المتحدة، وكلها ظواهر قللت من شأنها شخصيات سياسية رفيعة المستوى، فلم تلق الاهتمام المناسب إلا في الآونة الأخيرة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأعداد المتزايدة من الهجمات التي بلغت ذروتها في التمرد العنيف في الكابيتول في واشنطن العاصمة في 6 كانون الثاني / يناير 2021. وعندها فقط صارت قضية مكافحة الإرهاب المحلي اولية تحظى بالاهتمام وترصد لها الموارد الضرورية.
وانطلاقا من هذا الاهتمام المتزايد أصدر البيت الأبيض استراتيجيته الوطنية لمكافحة الإرهاب المحلي، وهي الاستراتيجية الأولى من نوعها التي تولي الإرهاب الأمريكي «المحلي» الأولوية. وفي هذه الاستراتيجية، تركز إدارة بايدن على «العنصرين الأكثر فتكا في تهديد الإرهاب المحلي اليوم: المتطرفون العنيفون بدافع عنصري أو عرقي الذين يدافعون عن العنصرية البيضاء، والمتطرفون العنيفون المناهضون للدولة أو المناهضون للسلطة، مثل المتطرفين العنيفين من الميليشيات». وستحتاج الاستراتيجية إلى مواجهة تحديين رئيسيين منذ البداية إذا كان لها أن تؤثر إيجابيا على مكافحة التهديد الإرهابي المحلي.
ويكمن التحدي الأول، كما هو الحال مع جميع الاستراتيجيات الحكومية التي تركز على التطرف العنيف، في كيفية حماية الحقوق المدنية فضلا عن حماية السلامة المدنية. وفي حالات كثيرة، فشلت الحكومة الأمريكية في تحقيق التوازن الصحيح. فليس من السهل حماية حرية التعبير، بما في ذلك خطاب الكراهية، المكفولة قانونيا ما دام هذا الخطاب لم يصل الى حد التهديد المباشر الذي يمكن إثباته قانونا، ولكن حمايتها تظل واجبا بالغ الأهمية. وقد حظيت هذه المسألة وستظل تحظى باهتمام ملحوظ وتتطلب التزاما بضمان الشفافية الكاملة. وينبغي مواصلة التعلم من الدول الديمقراطية الأخرى التي سعت إلى تطوير إجراءات قوية لمكافحة الإرهاب مع الحرص في الوقت عينه على الاعتبارات الحقوقية وعلى متطلبات الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي تتوافق مع الالتزامات الدولية بحقوق الإنسان.
وسيولى اهتمام أقل بكثير للتحدي الحاسم الثاني المتمثل في كيفية تنفيذ استراتيجية شاملة لمشكلة وطنية تتطلب عددا ضخما من النهج المحلية المصممة خصيصا لهذا الغرض. خلاصة الأمر، ستكون التكتيكات والشراكات المحلية هي المحدد النهائي لما إذا كانت استراتيجية مكافحة الإرهاب هذه ستنجح أو ستفشل. وتتضمن استراتيجية إدارة بايدن أربع ركائز، تتطلب جميعها تعاونا مستمرا بين الحكومة الفيدرالية وإدارات الشرطة المحلية والإقليمية وشرط الولايات. فالركيزة الأولى تتمحور على تبادل المعلومات، وهو تحد مستمر لجميع الأطراف المعنية. وإدارات الشرطة الأكبر حجما معتادة على العمل مع الأجهزة الأمنية الفيدرالية على الدوام، ولكن معظم إدارات الشرطة في الولايات المتحدة صغيرة الحجم، وأقل دراية بهذه الإجراءات المشتركة بين الوكالات. وسوف ترحب جميع الإدارات بالدولار الفيدرالي، ولكن طريقة انفاقه على نحو يومي سيختلف بين دائرة واخرى. وتقوم الاستراتيجية على افتراض أن إدارات الشرطة المحلية تتحلى بمعلومات أكثر دقة فيما يتعلق بالإرهاب المحلي في مناطقها. فضلا عن ذلك، تتوقع الاستراتيجية أن تحدث الإمكانيات الإضافية و الموارد المقدمة إلى إدارات الشرطة المحلية من الحكومة الاتحادية تغييرا حقيقيا. على كل حال، لا يمكن التثبت من ذلك، وقد يكون من الصعب قياس التقدم (أو عدمه).
ومما يزيد من تفاقم هذا التحدي حقيقة تغلغل أفراد داخل الشرطة الأمريكية يشكلون نفس التهديد المحلي الذي تسعى هذه الاستراتيجية الوطنية الجديدة إلى معالجته. فعدد لا يستهان به من افراد الشرطة ينتمون الى جماعات مسلحة من العنصريين البيض تسيء استخدام الشعارات الوطنية، ومجموعات مثل «الثلاثة بالمئة» و«المحافظين على العهد». ولا تزال مناقشة هذه المسألة بصراحة ومصداقية مهمة شاقة. ومما زاد الأمور صعوبة، معاناة إدارات الشرطة المحلية من تزايد الطلب على رقم الطوارئ 911 (ومعظم الاتصالات لا ترتبط بالجريمة، ولكنها مع ذلك تتطلب استجابة الشرطة). وسيكثر الجدل في بعض الإدارات حول العبء الجديد الذي تلقيه الاستراتيجية على عاتقها. ولكن يمكن القول بأنه كلما أحرز تقدم إيجابي في الجانب غير الأمني من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب المحلي، قلت الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أمنية. ولكن إلى حين إحراز هذا التقدم، لا تزال الحاجة كبيرة إلى إشراك الأجهزة الأمنية المحلية. فالعديد من الجماعات والجهات الفاعلة التي تشكل تهديدا أمنيا حقيقيا مسلحة تسليحا جيدا. وفضلا عن ذلك، فإن بناء علاقات قوية مع المجتمعات المحلية على أساس الثقة سيكون عنصرا حاسما في ضمان نجاح الخطة. ومما لا شك فيه أن مواجهة هذا التهديد المحلي ليس بالأمر السهل أو البسيط، فالمهمة معقدة بقدر ما هي ملحة.