أوّل الكلام آخره:
- كشف وباء كورونا عن استمرار اعتماد الأنظمة الملكية العربية في الخليج الفارسي على صادرات الهيدروكربونات.
- إن انخفاض أسعار صادرات النفط والغاز يجبر دول الخليج على خفض الإنفاق وبيع السندات الحكومية والسحب من صناديق الثروة السيادية والاستغناء عن أعداد كبيرة من المقيمين الأجانب.
- تطال الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها دول الخليج الدول العربية الأكثر فقرا أيضا فهي كانت تعتمد إلى حد كبير على دعم دول الخليج.
- قد يؤدي الضغط الاقتصادي على دول الخليج إلى تعقيد الجهود الأمريكية لتعزيز قدرة دول الخليج على مواجهة إيران.
من الشائع أن الأنظمة الملكية والوراثية العربية الست في الخليج الفارسي، التي يجمعها مجلس التعاون الخليجي المضطرب الذي يضم المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان، تعد جميعا دولا غنية بالنفط. لكن اعتمادها على صادرات الطاقة جعلها عرضة للتداعيات الاقتصادية لوباء كورونا. وقد كشف الضعف الاقتصادي العالمي الناجم عن هذا الوباء عجز دول مجلس التعاون الخليجي حتى اليوم عن تنويع اقتصاداتها كما يجب. وقد سعت جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنويع من خلال تشجيع السياحة والخدمات المالية وبعض الصناعات الخفيفة وحتى الزراعة، ولكن لا تزال صادرات الطاقة توفر أغلبية إيراداتها الحكومية ونسبا كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي.
ولمواجهة هذا التراجع، اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ خطوات تجعلها عرضة للاستياء العام وتعيق الجهود الرامية إلى الحد من إمكانية تعرضها في المستقبل لتقلبات حادة في أسعار الطاقة. وقد خفضت بعض دول مجلس التعاون الخليجي من الإعانات السخية وغيرها من المزايا التي يطلبها مواطنوها. ومن أجل خلق فرص عمل لمواطنيها، أعادت دول الخليج العديد من المغتربين الذين يشكلون الجزء الأكبر من قوة العمل إلى بلادهم. وتعاني الحكومة الكويتية من ضعف الموارد المالية المتاحة لدفع رواتب موظفيها المدنيين بعد تشرين الأول / أكتوبر 2020، وسيتعين عليها بيع أصول من صندوق الثروة السيادية الكبير لتعويض النقص. ويهدف «صندوق الأجيال القادمة» في الكويت وصناديق الثروة السيادية المماثلة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر إلى الحفاظ على الازدهار عندما تتضاءل صادرات الهيدروكربونات. وقد يؤدي خفض أرصدة الأصول هذه إلى تعريض الأمن الاقتصادي المستقبلي للخطر. وقد فضلت بعض دول الخليج بدلا من ذلك بيع السندات الحكومية عن السحب من رأس المال المستثمر، لكن ذلك سيحتم دفع الفوائد. ولأن ميزانية الحكومة السعودية تعتمد على مدفوعات الأرباح من شركة أرامكو السعودية ذات الربحية العالية، فقد اضطرت شركة الطاقة العملاقة إلى تحمل الديون وتأجيل بعض الاستثمارات الاستراتيجية الطويلة الأجل مثل مصانع للبتروكيماويات في الولايات المتحدة، وإنشاء مصفاة في الصين، ومشاريع البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال.
كما يمكن للصعوبات الاقتصادية أن تحفز دول مجلس التعاون الخليجي على الحد من سخائها المالي، وهو ما يمكن أن يعمق الصراعات الاقتصادية والسياسية في المنطقة وخارجها. وكانت أغنى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، من المانحين الرئيسيين لبعض الدول الأكثر فقرا في المنطقة، فضلا عن مساهماتها في عمليات الإغاثة في حالات الكوارث في جميع أنحاء العالم. وفي 2018-2019، قدمت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة مجتمعة مجموعة من تدابير الاستقرار الاقتصادي بقيمة 10 مليارات دولار للأردن، بوصفها الدولة المستضيفة لملايين اللاجئين من مختلف الصراعات في المنطقة، وكان لدولة البحرين نصيبها بوصفها واحدة من أقل دول مجلس التعاون الخليجي ثراء، وكانت قد شهدت اضطرابات بين غالبية السكان من العرب الشيعة منذ عام 2011. وعلى الرغم من أن قطر لم تحذ حذو الإمارات والبحرين في الإعلان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنها تمول مشاريع كبرى للإغاثة الإنسانية في قطاع غزة في إطار الجهود التي تدعمها إسرائيل لتحفيز حماس الفلسطينية على تجنّب الصدام مع إسرائيل. وقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم بعض الأموال إلى لبنان في أعقاب الانفجار المدمر الذي وقع في ميناء بيروت في أوائل آب / أغسطس. ولكن الصعوبات المالية التي يواجهها مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب عزمه على عزل حزب الله اللبناني، الحليف الإيراني، تمنع دول مجلس التعاون الخليجي حتى اليوم من مساعدة لبنان للخروج من الأزمة المالية الكبيرة التي سبقت انفجار الميناء.
كما أن ضغط الميزانية على دول الخليج قد يعقد التخطيط الاستراتيجي الأمريكي لمواجهة إيران وإلقاء أعباء المواجهة على دول الخليج. وقد ضغطت الولايات المتحدة على دول مجلس التعاون الخليجي لإقامة نظام دفاع صاروخي مشترك (ومتكامل مع الأنظمة الأمريكية القائمة) لمواجهة قدرات إيران الصاروخية المتنامية. وقد تكون المنظومة الدفاعية ثاد، التي يعد بيعها لدول مجلس التعاون الخليجي مفتاحا لهذه الخطة، باهظة التكلفة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، إذ تزيد كلفتها عن 10 مليارات دولار. وقامت الإمارات العربية المتحدة بشراء هذا النظام قبل انتشار الوباء، وهي تسعى حاليا لشراء الطائرات المقاتلة من طراز F-35 المتطورة، وذلك على عكسدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تحد من طلبات الأسلحة الجديدة الكبيرة في ضوء العجز في ميزانيتها. وفي الوقت نفسه، لا تزال إيران تحرز تقدما في إنتاج الأسلحة، غير مبالية بالعقوبات الأمريكية المكثفة.