أوّل الكلام آخره:
- يمثل يوم جونتيينث أو عيد الحرية ذكرى نهاية العبودية في الولايات المتحدة، ففي 19 حزيران / يونيو 1865، أعتق العبيد الأمريكيون من أصول إفريقية في غالفيستون في تكساس بعد أشهر من نهاية الحرب الأهلية الأمريكية.
- من المهم الاعتراف بالدور الفعال للأمريكيين من أصول إفريقية في تاريخ الولايات المتحدة والمضي قدما نحو بلاد يكون فيها شعار «الحرية والعدالة للجميع» أمرا معاشا وحقيقيا.
- يتمحور الجدل في الخطابات السياسية حول إزالة التماثيل الكونفدرالية وإعادة تسمية القواعد العسكرية الأمريكية، بما في ذلك فورت براغ وفورت هود وفورت بينينغ.
- لا تعيش الولايات المتحدة اليوم لحظات عابرة، بل هي فرصتها الحقيقية لتقبل الرأي الآخر، وإقامة حوار هادف، وإعادة حساباتها الداخلية، والبحث عن ذاتها، وإعادة تعريف نفسها أمة ودولة.
يمثل يوم جونتيينث أو عيد الحرية ذكرى نهاية العبودية في الولايات المتحدة. ففي 19 حزيران / يونيو 1865، أعتق العبيد الأمريكيون من أصول إفريقية في غالفيستون في تكساس. وكان الجنرال الاتحادي غوردون غرينغر قد وصل إلى غالفيستون لإعلان نهاية الحرب الأهلية، وفعّل العمل بـ «إعلان تحرير العبيد» الذي وقعه الرئيس أبراهام لينكولن في الأول من كانون الثاني / يناير عام 1863. ويعرف يوم جونتيينث باسم «يوم التحرير» أو «يوم الحرية». وتزداد شعبية العيد في جميع أنحاء البلاد، نظرا لتسليط الضوء على المظالم ضد الأمريكيين من أصول إفريقية اليوم أكثر من أي وقت مضى. والاعتراف اليوم بنضالات الأمريكيين من أصول إفريقية لا شكّ أنه اعتراف بفضل حركة الحقوق المدنية، ولكنه إدراك أيضا بأن أمام الولايات المتحدة طريقا طويلا تقطعه لتصحيح ما ارتكبته من أخطاء عبر التاريخ وتحقيق مجتمع يحل فيه السلام والعدل.
بعد مقتل جورج فلويد والاحتجاجات المناهضة لوحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصول إفريقية في جميع أنحاء البلاد، تسلط الضوء أكثر على إحياء ذكرى هذا اليوم على الصعيد الوطني الذي تجتمع فيه العائلات وتقام المهرجانات أو المسيرات في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، من دنفر وكولورادو إلى أتلانتا وجورجيا ومحيطها. ومن المهم الاعتراف بالدور الفعال للأمريكيين من أصول إفريقية في تاريخ الولايات المتحدة والمضي قدما نحو بلاد يكون فيها شعار «الحرية والعدالة للجميع» واقعا معاشا وملموسا. وتفخر الولايات المتحدة بكونها نموذجا ديمقراطيا لبقية العالم، ولكن مفهوم الديمقراطية يتعدى حدود الانتخابات. فالديمقراطية تعني أيضا حماية حقوق الأمريكيين من أصول إفريقية وتكريسها، ليس فقط بإطلاق الشعارات بل بتفعيلها. وفي كل مرة تنتقد فيها الولايات المتحدة الأنظمة الاستبدادية في الصين وإيران وكوريا الشمالية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، يتهم رؤساء هذه الدول واشنطن بالنفاق، مشيرين إلى وحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصول إفريقية وإلى مواجهتها يوميا لحالات من العنصرية والانقسام. كما يشكل النازيون الجدد، والجماعات العنيفة من العنصريين البيض، والميليشيات المناهضة للدولة ولا سيما تلك المتلهفة لتسريع الفوضى وخوض حرب أهلية جديدة تهديدا متناميا على الولايات المتحدة.
ولا تنفك مخلفات الحرب الأهلية تطارد الولايات المتحدة، على الرغم من مرور 155 سنة على انتهاء الحرب رسميا. ويتمحور الجدل في الخطابات السياسية حول إزالة التماثيل الكونفدرالية وإعادة تسمية القواعد العسكرية الأمريكية، التي سميت باسم ضباط الجيش الكونفدرالي، بما في ذلك فورت براغ وفورت هود وفورت بينينغ. وردّا على الضغوط المتزايدة لإعادة تسمية القواعد، صرح الرئيس ترامب في 10 حزيران / يونيو على منصته على تويتر: «إن إدارتي لن تنظر حتى في احتمال إعادة تسمية هذه القواعد العسكرية الأسطورية. ولن أسمح بالعبث بالقواعد العسكرية التي تشكل جزءا من التراث الأمريكي العظيم. احترموا جيشنا!». ويجادل الكثير من المحللين بأن إعادة تسمية القواعد هو في الحقيقة احترام للجيش، خاصة وأن الكونفدراليين كانوا يحاولون الانشقاق عن الولايات المتحدة، وقاتلوا ضد الجيش الأمريكي بهدف الاحتفاظ بالحق في استعباد الآخرين. وكان الجنرال المتقاعد من فئة النجوم الأربع والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بترايوس قد نشر مؤخرا مقالا في صحيفة «أتلانتيك» قال فيه إن «الوقت قد حان لإزالة أسماء الخونة… من على أهم القواعد العسكرية في بلادنا».
وتتزايد الدعوات إلى أن تعلن الحكومة الفدرالية الأميركية يوم جونتيينث يوم عطلة وطنية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من إبراز مكانته ويساعد في تثقيف الأمريكيين حول ما يمثله هذا العيد وأسباب أهميته، ليس للأمريكيين من أصول إفريقية فحسب، ولكن لجميع شعوب الولايات المتحدة. إن الاعتراف بالمظالم التاريخية وإرث العبودية أمر بالغ الأهمية لدعم قضية العدالة العرقية عام 2020. وتنتشر اليوم موجة من النشاط والوعي تتمتع بإمكانات حقيقية لإحداث تغيير سياسي حقيقي تشتد الحاجة إليه في ظل هذه الظروف. وقد أعلن عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي كريس ميرفي مؤخرا أن «المخاوف من العاصفة الجديدة التي قد تهب على العدالة العرقية وتجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة في أعين العالم انقلبت رأسا على عقب. وقد تتحول لحظة الحساب هذه في نهاية المطاف إلى تعريف العالم بالنموذج الأمريكي الحقيقي…». ولا تعيش الولايات المتحدة اليوم لحظات عابرة، بل هي فرصتها الحقيقية لتقبل الرأي الآخر، وإقامة حوار هادف، وإعادة حساباتها الداخلية، والبحث عن ذاتها، وإعادة تعريف نفسها أمة ودولة.