أوّل الكلام آخره:
- لم تكن الادعاءات الأخيرة المتعلقة بدفع مكافآت روسية لمتمردي حركة طالبان الذين قتلوا أمريكيين مفاجئة لأغلب محللي الأمن القومي الأمريكي، رغم انزعاج الكثيرين من فشل الرئيس ترامب في اتخاذ أي إجراء ضد موسكو بعد اطلاعه على المخطّط في شباط / فبراير 2020.
- إن المكافآت الروسية لمتمردي حركة طالبان تتطابق تماما مع طريقة تعامل الكرملين، فروسيا لا تقيم وزنا كبيرا للقانون الدولي، ولا تهتم كثيرا بالأعراف السياسية والدبلوماسية أو العلاقات الدولية.
- سواء كانت روسيا تعمل في البلدان المجاورة أو في مناطق أبعد في الشرق الأوسط أو أوروبا الغربية أو أمريكا اللاتينية، فإنها لا تتردد في استخدام مزيج من الأدوات المشبوهة كمجموعات المرتزقة والهجمات الإلكترونية والعمليات السرية، بما في ذلك الاغتيالات، لتحقيق أهدافها الأمنية القومية.
- تسلط عمليات التضليل الروسية الضوء على القضايا المثيرة للانقسام في المجتمع الغربي، مفاقمة التوترات المتعلقة بالعرق، وبالتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، ومؤخرا بكيفية مواجهة وباء كورونا.
في نهاية الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقا تناول المزاعم بأن المخابرات العسكرية الروسية المعروفة باسم «جي آر يو» عرضت مكافأة مالية لمتمردي حركة طالبان الذين قتلوا عناصر من القوات الأمريكية أو البريطانية في أفغانستان. ولم يكن ذلك مفاجئا لأغلب محللي الأمن القومي الأمريكي نظرا لسجل روسيا، ولكن الكثيرين كانوا محبطين من فشل الرئيس ترامب في اتخاذ أي إجراء ضد موسكو بعد اطلاعه على المخطّط في الموجز الرئاسي اليومي منذ عدة أشهر. وقد حاول المسؤولون في البيت الأبيض التقليل من شأن الخبر، ولكنها لم تكن المرة الأولى التي يُظهر فيها الرئيس ترامب اللين عند مواجهته تكتيكات روسيا العدوانية. وعلى مر السنين، أعرب الرئيس ترامب عن تقارب قوي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى إنه انحاز إليه على حساب الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية في تقويمه لتدخل موسكو في انتخابات عام 2016. وعلى الرغم من اعتراضات حلفاء أمريكا الأساسيين، أعرب الرئيس ترامب كذلك عن رغبته في دعوة بوتين إلى قمة مجموعة السبع في الولايات المتحدة في خريف عام 2020.
إن المكافآت الروسية لمتمردي حركة طالبان تتطابق تماما مع طريقة تعامل الكرملين، فروسيا لا تقيم وزنا كبيرا للقانون الدولي، ولا تهتم كثيرا بالأعراف السياسية والدبلوماسية أو العلاقات الدولية. وعلى الرغم من أن ما يسمى «عقيدة جيراسيموف» وعمليات روسيا في «المنطقة الرمادية» هي محل متابعة من الكثيرين، فإن الواقع هو أن الحرب الروسية غير المتكافئة وعمليات التأثير قد حققت عائدات كبيرة لاستثمارات بوتين. وكما هي الحال مع برنامج المكافآت في أفغانستان الذي كشف عنه مؤخرا، فإن إفلات روسيا من المساءلة عن أعمال يمكن وصفها بغير المقبولة لن يدفعها إلا إلى مواصلة هذه الأنشطة. وفي الوقت نفسه الذي شجعت فيه روسيا مقاتلي حركة طالبان على استهداف القوات الأمريكية والبريطانية، عملت موسكو في القنوات الخلفية لتعزيز موقعها في عملية السلام.
وسواء كانت روسيا تعمل في البلدان المجاورة أو في مناطق أبعد في الشرق الأوسط أو أوروبا الغربية أو أمريكا اللاتينية، فإنها لا تتردد في استخدام مزيج من الأدوات المشبوهة كمجموعات المرتزقة والهجمات الإلكترونية والعمليات السرية، بما في ذلك الاغتيالات، لتحقيق أهدافها الأمنية القومية. وفي سوريا، تقترب القوات الروسية من الجزء الشرقي من البلاد، مركز القوات الأمريكية. أما في ليبيا فقد أرسلت موسكو مجموعات أخرى من المرتزقة من مجموعة فاغنر، وطائرات نفاثة من طراز ميج –29، وزودتها بنظام رادار متطور للمساعدة في تعزيز نفوذ زعيم الحرب خليفة حفتر. أما في فنزويلا، فقد سعت روسيا إلى تعزيز نظام الرئيس نيكولاس مادورو، في حين كثف الكرملين في إفريقيا جهوده الدعائية لصقل صورة روسيا مع تشويه سمعة الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. كما أرسلت روسيا مرتزقة إلى السودان والموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى لكسب ودّ القادة الأفارقة الذين يحاولون قمع الاضطرابات الداخلية.
واليوم، بات موثّقا أن الحركة الإمبراطورية الروسية (التي صنّفتها الولايات المتحدة كيانا إرهابيا عالميا في نيسان / أبريل الماضي) درّبت الإرهابيين من جماعات العنصريين البيض من جميع أنحاء أوروبا في معسكرات تدريب في سانت بطرسبرغ في روسيا، كما أنها تتعاون مع جماعات العنصريين البيض في الولايات المتحدة. ويزعم أن زعيم جماعة القاعدة (ذا بايس) النازية الجديدة، وهو مواطن أمريكي يدعى رينالدو نازارو (الملقب بنورمان سبير) يعيش في سانت بطرسبرغ. وفضلا عن تقديم مستويات مختلفة من الدعم للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر جماعات العنصريين البيض، تعتمد روسيا أيضا على التضليل الإعلامي اعتمادا بالغا. ورغم أنها تهتم بتكييفه تكييفا دقيقا، فإنها قادرة على نشره نشرا واسعا عبر حسابات «جيش البوتات» والحسابات المزيفة على الإنترنت. وتسلط عمليات التضليل الروسية الضوء على القضايا المثيرة للانقسام في المجتمع الغربي، مفاقمة التوترات المتعلقة بالعرق، وبالتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، ومؤخرا بكيفية مواجهة وباء كورونا.