أوّل الكلام آخره:
- خلال السنوات الخمس الماضية، ازداد الوعي العام والغضب إزاء عمليات إطلاق النار التي تنفّذها الشرطة في الولايات المتحدة.
- لا شكّ أن العلاقات بين العديد من مديريات الشرطة والمجتمعات التي تخدمها عرضة للتأثر بالتوترات الوطنية.
- لن تتغير عقلية الشرطة من عقلية المحارب إلى عقلية «حماية الجوار وخدمته» إلا من خلال تغييرات جذرية في التدريبات والتوجهات.
- أدى تقليص برامج الرعاية الاجتماعية وبرامج الصحة العقلية بشكل مباشر إلى زيادة في عدد الاتصالات الهاتفية على رقم الطوارئ 911، وإلى زيادة في الحوادث التي تطلّبت تدخّل الشرطة.
على مدى السنوات الخمس الماضية، ازداد الوعي العام والغضب إزاء عمليات إطلاق النار التي تنفّذها الشرطة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، ظل عدد الأشخاص الذين أطلقت عليهم الشرطة النار وأردتهم قتلى ثابتا نسبيا، بمعدل 1000 شخص سنويا، وفقا لبيانات صحيفة واشنطن بوست، التي بدأت في تجميع البيانات من مجموعة من المصادر العامة عام 2015. إن تحديث التقارير تحديثا منتظما أمر قيّم لأن الولايات المتحدة تعاني من مشكلة واضحة في عمليات إطلاق النار التي تشارك فيها الشرطة وكذلك في كيفية إعلان إدارات الشرطة عن هذه الحوادث. كما يصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي إحصاءات سنوية تعتمد على بيانات طوعية (ولذلك فهي غير مكتملة وقد تكون متأخرة بعض الشيء) من 18 ألف قسم للشرطة تقريبا في جميع أنحاء البلاد. ويبرز اختلاف واضح بين بيانات واشنطن بوست وإحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي، إذ بلغ عدد القتلى من عمليات إطلاق الشرطة النار في إحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي نصف عددهم تقريبا في بيانات واشنطن بوست.
وعند مناقشة مسألة عمليات إطلاق النار التي تنفذها الشرطة، يشير البعض إلى النسبة المئوية المتدنّية لمواجهات الشرطة التي تنتهي بإطلاق نار قاتل. ففي عام 2018، أصدر مكتب إحصاءات العدالة الأمريكي تقريرا أظهر أن 53.5 مليون شخص كانوا قد واجهوا نوعا من المواجهات مع الشرطة في الولايات المتحدة وأن العدد الهائل من هذه المواجهات لم ينطو على إصابات أو وفيات بسبب استخدام القوة. وكان التوقيف المروري المسبب الرئيس لمواجهة الناس للشرطة. ولكن لأن الحكومة الاتحادية تعتمد على التقديمات الطوعية للبيانات المتعلقة بعمليات إطلاق النار التي يشارك فيها العسكريون، فإن الإحصاءات الفيدرالية للوفيات الناجمة عن عمليات إطلاق النار التي نفذتها الشرطة غير مكتملة وغير شفافة إلى حد ما. والقول إن معظم المواجهات مع الشرطة لا تنتهي بالموت لا يعفي من ضرورة العمل على حملة جادة ومدروسة للحد من المواجهات القاتلة. وتمارس الشرطة سلطة الدولة عند استخدامها القوة. وهذه المسؤولية التي تتحملها الدولة، على مستوى الإدارات المختلفة أو على مستوى النظام برمّته، لا بد أن تدفع صناع السياسات والخبراء إلى إعادة التفكير في ما يعنيه أن تكون شرطيا في أمريكا. إن العلاقات بين العديد من إدارات الشرطة والمجتمعات التي تخدمها تتأثر بشكل متزايد بالتوترات الوطنية، وحتى الإدارات والمدن التي تدار باحتراف عال لا تبعد عن الاضطرابات المحتملة وحتى العنف إلا بمقدار ما يحتاجه نشر شريط فيديو واحد.
وسيتطلب مثل هذا التفكير تغييرا في العقلية، وهو أمر في متناول إدارات الشرطة إذا ما نالت التدريب والقيادة المناسبين. ولن يحدث التغيير من عقلية المحارب، التي هي بكل أسف شائعة بين العديد من أقسام الشرطة، إلى عقلية «حماية الجوار وخدمته» إلا من خلال إحداث تغييرات في التدريبات. وقد كان التدريب على خفض التصعيد جزءا من التدريبات الدورية في إدارات الشرطة على مدى السنوات الخمس الماضية، ولكن يبقى الكثير مما يتعين القيام به لتدريب الشرطة على كيفية التخفيف من حدة الوضع المتوتر والعنيف بعض الشيء على نحو صحيح. وهذا يتطلب التركيز على تدريب ضباط الشرطة على التفكير مليا، سواء لتجنب أعمال بسيطة مثل القيادة المتهورة إلى الحالات الأخطر التي قد يكون التهديد بالعنف فيها غير واضح، ولكنه ممكن. وينبغي أن يعتمد النهج الجديد للتدريب (بما في ذلك اعتماد عقلية الود مع الجوار) بدءا ببدايات مرحلة التجنيد وأن يستمر من خلال الدورات الأكاديمية والدورات أثناء الخدمة. وفي كل مرحلة يجب ألا يقتصر التركيز على سلامة الضباط، ولكن أيضا على سلامة المجتمع، إذ إن التركيز على سلامة المجتمع سيعزّز حتما سلامة الضباط.
وتتطلب التغييرات الأخرى من المجتمعات المحلية إعادة تحديد ما تتوقعه من إدارات الشرطة، ويشمل ذلك نوع المكالمات التي ينبغي أن تشرك فيها الشرطة بشكل عام. وتعد الولايات المتحدة اليوم، دولة الطوارئ 911. وعلى مدى عقود، تراجع البلد عن توفير الخدمات الاجتماعية والاستثمارات في مجال الصحة العامة، بينما سجن في الوقت نفسه عددا ضخما من الناس بسبب جرائم غير عنيفة. وقد تأثر جيل كامل بسبب هذا النقص في البرامج لمواجهته تحديات متعلقة بالصحة العقلية، وتعاطي المخدرات، والتشرد، والتفاوت الاقتصادي الشاسع، والعنصرية المنهجية، وهذا كله يحتّم عواقب سلبية يمكن التنبؤ بها. وبسبب انقطاع أي سبيل آخر، تلجأ المجتمعات المحلية إلى الاتصال برقم الطوارئ 911 لأي قضية تقريبا، سواء تعلقت القضية بأرض مهملة أو بجار يعاني من أزمة نفسية أو اضطراب عقلي. وتشتد الحاجة إلى اتباع نهج جاد ومستدام في المجتمعات المحلية لتغيير تلك الديناميكية، والتركيز على الحد من الأسباب التي لا تعد ولا تحصى التي تدعو الشعب الأمريكي إلى الاتصال بالرقم 911 واستدعاء الشرطة. فالحد من عدد المكالمات، يؤدي إلى تراجع عدد الحوادث التي تتطلب من ضباط الشرطة التدخل فيها وهم غير مجهزين للتعامل معها.