أوّل الكلام آخره:
- كانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى جنوب شرق آسيا الأسبوع الماضي تهدف إلى حشد دعم الحلفاء الإقليميين وتعزيز التزامات واشنطن في المنطقة في مواجهة الصين الصاعدة.
- يشعر الكثيرون بالقلق من أنه من دون بديل آخر، ستصبح مبادرة الحزام والطريق الصينية أكثر جاذبية لدول المنطقة.
- لطالما تعرضت الصين لانتقادات بسبب نهجها «الافتراسي» في الدبلوماسية والحكم، حتى مع استمرار بكين في الاستثمار في البنية التحتية للمواصلات في المنطقة، مع مشاريع في لاوس وفيتنام وإندونيسيا.
- أشار بلينكين أثناء إلقاء خطابه في إندونيسيا إلى أهمية الهيئات الإقليمية والشراكات الجديدة التي يُنظر إليها على أنها حجر الزاوية في شبكة الغرب من التحالفات والعلاقات المصممة لموازنة الصين.
كانت رحلة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى جنوب شرق آسيا الأسبوع الماضي تهدف إلى حشد دعم الحلفاء الإقليميين مع إبراز التزام واشنطن الدائم بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولا سيما في مواجهة الصين الصاعدة. وفي الواقع، فقد خيم ظل بكين على معظم رحلة بلينكين، وظهر سعي وزير الخارجية إلى توفير بديل لنفوذ الصين المتنامي في جميع أنحاء المنطقة. كما انتقد بلينكين «الأعمال العدوانية» للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبي، وانتقد أيضا سجل بكين في مجال حقوق الإنسان. وفي الإطار الأوسع للتنافس بين القوى العظمى، فكل الدول تبدو بمثابة أحجار على لوحة الشطرنج الجيوسياسية في الوقت الذي تتصارع فيه الولايات المتحدة والصين على النفوذ، وتنظران بشكل متزايد إلى العلاقات الثنائية من خلال عدسة محصلتها صفر. وقد سعت واشنطن منذ عهد أوباما إلى تقليص التزاماتها في الشرق الأوسط من أجل «التمحور نحو آسيا». ومع ذلك، فقد كان من الصعب تحقيق هذه الاستراتيجية في الواقع بسبب التوترات المستمرة مع إيران وعدم الاستقرار المستمر في العراق وسوريا وغيرها من النقاط الساخنة الجيوسياسية من بلاد الشام إلى الخليج الفارسي.
وللولايات المتحدة، خارج الشراكة الرباعية بينها وبين الهند واليابان وأستراليا، حلفاء كثيرون في جنوب شرق آسيا – بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وتايلاند وسنغافورة، على سبيل المثال لا الحصر – وهم قلقون بشأن الاستثمارات والتجارة والدبلوماسية والقضايا الأمنية. وقد توترت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها عندما تخلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية تجارية متعددة الأطراف تضم 12 دولة صاغتها إدارة أوباما وتهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع منطقة الهند والمحيط الهادئ. ويشعر الكثيرون بالقلق من أنه من دون بديل آخر، ستصبح مبادرة الحزام والطريق الصينية أكثر جاذبية. ولا تزال إدارة بايدن تعمل على وضع إستراتيجية رسمية تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ تتضمن مبادرات حول التجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد والطاقة النظيفة. وبينما عجّ خطاب بلينكين بكل الكلمات الطنانة الصحيحة سياسيا، سيكون من الصعب ترجمة النقاط التي دار عليها الحديث في الورقة البيضاء إلى أفعال. وهذا صحيح بشكل خاص لأن الولايات المتحدة لا تزال منشغلة بالعديد من الأولويات المحلية، التي تشمل موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا، والقضايا الدولية خارج منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك العدوان الروسي على أوكرانيا.
وقد أشار بلينكين أثناء إلقاء خطابه في إندونيسيا إلى أهمية الهيئات الإقليمية مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا والشراكات الجديدة مثل AUKUS، وهي اتفاقية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وكثيرا ما يُنظر إلى هذه الهيئات على أنها حجر الزاوية في شبكة الغرب من التحالفات والعلاقات المصممة لموازنة الصين. وقد اتهم وزير الخارجية التايلاندي السابق، كاسيت بيروميا، الذي تولى الوزارة من عام 2008 إلى عام 2011، الصين بمحاولة تقسيم رابطة دول جنوب شرق آسيا بوعودها المتعلقة بالتجارة والاستثمار. ويبدو أن لاوس وكمبوديا منغمستان بشكل أكبر في فلك الصين، بينما تظل فيتنام ودول أخرى أكثر حذرًا من تصرفات بكين، بالنظر إلى التوترات التاريخية وميل الصين إلى التنمر على الدول الأصغر في المنطقة. وتنتقد كمبوديا الولايات المتحدة لفرضها عقوبات على علاقاتها بالجيش الصيني، بما في ذلك استخدام الجيش الصيني لقاعدة ريام البحرية في كمبوديا، والواقعة على طول خليج تايلاند.
لقد وعدت الولايات المتحدة بمليارات الدولارات على شكل مساعدات واستثمارات، كما أنها تشارك أيضًا في دبلوماسية اللقاحات من خلال التبرع بأكثر من 300 مليون لقاح لدول المنطقة «دون قيود»، وفقًا لما ذكره بلينكين. ولطالما تعرضت الصين لانتقادات بسبب نهجها «الافتراسي» في الدبلوماسية والحكم، حتى مع استمرار بكين في الاستثمار في البنية التحتية للمواصلات في المنطقة، مع مشاريع في لاوس وفيتنام وإندونيسيا. وانتقد بلينكين المجلس العسكري في ميانمار وبعض الفظائع التي ارتكبها النظام العسكري الحاكم. وقد قُطعت رحلة وزير الخارجية عندما ثبتت إصابة أحد الصحفيين في الوفد المرافق له بفيروس كوفيد-19. وقد أعرب بلينكين عن أسفه لعدم تمكنه من زيارة بانكوك كما كان مقررًا في الأصل، لكنه دعا نائب رئيس الوزراء التايلاندي دون برامودويناي إلى واشنطن في أقرب وقت ممكن من أجل مواصلة المحادثات التي أثارتها هذه الرحلة.