أوّل الكلام آخره:
- عاد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن مؤخرًا من آسيا، حيث سعى إلى طمأنة الحلفاء وإرسال رسالة إلى الصين مفادها أن واشنطن لن تتراجع عن جهودها لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة.
- أتت الزيارة ضمن جهود الولايات المتحدة لتشكيل استراتيجية لمواجهة صعود الصين، وقد كانت هذه أولوية أمريكية قصوى بالفعل ولكنها اكتسبت زخما جديدا في الأشهر القليلة الماضية.
- ظلت إدارة بايدن حذرة بشأن التعامل مع بيونغ يانغ، بخلاف أسلوب تعامل إدارة ترامب العدواني، ولكن غير المثمر في نهاية المطاف.
- بين التهديد الذي يشكله نظام كيم جونغ أون والذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله، والتوترات عبر المضيق، والحاجة إلى إظهار الالتزام بالحلفاء في المحيطين الهندي والهادئ، فإن على جدول أعمال إدارة بايدن تحديات سياسية خارجية لا تعد ولا تحصى.
عاد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن مؤخرًا من رحلة إلى آسيا حيث سعى إلى طمأنة الحلفاء وإرسال رسالة إلى الصين مفادها أن واشنطن لن تتراجع عن جهودها لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي حين حظي تعليق بايدن بأن الولايات المتحدة ستدافع بالفعل عن تايوان في حالة حدوث غزو عسكري صيني باهتمام إعلامي كبير، فإن الدبلوماسية الهادئة خلف الكواليس هي الأهم في تشكيل مستقبل الحضور الأمريكي في المنطقة. وقد أدلى وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين بتصريحات أمس حاولت توضيح نهج إدارة بايدن تجاه الصين. وقد بيّن بلينكين، دون الخوض في الكثير من التفاصيل، أن استراتيجية إدارة بايدن تقوم على التركيز على تعزيز الديمقراطية والابتكار، ودعم الحلفاء في المنطقة، والتنافس بقوة مع الصين – اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا. وفي ضوء الأداء العسكري الضعيف لروسيا في أوكرانيا وخضوعها الاقتصادي المحتمل للأسواق الصينية، اقترح بعض المراقبين أن عصر منافسة القوى العظمى قد يكون قصير الأجل، إذ سرعان ما سيحل محله نظام دولي جديد ثنائي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين.
على أن الغزو الروسي لأوكرانيا ظل مخيما على رحلة الرئيس، خاصة وأن واشنطن حاولت إظهار الوحدة مع الحلفاء والشركاء الآخرين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك اليابان والهند وأستراليا، في القمة الشخصية الثانية بين قادة ما يعرف بالحوار الأمني الرباعي، والذي كتيرا ما يشار إليه بـ «الرباعية». وقد كشف الرئيس بايدن النقاب عن مبادرة اقتصادية جديدة، تُعرف باسم الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن المبادرة لم ترق إلى مستوى توقعات العديد من الحلفاء الآسيويين، الذين أعربوا عن إحباطهم من افتقار الخطة إلى تخفيضات الرسوم الجمركية وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق. وقد ناشد رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، الرئيس بايدن التفكير في إعادة الانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ التي انسحبت منها الولايات المتحدة فجأة في عام 2017. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تلتزم الولايات المتحدة باتفاقية التجارة في ضوء الضغوط السياسية المحلية من مختلف الأطياف السياسية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال اليابان حليفًا ثابتًا للولايات المتحدة وتولت دورًا استباقيًا أكثر بكثير مما كان متوقعًا في تقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا. كما تواصل واشنطن عدّ طوكيو شريكًا مهمًا في العديد من القضايا الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.
وقد أتت الزيارة ضمن جهود الولايات المتحدة لتشكيل استراتيجية لمواجهة صعود الصين، وقد كانت هذه أولوية أمريكية قصوى بالفعل ولكنها اكتسبت زخما جديدا في الأشهر القليلة الماضية. وتتزايد المخاوف أيضا بشأن كوريا الشمالية وما تثيره من زعزعة للاستقرار. ولم يمر صخب بيونغ يانغ دون أن يلاحظه أحد، ولا يزال من غير الواضح ما هي استراتيجية إدارة بايدن للتعامل مع السياسة الزئبقية لكيم جونغ أون. وقد اختبرت كوريا الشمالية يوم الأربعاء، بعد ساعات من اختتام الرئيس الأمريكي بايدن رحلته، صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات، فضلا عن إطلاق صاروخين آخرين يعتقد أنهما اختبار لصواريخ باليستية قصيرة المدى. وقد التقى بايدن خلال رحلته إلى آسيا بيون سوك يول، الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية، وركزت المناقشات على التدريبات العسكرية المشتركة بين القوات الأمريكية والكورية.
ومما يزيد الوضع تعقيدًا في كوريا الشمالية تقارير عن تفاقم أزمة وباء الكورونا في البلاد. ويؤدي نقص التغذية وانتشار السل داخل البلاد إلى زيادة المخاطر التي يشكلها فيروس كورونا على السكان. وقد ظلت إدارة بايدن حذرة في الغالب بشأن التعامل مع بيونغ يانغ، بخلاف أسلوب تعامل إدارة ترامب العدواني، ولكن غير المثمر في نهاية المطاف. ويبدو أن نهج إدارة بايدن يمكن أن يقارن مع نهج إدارة أوباما، الذي كان يوصف بأنه قائم على تبني «الغموض الاستراتيجي» وتجنب التصعيد. بين التهديد الذي يشكله نظام كيم جونغ أون والذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله، والتوترات عبر المضيق، والحاجة إلى إظهار الالتزام بالحلفاء في المحيطين الهندي والهادئ، فإن على جدول أعمال إدارة بايدن تحديات سياسية خارجية لا تعد ولا تحصى. ومن المفهوم أن العدوان الروسي في أوكرانيا يشغل الولايات المتحدة على نحو كبير، ولكن الإدارة حريصة على التأكيد على أن دعمها لكييف لن يصرفها عن الانتباه إلى القضايا الملحة الأخرى، بما في ذلك السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة في آسيا.